الادعاءات أن البلدان ذات الأغلبية الإسلامية هي منبع التشدد ليست صحيحة

«داعش» يخفق في تجنيد مسلحين من الهند وإندونيسيا بين صفوفه

صورة

اكتشفت السلطات الأسترالية، أخيراً، ثلاثة مخططات للقيام بهجمات إرهابية في العاصمة ملبورن، إلا أن عدد المتحمسين للانضمام إلى تنظيم «داعش» لايزال في ارتفاع، الأمر الذي بات يقلق السلطات في أستراليا، وغيرها من البلدان الغربية. ويقول تقرير الأمم المتحدة إن عدد المجندين ارتفع 71% في مارس الماضي. وينتمي هؤلاء إلى أكثر من 100 دولة حول العالم. وعلى الرغم من أن أغلب المنضمين للتنظيم من المسلمين، إلا أن الادعاءات أن البلدان ذات الأغلبية الإسلامية هي منبع التشدد ليست صحيحة؛ فبلدان مثل فرنسا، التي لا يعيش فيها سوى ستة ملايين مسلم، التحق منها 1200 شاب على الأقل بالتنظيم المسلح، كما التحق 1500 شاب من روسيا التي تضم أقلية مسلمة أيضاً. ويأتي البلدان على رأس قائمة المصدرين للمسلحين.

العلاقة بين الإرهاب والإنترنت

قالت وزارة الداخلية الهندية إن تنظيم «داعش» فشل في التأثير في المسلمين بالهند، رغم لجوء التنظيم المتطرف إلى استخدام التكنولوجيات الحديثة، للوصول إلى عدد أكبر من الجماهير. وأوضح وزير الداخلية، راجناث سينغ، خلال مؤتمر دولي حول مكافحة الإرهاب، نظم في مارس الماضي بمدينة جايبور، إن «أعضاء هذا (التنظيم) يعملون على بث أسوأ أشكال العنف، للقضاء على التنوع، وزعزعة النظام الديمقراطي»، مضيفاً أنهم «يستخدمون أحدث التكنولوجيات لنشر أفكارهم والدعاية لها». وأبرز الوزير أن «معظم المسلمين الهنود اندمجوا في التيار الوطني الرئيس، بيد أن مجموعة قليلة جداً منهم انضمت إلى (التنظيم)، وعاد بعضهم بعد إقناعهم من طرف أسرهم». وأشار إلى أن وطنية المسلمين الهنود، وولاءهم لبلدهم، لا يقلان عن الأطياف الأخرى. وتعكف لجنة من الخبراء مكلفة من قبل الحكومة، حالياً، على دراسة العلاقة بين الإرهاب والإنترنت.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/05/315251.jpg

طلاب مسلمون أمام رمز إسلامي وآخر هندوسي يصلّون من أجل السلام. أ.ف.ب

وتشير التقديرات إلى أن نحو نصف مليون مسلم يعيشون في أستراليا، ومع ذلك فقد انضم ما بين 150 إلى 200 شاب إلى القتال، قتل منهم 30 مسلحاً في العراق وسورية. ويقول الخبير في قضايا الإرهاب بجامعة «موناش» الأسترالية، غريغ بارتن، «بالنظر إلى النسبة والتناسب فإن أستراليا تصنف في المرتبة نفسها تقريبا التي توجد بها فرنسا».

وبالنظر إلى أكبر بلدين مسلمين نجد الأمر مختلفاً؛ فإندونيسيا التي يعيش فيها أكثر من 200 مليون نسمة، أغلبهم من المسلمين، لم يلتحق منها سوى 200 شخص بالتنظيم المتطرف، وفقاً لمسؤولين إندونيسيين، على الرغم من أن بعض التقديرات ترفع العدد إلى 1000 أو أكثر. ومع ذلك فإن النسبة أقل بكثير من فرنسا وروسيا. أما في الهند التي تضم أكبر أقلية مسلمة في العالم، فإن العدد الرسمي للملتحقين بـ«داعش» هو ثمانية من أصل 180 مليون مسلم يعيشون في البلاد. وتقول جهات غير رسمية إن العدد أكبر من ذلك، إلا أنه لا يتخطى العشرات في كل الحالات. وفي ذلك يقول مدير معهد إدارة الصراع في نيودلهي، أجاي ساهني، إن «العدد المؤكد هو ثمانية، وقد قتل اثنان، وعاد آخر إذاً لم يبق إلا خمسة مقاتلين فقط». مضيفاً «هذا أمر مذهل».

