إقامته لا تمنع تسلل المسلحين

الجدار الفاصل بين تونس وليبيا يثير مخاوف الإضرار بسكان الجنوب

صورة

أثار مشروع بناء جدار يفصل بين تونس وليبيا جدلاً واسعاً وانتقادات متواصلة في كلا البلدين، فقد قررت الحكومة التونسية بناء جدار عازل لمنع تسلل المسلحين إلى أراضيها، بعد هجوم سوسة في يونيو الماضي، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات في طرابلس، التي وصفت الخطوة بأنها غير مقبولة، وأنها اتخذت من جانب واحد، إلا أن هذا القرار يثير غضب سكان المدن التونسية الواقعة على الحدود مع ليبيا، إذ يعتمد معظمهم على تهريب السلع والوقود، منذ عقود، مصدراً رئيساً للعيش في ظل إهمال مناطقهم من قبل الحكومات المتعاقبة. ويلجأ سكان الحدود إلى التهريب بسبب الاختلاف الكبير في الأسعار بين البلدين، إذ يقبل المهربون على شراء البنزين، لأن سعره في تونس يعادل ضعف سعر البنزين في ليبيا. ويفضل باعة البنزين في جنوب تونس عرض ما توافر لديهم من وقود في الشوارع، لتجد أصحاب السيارات يتهافتون عليه من كل مكان.

ويقول محللون إن الخطوة التي قامت بها تونس ما هي إلا «هروب إلى الأمام»، إذ إن ليبيا ليست المصدر الوحيد للمسلحين، فتونس نفسها من أكبر المصدرين للمقاتلين إلى سورية والعراق، وفقاً للبيانات الاستخباراتية. ودعا هؤلاء إلى اتخاذ خطوات أكثر إيجابية، فالجدار العازل سيكون مرهقاً من الناحية العملية، كما أن نقاط العبور التي ستبنى خلاله ستكون صعبة المراقبة، ولن تمنع المسلحين من عبور الحدود في جميع الأحوال. كما أن الجدار العازل يضرب الوحدة بين بلدان المغرب العربي في العمق، وفقاً للمحللين، ويجعل آفاق الاندماج بين البلدان المغاربية بعيدة المنال.

ويقول معارضون للمشروع، إن هذا الجدار ليس في مصلحة السكان في جنوب تونس، ويؤثر في قوتهم اليومي، إذ إن هؤلاء يعيشون بفضل المنتجات الرخيصة، التي يتم تهريبها عن طريق ليبيا. ويرى كثيرون في الولايات الجنوبية أنه بعد عقود من التهميش ها هي الحكومة التونسية تعاقب الجنوب، بحجة التهديدات الأمنية التي لا يرون أنهم طرف فيها.

ومع تزايد الانتقادات للخطوة الأمنية، يبدو أن الحكومة التونسية أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن تتراجع عن إقامة الجدار وتفتح بذلك المجال أمام تسلل الإرهابيين عبر الحدود مع ليبيا، التي باتت بدورها ملاذاً آمناً في ظل الفوضى التي تشهدها البلاد؛ أو أن تمضي في تشييد الجدار، الأمر الذي سيؤدي إلى إيجاد حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي، إذ يتوقع مراقبون أن تضعف هذه الخطوة الاقتصاد الموازي، الذي كانت تؤمّنه الحدود عبر عمليات التهريب.

في المقابل، يقول مسؤولون في الحكومة التونسية، إن الحدود الشاسعة بين البلدين من الصعب التحكم فيها، وسط هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وقلة الموارد التي تعانيها الأجهزة الأمنية. وبعد الهجوم على فندق سياحي في مدينة سوسة، قبل شهرين، طلبت الحكومة مساعدة الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، في حماية حدودها ومواجهة تحدي المجموعات الإرهابية.

يشار إلى أن أكثر من 30 سائحاً بريطانياً لقوا مصرعهم في الحادث الأعنف من نوعه منذ ثلاث سنوات. وإذا كانت الثغرات الأمنية في الجنوب على الحدود مع ليبيا، تعود إلى انهيار الوضع الأمني في هذه الأخيرة، يقول مراقبون إن الأمر يختلف في الغرب عند الحدود مع الجزائر، حيث تحكم الأخيرة قبضتها على المنطقة الحدودية، ومع ذلك فإن قوات الأمن التونسية لاتزال غير قادرة على القضاء بشكل تام على المجموعات المسلحة في جبال الشعانبي.

ويراهن كثيرون في تونس على الاستقرار السياسي وانتعاش الاقتصاد الوطني، إذ تعيش البلاد حالة من الاحتقان السياسي، منذ هروب زين العابدين بن علي في عام 2011، وعدم التوصل إلى توافق بين الفرقاء السياسيين، الأمر الذي أعاق الاستثمارات الأجنبية، وأثر سلباً في قطاع السياحة، الذي يعد مصدراً رئيساً للدخل القومي.

تويتر