تدخل المنطقة عبر البوابة النووية

روسيا تستغل أحداث الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب استراتيجية

صورة

بينما اتجهت أنظار العالم إلى فيينا التي شهدت التوقيع على اتفاق وصف بالتاريخي بين إيران والقوى الغربية، لم يُعر الكثيرون اهتماماً للطموحات الروسية التي تنوي تحقيقها بعد هذا الاتفاق. ومع تراجع العلاقات بين الولايات المتحدة والعواصم العربية، وتوترها بين واشنطن وموسكو، تحاول الأخيرة استثمار هذا الوضع بشتى الأشكال. وقد تختلف أسباب الدول العربية لاكتساب القدرات النووية، كما أن الأهداف قد تتباين أيضاً من بلد إلى آخر، ففي حين يريد البعض تعزيز القدرات الاقتصادية، تطمح بلدان أخرى إلى امتلاك أسلحة تعزز قدرتها الدفاعية. ومهما يكن، فإن أياً من تلك الدول التي تقرر الحصول على القدرة النووية، يتعين عليها الاستعانة بجهات أجنبية لها خبرة في هذا المجال.

سياسة طهران تجاه الحلفاء

الاتفاق الذي أبرم بين إيران والقوى الكبرى لن يؤدي في المدى القريب إلى تحرير النظام السياسي، وفقاً لعدد من المحللين الغربيين، ولا إلى تغيير في الأعراف الاجتماعية، لكن في الوقت نفسه من المؤكد أن يقوي كفة الرئيس حسن روحاني. وفي سورية، بات من الوارد أن يعمل الأميركيون جنباً إلى جنب مع الإيرانيين والروس للتحضير لعملية سياسية انتقالية تسفر في السنوات القليلة المقبلة عن إيجاد بديل للرئيس بشار الأسد، لكن هذا الاتفاق لن يغير شيئاً في سياسة طهران الداعمة تجاه حزب الله اللبناني. وفي العراق ستسهر إيران على تعزيز نفوذ وقوة ميليشيات الحشد الشعبي.

تقدم روسيا قائمة من العروض للبلدان التي تسعى للحصول على الطاقة النووية، ويمكن أن تشمل الطلبيات مجموعة من الحلول، بما في ذلك التمويل المرن، والبناء، والحلول التشغيلية، والنتيجة هي أن موسكو ستحقق مكاسب على المدى الطويل، وعلاقة استراتيجية وتجارية مع الدول المعنية.

وفي هذا السياق، قدمت روسيا التعهدات والوعود إلى دول الشرق الأوسط، لتصبح شريكاً استراتيجياً لهم في سعيهم للحصول على الطاقة النووية. لا يتعين على العالم أن يتجاهل المكسب السياسي للراعي الروسي في مثل هذه الصفقات النووية، ولا ينبغي الاستهانة به. والواقع أن التمويل النووي هو عملية طويلة الأجل، والمسعى في حد ذاته معقد ومكلف، مع احتمال تحقيق ربح قليل، وربما لا شيء على المدى القصير، أما الفوائد على المدى الطويل فيصعب حصرها.

بالإضافة إلى المصانع الروسية الموجودة في طهران، تعهدت موسكو بإنشاء مفاعلين آخرين، ووقعت مع السعودية مذكرة تفاهم في يونيو نصت على استثمار مباشر للشركات السعودية في روسيا، وسط تدهور العلاقات بين الرياض وواشنطن.

لايزال الشرق الأوسط مرتبطاً بشكل كبير بمصالح الولايات المتحدة، على الرغم من التحولات في آسيا والثروة الطبيعية المكتشفة حديثاً في أميركا، والمتمثلة في النفط والغاز الصخريين، ما يقلل من الاعتماد على الواردات القادمة من الشرق الأوسط. المنطقة لاتزال أحد الأماكن غير المستقرة، وذات أهمية استراتيجية. وستستمر الولايات المتحدة في استيراد نفطها عقوداً مقبلة، كما أن الحفاظ على ممرات ملاحية آمنة ومفتوحة أمر حاسم للتجارة العالمية. ومن ثم يجب على أميركا ألا تصبح ضحية لـ«سحابة عابرة» في سياستها الخارجية.

