تستدعي إعادة النظر بآلية عمل السلطة في واشنطن

أكاذيب أميركية جديدة عن حرب العراق

صورة

قبل أسبوعين سئل المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية جيب بوش خلال مقابلة مع محطة «فوكس نيوز»: إنه بعد كل ما جرى في العراق من أحداث وكوارث، فإذا كان يعرف أن كل ذلك سيحدث هل سيقدم على احتلال العراق؟ هذا النوع من الأسئلة التوقعية التي يفترض الجميع أن يكون لها أجوبة معروفة سلفاً، ولكن جيب خيب ظن الجميع عندما قال «نعم لو كنت رئيساً لوافقت على اجتياح العراق»، وهو الجواب ذاته الذي قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وذلك من باب التذكير.

وبعد مرور أيام على هذه المقابلة، وبينما كان بوش يتعرض لسيل من أسئلة الصحافيين شعر الرجل بالتورط ولم يعد يقدر على الإجابة حتى إنه أجاب على السؤال السابق ذاته بصورة مرتبكة كالتالي «لا أدري»، «لا لم أفهم سؤالك»، وأخيراً قال «لا» قبل أن يرجع في النهاية إلى الرأي الشائع لدى الجمهوريين في إلقاء اللوم على الرئيس باراك أوباما. ويكتب الروائي الأميركي تيم أوبريان في روايته حول فيتنام «تستطيع أن تقول قصة حقيقية على صورة تبدو فيها بأنها لن تنتهي»، ويضيف «في قصة حرب حقيقية، واذا كانت تنطوي على أية أخلاق، فإنها ستكون مثل الخيط الذي تنسج منه القماش، فكما لا يمكن استخلاصه مرة أخرى، كذلك لا يمكن استخلاص المعنى من دون الكشف عن المعنى العميق».

والعراق هو واحدة من هذه القصص، وربما غادر الجنود الأميركيون، غير أن تداعيات هذه الحرب لاتزال ماثلة في المجتمع الاميركي متشبثة في وجدان النخبة مثل دخان السجائر العالق بسترة المدخن، وعلى الرغم من أنه يكون مزعجاً إلا أنه لا يمكن التخلص منه. وهذه التداعيات لن تؤدي إلى توريط جيب، وإنما ستظل الإرث المخزي لإدارة شقيقه جورج بوش. وكما ألمح جيب فقد كان لها انعكاساتها السلبية على هيلاري كلينتون عندما رشحت نفسها للانتخابات الرئاسية عام 2008.

وفي العودة إلى ذلك التاريخ، قالت كلينتون لو أنها كانت تدري بأن بوش سيصل إلى السلطة من أجل الذهاب إلى الحرب فإنها لم تكن لتوافق على وجوده فيها، لكنها الآن تغير رأيها بصورة كاملة.

وثمة حاجة إلى إجراء تقييم حول السبب الذي دفع العديد من الاميركيين إلى تأييد الحرب كل هذه الفترة، وكيف أن وسائل الإعلام المستقلة من الناحية النظرية لم تفشل في تحدي الدولة فحسب، وإنما استسلمت لها، ولماذا لم يدفع أي شخص الثمن لقاء كل هذه الاخطاء. وباختصار فإن ذلك يتطلب إعادة النظر بالسلطة الاميركية، كيف تعمل، ولمصلحة من، ولأي هدف.

وفي ظل غياب المحاسبة يصبح من المستحيل الحصول على قصة حرب حقيقية، وبناء عليه فإن الطبقة السياسية ستتواطأ مع الأكاذيب التي ستنعكس سلباً على الجسم السياسي في الولايات المتحدة، تماماً كما فعلت فيتنام، حتى يتم إيجاد علاج لمنع الأكاذيب.

والمهم هنا ليس إعادة طرح شرعية الحرب، لأن الحكم على هذا الموضوع يبدو جلياً من خلال العديد من الأشخاص الذين وافقوا عليه في السابق ولكنهم يغيرون رأيهم الآن، فالمهم الآن هو استرجاع حقيقة الماضي على أمل الوصول إلى مستقبل أفضل وأكثر صدقية، لأن أولئك الذين أوصلونا إلى الحرب عبر الأكاذيب يمكن أن يكذبوا علينا مرة أخرى، وعندها لن نكون مستعدين جيداً لمواجهتهم في المرة المقبلة.

وليس صحيحاً أن جميع أعضاء الكونغرس الأميركي وافقوا على الحرب بعد أن اطلعوا على الأدلة الاستخباراتية. وفي الحقيقة فإن عدداً من الذين وافقوا فعلوا ذلك لحسابات سياسية جبانة.

تويتر