مقابل استخدام قاعدة أنجرليك لتحسين فرص القضاء على «داعش»

واشنطن تطعن الأكراد في الظهر لاسـترضاء تركيا

صورة

ظلت ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية، و«حزب العمال الكردستاني»، السلاح الأكثر فعالية لواشنطن في صراعها ضد تنظيم «داعش» في العراق وسورية، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، باعت الأكراد من أجل تعزيز علاقاتها مع تركيا، وللوصول إلى قاعدة أنجرليك الجوية. وتم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين في مكالمة هاتفية بين أوباما والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعد أقل من 48 ساعة من الحادث الإرهابي الذي هز بلدة سروج التركية، وأدى إلى مقتل 32 شخصاً وإصابة أكثر من 100 آخرين.

استراتيجية تركية

كرّر رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، الذي يمثل الساعد الأيمن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقابلة مع الـ «سي إن إن» في فبراير 2015، وقال إن تركيا على استعداد لارسال قواتها داخل الأراضي السورية إذا أوفى الآخرون بتعهداتهم. وأضاف «نحن مستعدون للقيام بكل ما يلزم إذا كانت هناك استراتيجية واضحة بأمن حدودنا بعد القضاء على تتظيم (داعش)، نحن لا نريد أن يدفع النظام (السوري) بالناس بعد الآن نحو حدودنا، لا نريد منظمات إرهابية أخرى لتكون نشطة هناك»، ورأى أنه «إذا ذهب (داعش) قد تأتي منظمة متطرفة أخرى، ولهذا يجب أن يكون منهجنا شاملاً واستراتيجياً، ومترابطاً للقضاء على جميع الجرائم الوحشية ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام (السوري)».

ووفرت عملية التفجير الغطاء الذي يحتاجه أوباما لرمي الأكراد تحت إطارات الحافلة، والاستجابة لمطالب تركيا، وأن يغض الطرف عندما تدك القاذفات والدبابات التركية المواقع الكردية في سورية والعراق. ووصفت وسائل الإعلام هذا التراجع المفجع لسياسة الولايات المتحدة بأنه «تغير في قواعد اللعبة» التي من شأنها تحسين فرص الولايات المتحدة في الفوز على «داعش». إلا أن ذلك يعكس عدم قدرة واشنطن على إدارة سياسة خارجية ترتكز على المبادئ، وخيانة صديق وحليف موثوق به من أجل المصلحة.

وكان أردوغان، أطلق حرباً شعواء ضد الأكراد، وهو ما يحدث في الوقت الراهن في سورية. وتعتبر وسائل الإعلام أن انضمام تركيا لمحاربة «داعش» هو في الغالب دعاية، لأن تركيا شعرت بأن الأكراد صاروا يكسبون كل يوم أراضٍ جديدة من التنظيم في المناطق المتاخمة للحدود التركية، ويخشى القادة السياسيون في أنقرة احتمال قيام دولة كردية مستقلة في أي وقت، فقرروا استغلال تفجير سروج كذريعة لاعتقال أكثر من 1000 من خصوم أردوغان السياسيين (نسبة صغيرة منهم فقط ترتبط بـ«داعش»)، وقصف المواقع الكردية في سورية والعراق، في حين أن جميع وسائل الإعلام تصور منذ فترة هذا الاعتداء الوحشي على حليف أميركي بأنه حرب على «داعش».

وبالنسبة لواشنطن، فإن الأمر أصبح مسألة أولويات، فالأكراد بالطبع أصدقاء جيدون وحلفاء صامدون، ولكن ليس لديهم قاعدة جوية لشن هجمات على سورية. أما تركيا، من ناحية أخرى، لديها قاعدة كبيرة (أنجرليك) قريبة من الخطوط الأمامية، ومثالية للقيام بطلعات متعددة، وهجمات بالطائرات من دون طيار، أو للمناورة الروتينية. وفي هذه الحالة ليس أمام واشنطن سوى أن تصم أذنيها، في الوقت الذي يتعرض حليف سابق للضرب في العمق، وهذا هو الثمن الذي أصبح أوباما أكثر استعداداً لدفعه شريطة أن يتمكن من استخدام القاعدة الجوية لاستئناف حربه.

وأصبحت علاقة تركيا مع الجماعات المتطرفة في سورية تثير قلقاً كبيراً، ويرجع ذلك أساساً إلى أن تركيا هي المستفيد الأكبر من هؤلاء الإرهابيين. وفي هذا الخصوص تحدثت افتتاحية صحيفة «حرييت» عن «(عين العرب) كوباني وتركيا المشتعلتين»، قائلة إنه «من الطبيعي أن يتساءل الواحد منا من أنجب وأرضع وغذى هؤلاء الإرهابيين، وجعلهم يتطلعون إلى إنشاء خلافة دولة إسلامية؟ فعندما كانت كوباني والعديد من المدن التركية تشتعل، ألم يتحدث رئيس الوزراء التركي لمحطة الـ«سي إن إن» عن استعداده للدفع بقوات برية داخل المستنقع السوري إذا وافقت واشنطن أيضاً على استهداف (الرئيس السوري، بشار) الأسد؟، هذه لعبة قذرة».

