تل أبيب تقول إنها غير موجودة

الهدنة بين «حماس» وإسرائيـــل يمكن أن تكون صفحة جديدة

صورة

يجري الحديث عن مفاوضات بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، بهدف التوصل إلى هدنة طويلة الأمد. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يزعمون بأن هذا الموضوع مجرد شائعات، وأنه ليس هناك مفاوضات مباشرة ولا غير مباشرة مع «حماس»، إلا أن ثمة إشارات تفيد بأن الاتفاق بات وشيكاً. وبغض النظر عما اذا كان هذا الاتفاق قيد التفاوض حالياً، يتعين على «حماس» وإسرائيل التفاوض وبقوة، لأن الطرفين يمكنهما الاستفادة من مثل هذه الهدنة على مستويات عدة. ومن الواضح أن رفض السلطة الفلسطينية لمثل هذه الهدنة، حيث تعتبرها بمثابة النهاية لحل الدولتين، في غير محله بالمطلق. وتنطوي هذه الهدنة المرتقبة على مضامين استراتيجية مهمة، من شأنها أن تحرك عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية برمتها.

ولابد من القول إن هذه الهدنة ستكون بمثابة المفاجأة للجميع، بالنظر إلى الوضع في غزة في أعقاب الحرب الأخيرة بين اسرائيل و«حماس» في صيف عام 2014، والتدمير المرعب الذي أصاب الفلسطينيين في غزة، ناهيك عن رياح التغيرات السياسية في المنطقة. وتوصلت «حماس» إلى نتيجة مختلفة، بعد إدراكها أن إسرائيل باتت حقيقة لا تتزعزع، وبدأت تنظر إلى طرق لاستيعاب الاسرائيليين مقابل تخفيف الحصار، ورفعه نهائياً في نهاية المطاف.

«حماس» تلتزم

عندما تم التوصل الى اتفاق مؤقت وغير رسمي لوقف إطلاق النار بعد الحرب الأخيرة، التزمت به كل من «حماس» وإسرائيل. وفي الواقع، فإن قوى الأمن الداخلي التابعة لـ«حماس» في غزة كانت تعتقل بصورة منهجية الجهاديين، الذين ينتهكون وقف إطلاق النار، بل إنها كانت تطلق عليهم النار وتقتلهم. وعلى الرغم من أن كثيرين من الطرفين، وصفوا المرحلة الجديدة بين إسرائيل و«حماس» بـ«تعايش المصلحة»، إلا أن «حماس» لا تصبو إلى حريق عنيف جديد مع اسرائيل، بعد إدراكها أن تحدي إسرائيل عسكرياً مرة ثانية، من شأنه أن يجلب الدمار إلى غزة.

ومما أضاف في دفع «حماس» لتغيير توجهها هو ضغط الشعب الفلسطيني المتزايد، الذي يطالب بوضع نهاية للصراع مع اسرائيل، التي سلبت ثلاثة أجيال من حقوقهم الأساسية في العيش بكرامة، وتركتهم بلا أمل للعيش في مستقبل أفضل. وعلى الرغم من إنكار رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال الأشهر القليلة الماضية، فقد دخلت «حماس» واسرائيل في مفاوضات سرية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وفي الوقت ذاته بدأت إسرائيل في تخفيف الحصار، بحيث إنها أوجدت بيئة بناءة أكثر للمزيد من المفاوضات، التي تؤدي الى الهدنة الطويلة الأمد.

وهناك العديد من الأسباب وراء رغبة «حماس» وإسرائيل لإنشاء هدنة طويلة الأمد (تمتد لثماني أو 10 سنوات)، الأمر الذي يؤكد أن هذه الهدنة أصبحت أمراً محتماً، بالنظر إلى أنها تنطوي على فوائد للطرفين.

وبالنسبة لـ«حماس» فإن الهدنة ستوطد حكمها السياسي على غزة، وتبعد نفسها عن السلطة الفلسطينية، دون التنازل عن موقفها الرسمي إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وستسهم في الانتعاش الاقتصادي من خلال إعادة الإعمار في المناطق المدمرة في غزة إثر الحرب التي وقعت في الصيف الماضي مع إسرائيل، وبالتدريج وضع حد نهائي للحصار. ويزيد من فرص العمل في غزة، ويسمح للآلاف من العمال اليوميين الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، ناهيك عن ازدهار التجارة بين الطرفين. ويسمح لـ«حماس» ببناء ميناء عائم قبالة الشواطئ في غزة، ويضمن طريقاً بحرياً بين غزة وقبرص الشمالية، تتم مراقبته من قبل تركيا، ويعمل على تحسين العلاقات مع مصر ويحفظ المعبر مفتوحاً، ويقدم للفلسطينيين باباً للسوق المصرية.

