إخفاقاته المتتالية وفشله في الوفاء بوعوده يثيران الشكوك حول صدقية واشنطن

أوباما لم يتعلم من أخطائـه في الشرق الأوسط

صورة

جزء كبير من متاعب السياسة الخارجية للرئيس الأميركي، باراك أوباما، تكمن في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من ذلك، اعتمد الرئيس خلال فترتي ولايته الأولى والثانية، على نمط من الخطاب يحلق على ارتفاع عالٍ دون داع. وفي الواقع، أثار أوباما، مرة بعد مرة، التوقعات وفشل في الوفاء بها. هذه «الجروح الذاتية» خلقت فجوة مبكرة، إلى حد كبير، بين تصريحات أوباما وأفعال إدارته، فجوة تسببت في ضرر جسيم بصدقية الولايات المتحدة وغذت الشكوك حول التزام واشنطن في أذهان الحلفاء والخصوم على حد سواء. وبقيت هذه الفجوة مفتوحة لسنوات، في وقت يبدو البيت الأبيض غير مستعد للتعلم من أخطائه، فالرئيس أوباما استمر في نهجه بالإعلان عن التزامات لا يمكن الوفاء بها. وشملت هذه الالتزامات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والأزمة السورية ومحاربة تنظيم «داعش»، والاتفاق النووي مع إيران.

في ما يخص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وضع أوباما أهدافاً كبيرة في غياب سياسة فاعلة ومقنعة، وبعد يومين في البيت الأبيض، عين الرئيس وفي أول ظهور شخصي له في وزارة الخارجية، جورج ميتشل، مبعوثاً خاصاً في الشرق الأوسط.

آثار مدمرة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/08/358122.jpg

حذر مسؤولون سابقون من تداعيات فشل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفي ذلك قال السفير الأميركي السابق إلى الأمم المتحدة، جون بولتون، إن إخفاقات سياسة الرئيس باراك أوباما في إيران وسورية والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بعد كل هذا الوقت والنفوذ والجهد، ستكون لها آثار مدمرة. وأضاف السفير السابق، أنه من دون التهديد باستخدام القوة أو العقوبات أو أي شيء يوجع الأسد فلا مجال لأن ينهي «الدكتاتور» السوري القتال. ويرى محللون أن الشيء الوحيد الذين خفضّه أوباما بالفعل هو نظام العقوبات الذي كان القصد منه وقف البرنامج النووي، وهو ما أدى إلى زيادة صادرات النفط الإيراني، في الوقت الذي لم تعد طهران أو دمشق تخشى من هجوم عسكري عليهما من قبل الولايات المتحدة.

ولم يستثمر أي رئيس أميركي - منذ جيمي كارتر- كثيراً في وقت مبكر من ولايته في قضية لم يكن مستعداً لها، وبات الأمر أكثر سوءاً عندما دعت الإدارة الأميركية إلى تجميد إسرائيلي كامل للاستيطان في وقت لم تكن تملك أن تمارس ضغوطاً على تل أبيب لتلبية هذا المطلب، ومن ثم التوصل إلى اتفاقية سلام في غضون عامين، الفكرة التي اتضحت في ما بعد أنها ضرب من الخيال. وتعرضت سياسة أوباما في عملية السلام لضربة أخرى بعد أن باءت جهود وزير الخارجية، جون كيري، في الفترة ما بين 2013 و2014، بالفشل إذ لم يتم حتى التوصل إلى مسودة اتفاقية بين طرفي النزاع إذ لم يكن هناك أي فرصة لتطبيق المقترحات الأميركية على أرض الواقع، والآن، عملية السلام التي تبنتها الإدارة أصبحت في مهب الريح، مع فقدان الصدقية بين العرب والإسرائيليين على حد سواء.

بالغ أوباما كثيراً في تصريحاته ووعوده حيال الأزمة في سورية، فقد فاق الخطاب الرئاسي استعداد الولايات المتحدة وقدرتها على التحرك في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

قد يكون مفهوماً أن ذلك جاء رداً على همجية نظام الرئيس السوري بشار الأسد في استخدام الضربات الجوية ضد المدنيين ولجوئه إلى البراميل المتفجرة، الأمر الذي حذاه لدعوته مراراً إلى تنحي الدكتاتور السوري في 2011، وأن يحذر بأن استخدام السلاح الكيماوي أمر غير مقبول، ويهدد علنا بأن الرد سيكون قاسياً، لكن دون جدوى.

