بسبب السياسة الغربية الخجولة

روسيا تتدخل عسكرياً في سورية لتصحيح المسارات

صورة

يعتقد أكثر من محلل أن التدخل الروسي إلى جانب الرئيس السوري، بشار الأسد، قد يزيد من فرص السلام، إذا كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتعامل بصرامة مع هذا الحليف، فقد شهد الوضع السوري العديد من التقلبات القاسية خلال الحرب الأهلية، من انتفاضة سلمية إلى ثورة مسلحة يائسة، ثم حمام دم طائفي، وتطور أكثر من ذلك في الآونة الأخيرة إلى مختبر للجهاديين، وميدان تمارين للجهات الأجنبية الفاعلة، ويبدو أن الوضع لم يتحسن أبداً، ولبضع سنوات ظل الصراع يدور في وضع يشبه لعبة الشطرنج، من حصار للخصم وإحراج للشاه، ما اضطر الكثير من السكان إلى الهروب واللجوء، أكثر من أي وقت مضى، إلى دول أخرى، ولم يستطع أي من الفرقاء المتحاربين إلحاق الهزيمة بالفريق الآخر.

الوقت المناسب

تأتي المساندة الروسية في الوقت المناسب، فقد ظل سلاح الجو السوري فعالاً في قصف المناطق التي يسيطر عليها الثوار، الأمر الذي خلق مزيداً من اللاجئين، إلا أنه مع تقلص عدد طائراته التي يعتريها القدم، أصبح غير قادر على تقديم الدعم الوثيق في العمليات التكتيكية. وتضم القوة الروسية المنتشرة الآن في قاعدة جوية ساحلية في معقل العلويين في سورية 20 طائرة هجوم أرضي، وطائرات هليكوبتر، وربما تضم أحدث الطائرات الحربية ذات القدرات العالية (كي 52)، وجلبت روسيا أيضاً طائرات استخباراتية من دون طيار ومعدات إشارة. وتشير تقارير إلى احتمال نشر المزيد من القوات والمعدات الروسية، وتعكس صور الأقمار الاصطناعية توسع العمل في قواعد سورية على طول الساحل، وفي ميناء طرطوس، حيث تحتفظ روسيا بمستودع إمدادات بحرية.

ونرى الآن أن بوتين دفع إلى الواجهة بوضع جديد وقوي، يتمثل في قوة ضاربة يصل قوامها إلى 2000 جندي، تدعمها طائرات ومدرعات وثلة من الاستخبارات، وتأتي هذه الخطوة المفاجئة لتعزز بقوة حليفه، النظام السوري الوحشي، المحاصر بشكل متزايد. ولكن لم يتضح حتى الآن كيفية استخدام روسيا قوتها. ويمكن أن تصعد القوة الروسية ببساطة القتال وتزيده تعقيداً، ويمكنها أيضاً أن توفر الثقل الحاسم، عسكرياً وربما دبلوماسياً للأسد، ويعتمد ذلك على كيفية إدارة بوتين لهذه اللعبة.

وتمثل حكومة الأسد جانباً واحداً فقط في حرب متعددة الأوجه، حيث أصبحت البلاد مقسّمة إلى قطاعات يسيطر عليها «داعش»، والأكراد السوريون، ومجموعة متنوعة من الميليشيات المناهضة للنظام، معظمها إسلامية. وعلى الرغم من أن الأسد يسيطر على أقل من ربع الأراضي السورية، إلا أن هذا الجزء لايزال يشكل المساحة التي يوجد عليها العدد الأكبر لمن تبقى من الشعب السوري في البلاد. وعلى الرغم من المساعدات السخية من إيران وروسيا إلا أن نظام الاسد بدأ يفقد الأرض من تحته في الآونة الأخيرة. وانكمش الجيش السوري، الذي كان تعداده في مرة واحدة يصل إلى نحو 250 ألف جندي، إلى أقل من 125 ألف جندي مدعومين من قبل ميليشيات محلية، وميليشيات شيعية (متطوعين)، بما في ذلك «حزب الله»، المدعوم من قبل إيران. واستطاعت قوة نيران الجيش السوري وسيادتها على الأجواء ــ باستثناء قوة نيران قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش» ــ أن تؤخر تقدم الثوار، لكنها لم تستطع أن تردعهم، على الرغم من ضعف قواتهم بسبب انشطارها وتشظيها، إلا أنهم ــ أي الثوار ــ ظلوا مدفوعين بكراهيتهم العميقة حيال النظام.