وبالنظر إلى التوتر المتزايد بين العرب السنة وإيران الشيعية، فإن قيادة «حماس» ستصل إلى نتيجة مفادها أنه بغض النظر عن قربها من إيران، يجب ان تكون أقرب إلى إخوانها من السنة.

وأما بالنسبة لإسرائيل، فإن هذه الهدنة ستضمن عدم وقوع حرب جديدة، وتخدم في وضع حد لإطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل، التي تؤدي الى توقف كبير لحياة الإسرائيليين. وتطالب «حماس» بالتوقف عن حفر المزيد من الانفاق، وتهريب الأسلحة، ومنع أي مجموعات متطرفة من مهاجمة إسرائيل.

وتجعل الهدنة غزة والضفة الغربية منفصلتين عن بعضهما بعضاً، الأمر الذي يعزز البعد بين السلطة و«حماس»، وهذا ما تريده اسرائيل انطلاقاً من مبدأ إسرائيل «فرّق تسد»، وهذا ما يفسر رفض نتنياهو التفاوض مع الفلسطينيين في حكومة وحدة، ولكنه يوافق الآن على التفاوض مع «حماس» وحدها. ويخفف الضغط الدولي المتصاعد على اسرائيل، لإزالة الحصار على غزة، بالنظر إلى أن معظم دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تريد رؤية نهاية لمعاناة الفلسطينيين في غزة. ويسمح لإسرائيل بتخفيض التكاليف العملياتية للحفاظ على حالة الاستنفار العسكري على الحدود مع غزة.

وبالنظر إلى أن تركيا كانت دائماً تعارض الحصار على غزة، فإنها تشارك الآن مباشرة في هذه المفاوضات، الأمر الذي يجعل هذه الهدنة تؤدي إلى تحسين العلاقات الثنائية بين إسرائيل وتركيا، التي تضررت كثيراً نتيجة أسباب عدة، من ضمنها استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة.

ومن المفارقات أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي دأب على دعم أي اتفاق لوقف اطلاق النار بين اسرائيل و«حماس»، أصبح الآن يعارض مفاوضات الهدنة، لأن السلطة الفلسطينية لا تشارك فيها، ولأنه يخشى احتمال أن تسلب الهدنة السلطة سيطرتها على غزة، وهو الأمر غير الموجود في الواقع.

وعبر المتحدث باسم «فتح»، أحمد عساف، عن مخاوف السلطة صراحة من أن «أي اتفاق بين (حماس) وإسرائيل سينجم عنه تحقيق اسرائيل لهدفها الاستراتيجي، الذي يقضي بقتل فكرة انشاء دولة فلسطينية مستقلة على أراضي عام 1967 دون القدس كعاصمة، و(حماس) تريد أن تنال اعترافاً اسرائيلياً، على حساب المشروع الوطني الفلسطيني».

وعلى العكس من ذلك، فإن الهدنة مع «حماس» ستسمح بوجود فترة تهدئة، تمنح الإسرائيليين مزيداً من الثقة في مفاوضات أخرى مع السلطة الفلسطينية. ويفضل أن تكون السلطة الفلسطينية من الحكمة، بحيث إنها تحجم عن تقويض الهدنة، الأمر الذي يعزز الرأي الاسرائيلي القائل إنه «لا يوجد شريك للسلام».

ولتعزيز استمرارية الهدنة حال ظهورها على الواقع، يتعين على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رفع اسم «حماس» من قائمة الداعمين للإرهاب، وتسمح لها بحرية الحركة، طالما أنها متمسكة بشروط الهدنة. وستسمح المعاهدة للمملكة العربية السعودية بإنشاء حلف سني عريض من الخليج العربي إلى البحر المتوسط لمواجهة الهلال الشيعي، ولمنع طموح طهران من أن تصبح المسيطرة على المنطقة.

وفي نهاية المطاف، فإن المعاهدة يمكن أن تقود «حماس» إلى قبول شروط الرباعية، وهي الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، وقبول الاتفاقات السابقة بين اسرائيل والفلسطينيين. وربما تقدم الهدنة بين «حماس» وإسرائيل فرصة، وإن كانت حتى الآن غامضة، لجميع الاطراف ذات الصلة، لفتح صفحة جديدة في ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتغير ديناميكيته الجيوسياسية والأمنية، الأمر الذي يمكن الفلسطينيين والإسرائيليين من البناء عليه.

آلون بن مئير: مركز العلاقات الدولية في نيويورك عن «هفنغتون بوست»

تويتر