هل هناك أسرار تميزت بها التجربة الهندية، يمكن للغرب الاستفادة منها؟

بالنسبة للتنظيم؛ هذا أمر محبط بالتأكيد، فعناصره يتساءلون: «لماذا لا توجد عواصف في مياهنا؟». يعلق ساهني، الذي يقدم تفسيرين لظاهرة عزوف الشباب الهندي عن القتال مع «داعش»: «أولاً، لا يوجد دعم واسع للتنظيم في الهند، فقد كان هناك رفض كامل من قبل قادة المسلمين في هذا البلد»، مضيفاً «ثانياً، المسلمون الهنود ينفرون من التطرف بشدة، على الرغم من الاستفزازات التي حدثت في الماضي، بما في ذلك تظاهرات غوجارات المناوئة للمسلمين». يذكر أن عصابات من الهندوس هاجمت المسلمين في المقاطعة في 2002، وقتل في الأحداث ما لا يقل عن 1000 مسلم. ويشرح الخبير الهندي قائلاً «لاحظت شيئاً مهماً، عندما زرت أوروبا، هو أنه بإمكان الشخص هناك أن يعيش دون أن يكون له أدنى اتصال بالمسلمين، والتجمعات المعزولة هي أرض خصبة للتطرف والتشدد». وهذا أمر غير موجود في الهند، وفقاً للمحلل، لأن جميع الأطياف تتواصل في ما بينها بشكل يومي. ويرى ساهني أن صعوبة التعايش في أوروبا أمر سيئ، وهو في أسوأ حالاته في فرنسا.

ولا يحدث ذلك في الهند لأن المسلمين يتمتعون برغد العيش، يفسر الخبير، فالمسلمون في هذا البلد يعانون فقراً وحرماناً وظلماً، شأنهم شأن بقية المكونات الأخرى، الهندوس والمسلمون والمسيحيون والعديد من الجماعات الدينية الصغيرة في الهند لديهم هوياتهم الخاصة، لكنها تتشابك بشكل وثيق مع بعضها بعضاً، إنها هويات مميزة لكنها ليست متلازمة.

هل يعود ذلك إلى برنامج حكومي ناجح لمنع التطرف؟ يرى المحللون أن الهند لم تكن بحاجة إلى مثل هذه البرامج، والحكومة لا تتدخل في مثل هذه المسائل، لأن تدخلها قد يحدث فوضى. وفي ذلك يقول ساهني «سيكون ذلك فجاً إذا فعلته الحكومة، انظروا إلى بريطانيا التي تبنت برنامجاً لمنع التطرف منذ عقود، وهي الآن من أكبر المصدرين للمقاتلين». ويعتقد خبراء في العلاقات الإثنية أن الاندماج الحقيقي للأقليات المسلمة ساعد في إبعاد الشباب عن التشدد، في حين أسهم التهميش بشكل كبير في تطرف هؤلاء. ويعلق ساهني قائلاً «منع ارتداء الحجاب أو النقاب قد يؤدي إلى نتائج سلبية في المجتمعات المسلمة».

رئيس كلية السياسة والأمن في جامعة شارلز ستيرت الأسترالية، بيك أوبراين، يوافق ساهني في أن «الاندماج الكامل شيء جيد، لكننا عاجزون عن الاستفادة من النماذج الناجحة في البلدان الأخرى». لكنه يشير إلى أنه ليس من السهل على أي بلد تكرار تجربة بلد آخر، مرت عليها فترات طويلة «لا يمكنك ضغط زر سحري، فيكون الجميع مندمجين في مجتمع واحد، الأمر يستغرق عقوداً». في المقابل، يتحفظ الخبير السياسي في جامعة موناش، غريغ بارتن، على طرح الخبير الهندي «هذا يبدو كأنه أمنية النخب في الهند»، مضيفاً «هناك الكثير من المسلمين الغاضبين في الهند»، إلا أن الأخير يستدرك: «يبدو الأمر محيراً، فعدد المقاتلين الهنود في التنظيم قليل جداً»، ويرجع بارتن ذلك إلى الفقر الذي يعانيه المسلمون الهنود، والذي لا يتيح لهم الوصول إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تعتبر «مكاتب التجنيد» الرئيسة بالنسبة لـ«داعش». كما يعتقد المحلل الأسترالي أن الأمر ربما يتعلق بالوقت، فقد تتغير المعادلة في المستقبل، وعلى الرغم من تقديمه هذه التفسيرات إلا أن بارتن يؤكد أن نجاح الهند في منع تجنيد شبابها يعتبر «لغزاً»حتى الآن. وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا اللغز يستحق الانتباه والنظر عن قرب، لأنه ببساطة يبدو ناجحاً.

تويتر