رغم الاختلافات العميقة في وجهات النظر

مصير سورية رهن اتفاق القوى الإقـــليمية والدولية

حضور أطراف النزاع في محادثات فيينا يعتبر خطوة إلى الأمام. أ ف

بينما يصرّ الرئيس السوري بشار الأسد ومؤيدوه على البقاء في الحكم، يؤكد خصومه أن لا مكان له في مستقبل سورية. وترى واشنطن وباريس وحلفاؤهما في الشرق الأوسط أن الأسد هو المسؤول عن المأساة في بلده، وتالياً يجب ألا يلعب أي دور في مستقبل سورية. في المقابل تطالب كل من موسكو وطهران ببقاء الأسد في الفترة الانتقالية، على الأقل، ومن ثم يحدد الشعب السوري مصيره بنفسه. وفي غضون ذلك يقول مسؤولون في الكرملين إن أي تسوية سياسية سيكون من الصعب تنفيذها في ظل وجود المجموعات المتطرفة. وخلال المحادثات التي جمعت بين أطراف فاعلة في الأزمة، في فينيا اخيرا، بدأت الأمور في التقدم وبات من الممكن التفاوض في هذه المسألة، وذلك على الرغم من الاختلافات العميقة في وجهات النظر.

فيديريكا موغيريني

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/11/387737.jpg

الاتحاد يمتلك قناة التواصل الأهم بعد الاتفاق حول النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في شهر يوليو الماضي.


حجر عثرة

بدأت مباحثات دولية في فيينا بهدف التوصل إلى حل سياسي للنزاع السوري الذي راح ضحيته ربع مليون شخص حتى الآن، ولكن كل المؤشرات تدل على أن الطريق لاتزال طويلة لبلوغ هذا الهدف. ويقول مراقبون إن حضور أطراف إقليمية في الحوار يعد في حد ذاته خطوة إلى الأمام. وقال مسؤول دبلوماسي أوروبي كبير، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن «الحل الوحيد للأزمة السورية هو في جلوس العدد الأكبر من الفاعلين حول طاولة المحادثات، ولهذا فإن بدء المفاوضات حتى وإن كان الأمر مجرد بداية فهو أمر جيد».

ويعد تنظيم عملية انتقالية سياسية بين النظام الذي يرأسه بشار الأسد وحكومة تمثل كل مكونات المجتمع السوري باستثناء الجماعات الإسلامية المتطرفة، مسألة في غاية الصعوبة والأهمية. وفي ذلك قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، جون كيري، قبل توجهه إلى فيينا «يبدو أن المباحثات الأكثر أهمية ستتناول على الأرجح ما يمكن أن يشبه حكومة انتقالية وكيف يمكن تشكيلها وتنظيمها، لتحظى بقبول واسع»، ولكن بقاء أو رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وموعد مغادرته، يمكن أن يشكل حجر عثرة إذا ما أصرت دول معارضة لبقائه على طلب حدوث ذلك في أسرع وقت، ورفض آخرون مثل روسيا وإيران اعتبار ذلك شرطاً مسبقاً.

 تقول وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إنه من المهم أن تكون جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية حاضرة في هذا اللقاء، معتبرة أن الاتحاد يمتلك قناة التواصل الأهم بعد الاتفاق حول النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في شهر يوليو الماضي، الأمر الذي يؤهل أوروبا لأن يشمل إيران ليكون جزءاً من الحل. ومع صعوبة العمل سوياً بين بعض الأطراف المعنية، ترى المسؤولة الأوروبية أن دفع جميع الأطراف في الاتجاه نفسه هو السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية. ويرى مراقبون أن المساهمة الأوروبية في ما يخص البرنامج النووي الإيراني عززت دور أوروبا الذي يمكن أن تلعبه من أجل حل الأزمة في سورية، فقد أوجدت أسابيع المفاوضات مع طهران ثقة وتفاهماً كبيرين بين الأطراف المعنية.

 في الواقع، لدى كل من الأطراف المعنية أهداف خاصة؛ فتركيا تضع قتال الأكراد أولوية سياستها في هذا السياق، في حين تسعى روسيا إلى استعادة مكانتها كقوة عظمى، ويريد الأميركيون والأوروبيون المحافظة على أقل حد من الأخلاق، جنباً إلى جنب مع مصالحهم الإقليمية، الأمر الذي يجعل من الصعب، وفق المراقبين، التوصل إلى صيغة حل ترضي الجميع. وانتقد كثيرون غياب المفاوض السوري في مؤتمر فيينا، وفسره البعض على انه نقطة ضعف قاتلة في المحادثات. كما أن غياب الأطراف المتحاربة في سورية عن تلك المحادثات ربما سمح بعدم غلق الأبواب، لكن اي قرار تتخذه الاطراف مستقبلا ربما سيتم تجاهله من قبل المتحاربين في الميدان.