ويمكن للولايات المتحدة، من خلال دعم محطات الطاقة النووية في المنطقة، أن تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ممارسة نفوذها الاستراتيجي وإثبات وجودها في ضوء اتفاق إيران النووي للحفاظ على علاقتها مع الحلفاء الإقليميين، إضافة إلى دعم الصادرات المحلية من الصناعة النووية.

علاوة على ذلك، تشهد أميركا حالياً نهضة محلية في الابتكار النووي، وعلى ما يبدو فهذا وقت مناسب لدعم محطات الطاقة النووية في الخارج، فضلاً عن درء المنافسة الأجنبية في الصناعة النووية، وممارسة النفوذ الإقليمي، والمساهمة في التنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. وبينما تعاني الاستراتيجية الأميركية في الصناعة النووية تراجعاً منذ فترة طويلة، ها هي الفرصة قد سنحت لتقديم الدعم لمحطات الطاقة في الشرق الأوسط، عوضاً عن النفوذ الإقليمي الروسي في المنطقة. كما أن الوقت قد حان لإعادة النظر في القوة الأميركية التجارية الناعمة، ويجب ألا تقتصر التطلعات الأميركية على الالتزامات العسكرية والإنسانية فحسب.

وتحاول واشنطن جاهدة طمأنة الحلفاء الإقليميين الذين لديهم تحفظات بشأن الاتفاقية مع طهران؛ وعدم الانخراط بما فيه الكفاية في التعاون النووي المدني مع عواصم أخرى في الشرق الأوسط، لكن تلك المحاولات قد تكون فرصة ضائعة لإعادة تأكيد العلاقات الاستراتيجية، كما أن الصناعة النووية الداخلية في الولايات المتحدة ستخسر فرصاً حيوية جديدة للتصدير. وبأخذ هذه الاعتبارات في الحسبان، فإن أميركا لديها حجة قوية للمشاركة في الترويج للطاقة النووية في الشرق الأوسط. ومن المؤسف أنه بينما تمكنت السعودية وروسيا من إحراز توافق عملي بين سياساتهما، نجد أن سياسة واشنطن الخارجية أصبحت أقل مرونة.

لكن بالطبع، مثل هذه الاستراتيجية ليست خالية من المخاطر، خصوصاً في هذه المنطقة المضطربة، إذ يعاني الشرق الأوسط حركات التمرد المحلية والعابرة للحدود الوطنية، ومشكلة اللاجئين والمنافسة الجيوسياسية، وعدم الاستقرار السياسي، ومن ثم فإن مخاطر الانتشار النووي والحوادث حقيقية وواردة، وأي استراتيجية أميركية لدعم امتلاك الطاقة النووية المدنية يجب أن تتضمن حتماً الرقابة القوية على الصادرات وعمليات التحقق لضمان الامتثال للمعايير المعمول بها عالمياً. ومع ذلك، بالنسبة للبلدان التي تتطلع لإنتاج هذا النوع من الطاقة لأول مرة، فإن مناقشة مخاوف الانتشار النووي والتصعيد المحتمل في المنطقة قد يعتبرها البعض سابقة لأوانها، وهي أشبه بوضع العربة أمام الحصان.

ويعد تمويل المشروعات على نطاق واسع وتطوير البنية التحتية، وسائل فعالة للاستثمار في الطاقة النووية.

وبعد الفشل في العراق، تصاعدت الشكوك حيال قدرة الولايات المتحدة على اللجوء إلى الدبلوماسية أو قوتها العسكرية، لإدارة أو إعادة هيكلة الوضع الراهن في المنطقة، وهو السيناريو الذي يتكرر مجدداً في فشل القوى الغربية في وضع حد للأزمة السورية، وتحول سورية إلى بلد يوشك أن ينهار تماماً. وبالنظر إلى هذه التعقيدات، تظل روسيا هي الرابح الوحيد في المشهد، فالرئيس فلاديمير بوتين لايزال متمسكاً بخطته في دعم النظام السوري، والأسد من جانبه يسعى جاهداً لاستثمار هذا الدعم لتحقيق نتائج إيجابية على الأرض.

من جانبه، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت منديز، إن على المشرعين الأميركيين مراجعة تفاصيل الاتفاق النووي مع إيران، موضحاً أن «منطقة الشرق الأوسط قد تشهد سباقاً نووياً استناداً إلى نظرية الردع النووي»، محذراً من تداعيات رفع العقوبات على إيران، نظراً لأنشطتها في عدد من البلدان، ملمحاً إلى العراق وسورية.

تويتر