وهذا من شأنه أن يمنح الأسد مزيداً من النفوذ على عدد من جبهات القتال، مثل سهل الغاب، حيث استطاعت قوات الثوار ان تدفع بزخمها في الآونة الأخيرة نحو الجنوب، ما يهدد بقطع الساحل السوري من الداخل. وفي الصحراء إلى الشرق استطاعت قوات «داعش» هذا هو الربيع ان تسيطر على حقول النفط والغاز الحكومية، وكذلك مدينة تدمر القديمة، وتحاصر قاعدة جوية للنظام خارج مدينة دير الزور التي تسيطر عليها الحكومة. إلا أن خطوط إمداد الجهاديين صارت ممتدة لمسافات طويلة، وأصبحت عرضة للهجوم من الجو، ولهذا فإن مزيداً من القوة الجوية تصبح ضرورية لتعزيز الممر الضيق، الذي يربط بين الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في حلب ــ ثاني أكبر مدن سورية ــ مع الجنوب.

ويقول الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، اميل حكيم «إن دخول روسيا يمكن أن يغير قواعد اللعبة عسكرياً في بعض الجبهات»، لكنه يتساءل ما اذا كان الدعم الروسي سيساعد الأسد على استعادة السيطرة الكاملة على البلاد؟ ويجيب «كلا»، لأن الدعم الروسي، بدلاً من مساعدته على وضع حد للحرب لصالح الرئيس السوري، قد يكون الهدف منه منع انهيار النظام بأكمله. وفي الوقت نفسه، يعتقد دبلوماسيون ومحللون، أن بوتين يريد إصلاح علاقاته مع الغرب، وبناء قدرة من أجل التأثير في قضايا شائكة مثل أوكرانيا، من خلال طرح نفسه كشريك محتمل في مكافحة «داعش».

ويرى الرأي العام الداخلي الروسي، أن بوتين نشر تلك القوات كمساهمة في الحرب على الإرهاب، وتعزيز للحكومة السورية الشرعية، ودعم المسيحيين الأرثوذكس في سورية، وكوسيلة لتصحيح السياسات الأميركية «الصبيانية»، التي تعتقد وسائل الإعلام الروسية أنها شجعت على الإرهاب وفشلت في محاربته. ويعتقد البعض أن روسيا لديها بعض المخاوف الخاصة بها أيضاً، حيث يدعي جهاز استخباراتها (إف إس بي) أن 1700 من الجهاديين الروس، معظمهم من مسلمي القوقاز، انضموا إلى الفصائل المتمردة السورية، ويقول آخرون إن الرقم هو تقريباً ضعف ذلك.

التحرك الروسي جاء بالتأكيد في وقت لم تكن أميركا وحلفاؤها مستعدين لاتخاذ اي إجراء، وفاجأت جرأة بوتين الجهود الغربية الخجولة في سورية، التي ظلت تتردد بين الدعم الفاتر للثوار المناهضين للأسد والتعاون الضمني مع النظام السوري في محاربة «داعش»، وتسبب ذلك أخيراً في سلسلة من المواقف المحرجة لإدارة أوباما، بما في ذلك فرار أو أسر مقاتلين سوريين كانوا قد تدربوا في برنامج عالي الكلفة أعدته لهم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وكذلك التعليقات الشائكة من البيت الأبيض الذي كان يحاول أن يتبرأ من سياسته الخاصة بسورية. وعلى أي حال فقد ظل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي قضى عاماً كاملاً في مقارعة «داعش» في سورية من الجو دون تأثير كبير، منقسماً على نفسه من حيث أهدافه وأولوياته.

الإحباط الأوروبي بسبب المعارضة السورية المنقسمة على نفسها، وبشأن الوضع السوري بشكل عام، وأيضاً الكم الهائل من اللاجئين السوريين المتدفقين نحو أوروبا، كل ذلك أفرز رغبة متزايدة لدى الدبلوماسيين الغربيين لتخفيف عدائهم لنظام الأسد. ويقول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إنه في حالة البحث عن حل تفاوضي، فإن الاسد ليس بالضرورة أن يرحل «في يوم أو شهر واحد أو أي وقت محدد». وكانت أميركا قد دعمت في السابق بقوة طلب الحلفاء رحيل الأسد كشرط مسبق للتوصل إلى اتفاق.

احتضان روسيا للأسد ساعد على التخلي عن مفهوم رحيله في الحال. ورحب دبلوماسيون أوروبيون كبار، من بينهم وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، بالتدخل الروسي في سورية، ويبدو أن إسرائيل، التي ظلت تنظر بعين الحذر إلى الوضع في سورية المجاورة، قد تكون أكثر حرصاً على التعاون مع بوتين، بدلاً عن معارضته. وكان رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي قام بزيارة ودية إلى موسكو، قد طمأن بوتين بأنه لن تكون هناك مواجهات غير مقصودة بين القوات الإسرائيلية والروسية. ويخطط البنتاغون لإفساح المجال الجوي أمام هذا التدخل الجديد في سورية.

 

تويتر