مع اقتراب موعد التصويت عليه

رفض الكونغرس «الاتفاق النووي» يمهّد لرفع العالم العقوبات عن إيران

مناهضون ومؤيدون للاتفاق النووي في نيويورك. إي.بي.إيه

هناك فكرة يروّجها المعارضون للاتفاق النووي الإيراني، وتبدو جذابة لأعضاء الكونغرس، الذين يتعرضون لضغط شديد على التصويت بـ«لا»، وهي أن رفض الكونغرس للاتفاق سيساعد المفاوضين الأميركيين على التوصل إلى صفقة أفضل، إلا أن هذا التوقع الذي قد يتمخض عن الضغط أكثر على إيران، لن يظهر للوجود أبداً، لأن الاتفاق إذا رفضه الكونغرس فلن يأتي بعده اتفاق آخر، وينبغي الحكم على الاتفاق بناء على مزاياه، لأن رفض الاتفاق سيؤدي إلى تحول ميزان القوى جذرياً لصالح إيران، إن كان هناك أي اتفاق مستقبلي، ويصبح تحقيق ذلك الاتفاق مستحيلاً. التصويت بـ«لا» سيحرم هذا الرئيس، أو الرئيس المستقبلي، القدرة على مساومة الإيرانيين، وسيعزل الولايات المتحدة عن العالم، ويسمح لإيران بمواصلة سعيها لامتلاك سلاح نووي، ما يضع كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل أمام خيارات رهيبة.

■ إذا رفضت إيران السماح لنا بالوصول إلى موقع مشبوه، على الرغم من التصورات المغالية لبعض النقاد، فإن الاتفاق يمنحنا أداة شرعية، إذا كان لدينا الإرادة لإنفاذ الاتفاق.


http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/08/350057.jpg

■ إذا افترضنا أن الكونغرس رفض الاتفاق، فهل ستواصل كوريا الجنوبية منع «سامسونغ» من الدخول إلى الأسواق الإيرانية، أو تمتنع «تويوتا» اليابانية من بيع منتجاتها للإيرانيين، بعد أن جلسوا إلى طاولة المفاوضات، بل وقعوا اتفاقاً نووياً، وشهد كل العالم من الصين وروسيا إلى أوروبا، للرئيس الأميركي بأنه أفضل اتفاق، عدا الكونغرس الأميركي؟

ينبغي دعم الاتفاق النووي مع إيران اعتماداً على مزاياه، فهو لا يخلو من المخاطر، ولا يحل تهديد إيران في المنطقة، لكنه سيمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وسيكون من المستحيل تقريباً على إيران الغش بشكل كبير من الناحية الاستراتيجية، لأن كل خطوة من برنامجها النووي سيتم رصدها على الهواء مباشرة، من قبل المفتشين الدوليين على الأرض، بواسطة الكاميرات، والأختام، والأقمار الاصطناعية، وكل جهاز مراقبة حديث آخر عرفه الإنسان. إن الخطر على إيران يتمثل في إقدامها على أي غش كبير يتمثل في التراجع عن أي تعهد قطعته أمام العالم، الذي يبدو حريصاً جداً على إلزامها به، ومحاولتها خلق مزاعم جديدة لشعبها.

إذا رفضت إيران السماح لنا بالوصول إلى موقع مشبوه، على الرغم من التصورات المغالية لبعض النقاد، فإن الاتفاق يمنحنا أداة شرعية، إذا كانت لدينا الإرادة لإنفاذ الاتفاق، حيث تستطيع الولايات المتحدة في غضون 24 يوماً استصدار قرار من مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، لإعادة فرض العقوبات (كلياً أو جزئياً) على إيران، ولا يمكن أن يعارض الروس والصينيون والإيرانيون أنفسهم، وحتى الأوروبيون هذا القرار، ويمكن استخدام تلك الفترة الزمنية بشكل فعال جداً، لزيادة الضغط على إيران لفتح الموقع.

وأخيراً، من المهم أن نكون على علم تام بما لا يحققه الاتفاق، إنه لن يوقف إيران عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد و«حزب الله» في سورية، ورعاية الجماعات الإرهابية وغيرها من الأنشطة التي تهدد إسرائيل، واستغلال عدم الاستقرار في المنطقة لتعزيز طموحاتها، وفرض نفوذ إقليمي. الأسس الثورية الإيرانية عميقة جداً، وعلينا ألا نتوقع منها تغييرها بسبب هذا الاتفاق، ولكن ينبغي أن يكون هذا هو السبب لدعم الاتفاق، وليس معارضته، لأن موقف إيران في كل من هذه الصراعات التي تسعى إلى استغلالها سيكون أقوى إذا كان لديها قدرة نووية، فهي في هذه الحالة ستكون أكثر جرأة من ذلك، وستعمل على تغيير التوازن الإقليمي.