ويرى محللون فرنسيون أن بلادهم لا تملك كثيرا من الأوراق التي تمكنها من العودة إلى الواجهة في اللعبة الدبلوماسية بشأن سورية بعد أن تم تهميشها. وفي ذلك تقول المحللة السياسية، إيزابيل لسير، إن فرنسا التي تم تجاهلها في محادثات فيينا الأسبوع الماضي، والتي جمعت فقط بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا والسعودية على مستوى وزراء الخارجية، تسعى الآن إلى العودة إلى الواجهة في ما يتعلق بالمشهد السوري. فيما تعتبر لسير، قرار باريس المشاركة ضمن قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم «داعش»، انما جاء بهدف ضمان «كرسي على طاولة المفاوضات أكثر منه الحصول على معلومات استخباراتية، التي تقول السلطات الفرنسية إنها تندرج في إطار مكافحتها للإرهاب». وقد دعت باريس، الأسبوع الماضي، وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والسعودية وتركيا، بهدف تجهيز الساحة لمواجهة روسيا وإيران، لكن فرنسا لا تمتلك ما يمكنها لفرض نفسها كلاعب رئيس في المشهد السوري، على عكس موسكو وطهران.

في المقابل، يرى الخبير السياسي في مركز باريس للدراسات السياسية والاستراتيجية، جيريمي لوهافان، أن حضور المفاوضين الإيرانيين يشكل فرصة حقيقية لاختبار دور طهران في المشهد السوري، كونها الداعم الرئيس لنظام الأسد. أما الباحث السياسي الفرنسي توماس ديلانوي، فيعتقد أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تشرك إيران في مفاوضات سورية، لأنها تمثل ثقلاً في الأزمة، بما تمتلكه من أدوات تأثير في النظام في دمشق. وأشار الباحث الفرنسي إلى أنه في الوقت نفسه «تعهد الأميركيون للإيرانيين بإمكانية ضخ رؤوس أموال في اقتصادهم مقابل أن تلعب إيران دوراً دبلوماسياً يسهم في حل الأزمة السورية».

وهذا التحول في السياسة الإيرانية، وفقاً لديلانوي، جاء في ظل خلافات بين الحرس الثوري الإيراني وهيئة الأركان السورية بعد الخسائر التي لحقت بالمقاتلين الإيرانيين، الذين يحاربون إلى جانب الجيش السوري.

 

يأتي ذلك في وقت مازالت فيه أجواء الحرب الباردة تخيم على العلاقات الروسية الأميركية، بسبب الأزمتين الأوكرانية والسورية، إلا أن واشنطن وموسكو لا تريدان حرباً مفتوحة، بل تطمحان لأن تكون الحرب في سورية محدودة. ويبدو واضحاً أن البيت الأبيض لا يسعى حالياً للاصطدام بالكرملين، لكن صمت الأميركيين وتحركهم الفاتر في سورية يثير شكوك المراقبين. ورغم الجهود الدبلوماسية وإبداء الرغبة في التعاون مع الروس، تبقى أميركا حريصة على أن تظل القوة الأولى في الشرق الأوسط رغم التصريحات بإمكانية الانسحاب من المنطقة.

 

أما طهران التي ظل دورها العسكري في سورية غامضاً، فهي تسعى لتحقيق مكاسب خاصة بعد الخسائر التي منيت بها قواتها هناك، وقد قامت إيران بتعزيز أدوارها خلال الأسابيع الأخيرة، من خلال مشاركة قواتها في هجوم الأسد ضد حلب. ومع توسيع عملياتها في سورية والخسائر الكبيرة التي تكبدتها، بدأ الناس يشعرون بها في إيران. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير، إن «دوراً لبشار الأسد ربما يكون مهماً» في أي عملية سياسية في المستقبل، «لا نعمل لإبقاء الأسد في السلطة إلى الأبد، لكننا ندرك جيداً دوره، وشعب سورية سيتخذ القرار النهائي».

ويشكل مصير الأسد نقطة الخلاف الأبرز في المفاوضات، وفي ذلك يقول مصدر دبلوماسي فضل عدم الكشف عن اسمه، «الشركاء الغربيون والعرب متفقون على مصير الأسد، ويرون أنه لا دور له في المستقبل، لأنه لا يستطيع جمع شعبه حوله، ومن ثم لن يكون بإمكانه محاربة التطرف». في المقابل، يصر الروس على بقاء الأسد في الحكم خلال الفترة الانتقالية، إلى أن يقرر الشعب السوري مصيره؛ وهو الموقف الذي تسانده طهران إلى حد كبير. وترفض المعارضة السورية هذا الموقف جملة وتفصيلاً، وتطالب برحيل الاسد الفوري.

تويتر