قد يكون لأجهزة الأمن والاستخبارات التركية علاقات بمتشددين في «داعش»، فقد أطلق التنظيم سراح 46 دبلوماسياً تركياً اختطفهم قبل يوم من شن الولايات المتحدة ضرباتها الجوية ضده. وتركيا، كما هو معلوم عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فقد تكون على علم بأن الضربات الجوية على وشك أن تبدأ ولذلك كثفت اتصالاتها مع «داعش» لإطلاق سراح دبلوماسييها.

ويقول مراسل صحيفة «توداي فاتان» التركية في واشنطن، الهان تانير: «وهذا يعني أن تركيا لديها المزيد من النفوذ أو العلاقات القوية مع (داعش) أكثر مما يعتقد الآخرون». وترغب وسائل الإعلام في أن يعتقد الناس بأن التفجيرالذي وقع في سروج غير كل شيء. وأن أردوغان ورفاقه فتحوا فجأة أعينهم وقالوا، حسناً، ربما حان الوقت لعدم دعم هؤلاء البلطجية (داعش) بعد الآن. ولكن هذا مجرد هراء، الشخص الوحيد الذي غير رأيه حول كل شيء هو أوباما، الذي يبدو أنه أدرك أن وكلاءه «التكفيريين» عديمي الرحمة ليسوا أقوياء بما فيه الكفاية لإزالة الأسد، ولهذا قرر الانضمام لفريق السلطان أردوغان. وهذا يعني أن أردوغان حصل على الضوء الأخضر ليقضي على المزيد من الأكراد كما يريد في مقابل إرسال قوات برية لإسقاط الأسد. وهذا هو الاتفاق، على الرغم من إنكاره في الوقت الحاضر من قبل السياسيين.

ويشترط أردوغان ثلاثة مطالب: منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود لحماية تركيا من «داعش» والهجمات الكردية، وفرض منطقة حظر جوي فوق كل أو أجزاء من سورية، ورحيل الأسد. هذا ما يريده أردوغان وهذا ما وافق عليه أوباما (كجزء من صفقة أنجرليك)، على الرغم من أن وسائل الإعلام تدحض هذا الادعاء، وللتحقق من ذلك علينا أن نلقي نظرة على موضوع نشرته وكالة «رويترز»، ويعود تاريخه إلى أكتوبر 2014: يقول فيه أردوغان «إن تركيا ستقاتل ضد (داعش) وغيره من الجماعات الإرهابية في المنطقة، ولكنها ستتمسك بهدفها المتمثل في رحيل الأسد». إلا أن تركيا تخشى من أن تؤدي أي ضربة جوية تقودها الولايات المتحدة، لتعزيز الأسد والمقاتلين الأكراد، إن لم تكن تلك الضربة مصحوبة باستراتيجية سياسية أوسع. ويقول أردوغان لـ «رويترز»، إن أطناناً من القنابل سوف تؤدي فقط إلى تأخير التهديد والخطر، «نحن منفتحون ومستعدون لأي تعاون في قتال الإرهاب، وليكن معلوماً للجميع أن تركيا لا تسعى لتحقيق حلول مؤقتة، ولن تدع الآخرين يستغلون مثل هذه الحلول».

ويبدو هذا واضحاً كل الوضوح، فإما أن تساعد الولايات المتحدة تركيا في التخلص من الأسد، أو لن يكون هناك اتفاق مطلقاً.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل توفر الولايات المتحدة الغطاء الجوي لهذه المنطقة الخالية من «داعش»؟ نعم ستفعل ذلك، وهل سيرسل الأسد طائراته إلى داخل تلك المنطقة؟ لا، سيكون مجنوناً إن فعل ذلك.

ويقول مسؤولون أميركيون، إن هذه الخطة ليست موجهة ضد الأسد، ويقولون أيضاً إنه في حين أن المنطقة الآمنة هي ناتج ثانوي للخطة، فإن منطقة الحظر الجوي ليست جزءاً من الصفقة. ويؤكدون أنها ليست مدرجة في الاتفاق الذي تم التوصل إليه فجأة الأسبوع الماضي للسماح للطائرات الحربية الأميركية بالإقلاع من القواعد الجوية التركية لمهاجمة «داعش» في سورية، على الرغم من أن تركيا تقول منذ فترة طويلة إنها ستمنح الإذن فقط مقابل إقامة منطقة حظر جوي.

تويتر