وتراجع الرئيس أوباما عن «الخط الأحمر» واستمر الأسد في خروقاته وفظاعاته المتكررة، الأمر هنا يتعلق بالإخفاق الثاني على التوالي، في حل أزمة أكثر أهمية من الخلاف الإسرائيلي الفلسطيني، ومرة أخرى لم يفِ الرئيس بوعوده، لم يكن هناك أي رد عسكري على تخطي الأسد الخطوط الحمراء والعبث بها، لا يقتصر الأمر على بقاء الدكتاتور في السلطة، لكن يبدو أنه ليس أمام الولايات المتحدة أي حل في الأفق، وإذا كان هناك حل سياسي لوضع نهاية للحرب الأهلية في سورية، لا يكون سوى القبول بالأسد كجزء من هذا الحل.

أما بالنسبة لتنظيم «داعش» المتطرف، فقد قلل البيت الأبيض من خطورته في البداية ووصف أوباما التنظيم في 2014 بأنه مجموعة صغيرة من الشباب الذين يحبون الظهور على شاشات التلفزيون، إلا أنه سرعان ما بدأ بالحديث عن تفكيك وتدمير هذا التنظيم الإرهابي، ومجدداً استخدم في خطابه صيغة أكثر حماسة وجرأة بقوله إن أميركا «على المسار الصحيح لهزيمة (داعش)». ويبدو أن استخفاف الرئيس بالتهديدات التي يمثلها المتطرفون ليس في محله، وبعد أكثر من عام على استيلاء المتشددين على مساحات واسعة في سورية والعراق، لايزال التنظيم يمثل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة والعالم، وذلك على الرغم من بعض النجاحات التي حققتها أميركا في القضاء على عدد من مقاتلي التنظيم وقادته، من خلال العمل مع حلفاء في المنطقة لاستعادة الأراضي.

وتشير التقارير التي نشرت أخيراً إلى تدريب 60 مقاتلاً سورياً فقط لمواجهة التنظيم الذين يضم الآلاف من المقاتلين، وقد قتل بعضهم في حين أسر آخرون على يد مسلحي جبهة النصرة، ويدل ذلك على الفجوة الكبيرة بين الوعود وتنفيذها.

خلافاً للمسائل الثلاث، تبدو الإدارة الأميركية أوفت بالتزاماتها في ما يخص البرنامج النووي الإيراني، والمفارقة أن الرئيس ومساعديه في البيت الأبيض خفضوا توقعاتهم ولم يرفعوا آمالهم، لبلوغ الاتفاق النووي، إلى مستويات غير واقعية، ومع ذلك، يبدو أن هناك إصراراً على المبالغة، فوزير الخارجية جون كيري، ألمح إلى أن عمليات التفتيش ستستمر إلى «أجل غير محدود» أو زعمه بأن واشنطن حصلت على تأكيد بأنها ستطلع على ما كل تخفيه إيران.

وكان تقديم الاتفاق للمناقشة أمام أعضاء الكونغرس أكثر صعوبة بسبب التزامات أميركا المبكرة بالسعي إلى عمليات التفتيش في أي وقت وأي مكان، وضمان صدقية ووضوح طهران في ما يتعلق بالأبعاد العسكرية لنشاطات إيران السابقة، والإدارة كانت تدرك على الأرجح أن أياً من الأهداف السابقة لا يمكن تحقيقها، على الأقل في ذلك الوقت.

من الواضح أن جميع وعود الإدارة تفوق ما يمكن أن تقدمه هذه الأخيرة، وذلك بالنظر إلى سلف أوباما عندما جاء إلى العراق. المفارقة هنا هو أن الرئيس يعتبر نفسه واقعياً وليس «انتقالياً» عندما يتعلق الأمر بمشكلات الشرق الأوسط، ويبدو أن أوباما يقع في فجوة التوقعات في كثير من الأحيان وتضارب الوعود مع التنفيذ.

قد لا يريد أوباما التحرك ومن ثم فإن التصريحات تصبح بديلاً للأفعال، وربما تتمثل رؤية البيت الأبيض للعالم في الطريقة التي يريدها جزء من المشكلة أيضاً، لأنه يرى العالم بالطريقة التي يريدها.

مهما كان التفسير، للحصول على الصدقية في السياسة الخارجية يتعين على الرئيس أن يقول ما يعنيه وأن يعني ما يقول، ولكن للأسف، رأينا إدارة أوباما في مناسبات عدة تفعل عكس ذلك تماماً.

تويتر