إن قرار الرفض الذي ربما يتبناه الكونغرس في 17 سبتمبر المقبل، سيجرد الرئيس من سلطة تعليق أو إرجاء النظر، في أي عقوبات يفرضها الكونغرس على إيران، بما في ذلك تلك التي أُرجئ فيها النظر كجزء من الاتفاق المؤقت، بتجميد البرنامج النووي الإيراني خلال المفاوضات، والتي تتطلب في ما بعد خطوة إيجابية من الكونغرس لمنح الرئيس السلطة مرة أخرى لرفع العقوبات. وبطبيعة الحال، فإن تخفيف هذه العقوبات هو الذي جعل إيران تجلس على طاولة المفاوضات، والعقوبات هي الأداة الفعالة لمساومة إيران والحصول منها على تنازلات.

يكاد يكون من المستحيل أن نتصور من هذا الكونغرس، أو أي كونغرس في المستقبل المنظور، أن يمنح هذا الرئيس أو الرئيس المقبل، سلطة رفع أو تعليق العقوبات على إيران، من دون شكل من أشكال الموافقة. هذا التفويض الجديد للرئيس يتطلب، في ظل الظروف الحالية، الكف عن الأنشطة الاعتراضية على قرارات الرئيس من أغلبية مؤكدة من الحزبين في كلا المجلسين، لا يوجد أي احتمال للحصول على 60 صوتاً في مجلس الشيوخ لمنح الرئيس سلطة رفع أي عقوبات عن إيران، إن رفض الاتفاق ــ رفضه في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وتجاهل حق نقض رئاسي محتمل ــ بدلاً من تعزيز نفوذ الرئيس التفاوضي، هو الذي سيسلب الرئيس القوة.

وهناك جملة من العواقب الوخيمة، أولاً، سيفقد الرئيس نفوذه التفاوضي للحصول على صفقة أفضل من إيران، ولن يعود قادراً على تقديم وعد برفع العقوبات عنها، وهي ــ أي العقوبات ــ السبب الذي جلبهم إلى طاولة المفاوضات. أفضل ما يمكن أن يقدمه الرئيس في هذا الصدد هو وعدهم بالعودة إلى الكونغرس، والسعي للحصول على الأغلبية العظمى لرفع العقوبات، ولكن يتطلب ذلك في هذا الوقت 60 صوتاً في مجلس الشيوخ، وسيفهم الإيرانيون أن ذلك لا معنى له.

ثانياً، نظام العقوبات الحالية سيتآكل بسرعة، إن لم يكن سينهار، ومن الصعب أن نتصور أي دولة أخرى تنضم إلينا لفرض عقوبات جديدة. علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة ليس لديها أي مصالح مالية مع إيران، فنحن لم نتاجر معها منذ عقود، إذ إن كلفة العقوبات تتحملها الدول والشركات في جميع أنحاء العالم الذين تخلوا عن السوق الإيرانية، إضافة إلى الإيرانيين أنفسهم والأوروبيين، لقد أقنعنا الذين لديهم مصلحة أقل في البرنامج الإيراني النووي ــ مثل كوريا الجنوبية، والهند، واليابان، والصين ــ عن التوقف عن شراء النفط الإيراني وبيع السلع إلى السوق الإيرانية، ولم يكونوا أبداً سعداء مع هذا الوضع، ولكنهم انضموا للضغوط الأميركية والدبلوماسية من أجل مساعدتنا في الضغط على إيران، وحملها إلى طاولة المفاوضات لتقييد برنامجها النووي.

وإذا افترضنا أن الكونغرس رفض الاتفاق، فهل ستواصل كوريا الجنوبية منع «سامسونغ» من الدخول للأسواق الإيرانية، أو تمتنع «تويوتا» اليابانية عن بيع منتجاتها للإيرانيين، بعد أن جلسوا إلى طاولة المفاوضات، بل وقعوا اتفاقاً نووياً شهد كل العالم من الصين وروسيا إلى أوروبا للرئيس الأميركي بأنه أفضل اتفاق، عدا الكونغرس الأميركي؟ وعلى المنوال نفسه، ما مدى استدامة العقوبات الأميركية أحادية الجانب، التي تفرضها على الشركات الأجنبية التي تتاجر مع إيران؟ وهل سنستمر في مقاضاة شركة، لأنها انتهكت العقوبات الأميركية، التي يعتقد معظم العالم أنها ليست مبررة على الإطلاق؟

في هذا السيناريو، فإن الإيرانيين يواجهون مسارين محتملين: إذا كان الرئيس حسن روحاني يستطيع إقناع المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، وغيره، بأن لعب دور الضحية هو أذكى طريقة، فإن روحاني يمكنه أن يؤكد للعالم القيود غير المسبوقة والشفافية التي قبلت بها إيران، ويقترح أنه على الرغم من رفض الولايات المتحدة الصفقة، في الوقت الراهن، فإنه سيمضي قدماً لتنفيذ الشروط والجدول الزمني، فإذا حدث ذلك، فإن عقوبات الأمم المتحدة ستنتهي، وسيكون هناك ضغط هائل على الأوروبيين لرفع العقوبات من أجل أن يسير الإيرانيون على الطريق الصحيح، ومع هذه الضغوط ستتراجع العقوبات، وتستعيد إيران أصولها المجمدة، من دون شروط.

صامويل بيرغر -  مستشار سابق للأمن القومي بالبيت الأبيض

تويتر