المملكة المغربية غيّرت سياساتها تجاههم وباتت بلداً يستضيف القادمين الجدد بطريقة منظمة للغاية

الخوف من المهاجرين يغلّف سياسة أوروبا بعد «قوارب الموت»

مهاجرون يحاولون عبور سياج الى مليلية شمال المغرب. أرشيفية

غيّرت المغرب سياساتها تجاه المهاجرين الذي يعبرون أراضيها متجهين إلى أوروبا، وباتت المملكة الواقعة على «طريق الأمل» الذي يسلكه الآلاف من المهاجرين إلى القارة الأوروبية، سنوياً، بلداً يستضيف القادمين الجدد بطريقة منظمة للغاية. ودعا مراقبون ومدافعون عن حقوق الإنسان البلدان الأوروبية إلى أن تحذو حذو المغرب من خلال بذل المزيد من الجهود في هذا السياق؛ الأمر الذي سيقلل من أعداد المهاجرين الذين يركبون البحر في رحلات قد تنتهي بالموت المحقق.


مساعدات عاجلة.. ودعم لجهود الإنقاذ

تجرى مناقشة مسودة قرار حول الهجرة قبل عرضها على القادة الأوروبيين لإقرارها، وتقضي باستيعاب 5000 مهاجر فقط في أوروبا، بينما ستتم إعادة بقية المهاجرين الذين يقدر عددهم بنحو 150 ألف شخص إلى بلدانهم، وذلك خلال بحث سبل مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي أدت إلى وفاة 1600 شخص خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى أوربا أخيراً. وبحسب المسودة، سيتم تقديم مساعدات عاجلة للدول التي تواجه تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وبينما تواجه أوروبا ضغوطاً من أجل بذل مزيد من الجهد في عمليات الإنقاذ، تقترح المسودة التركيز على اللجوء لمزيد من أنشطة المراقبة البحرية والتواجد العسكري اللازم لاستهداف وردع المهربين، والتنسيق مع الدول التي تشكل نقط انطلاق لهؤلاء المهاجرين. وفي المقابل، سيتم تقديم دعم لجهود الإنقاذ الحالية، لكن في النطاق ذاته المعمول به حالياً، وهو 30 ميلاً قبالة السواحل الأوروبية.

أوروبا مطالبة بتغيير نهجها

ينبغي على أوروبا أن تغير نهجها في ما يخص الهجرة غير الشرعية، لتكون أكثر إيجابية، مثل جلب المزيد من المهاجرين بطريقة قانونية، خصوصاً في ما يتعلق بالعمال ذوي المهارات المتدنية لدفع التكاليف المتزايدة لسكانها المسنين، علماً بأن نحو 20% من السكان في أوروبا الغربية هم الآن فوق سن 65 عاماً. وتقول نائب مدير منظمة الهجرة الدولية، لورا تومسون، «غالباً ما ينظر إلى مسألة الهجرة على أنها مشكلة، وهناك خطر يتمثل في أن سياسات الهجرة في العديد من بلدان العالم يتم صياغتها على أساس المخاوف والمفاهيم الخاطئة بدلاً من الحقائق». وأشار مسح قام به مركز «غالوب» للدراسات في 140 بلداً، أخيراً، إلى أن معظم الأوروبيين مع الحد من الهجرة. وفي بعض البلدان الأوروبية هناك مبالغة في تقدير عدد المهاجرين من قبل الناس بواقع ثلاثة أضعاف.

بعد أن أصيبت العواصم الأوروبية بالذهول والصدمة جراء الحوادث التي قضى فيها مئات المهاجرين، كانوا على متن زوارق في عرض البحر المتوسط، أخيراً، بدأت أوروبا إعادة النظر في كيفية التعامل مع هؤلاء الذين يقومون بمحاولة يائسة للوصول إلى حدودها. ليس من الضروري النظر بعيداً جداً بحثاً عن نموذج جديد، يمكن أن يحل محل النهج الجاري الذي أطلق عليها اسم «قلعة أوروبا». وقبل عامين، شهد المغرب تحولاً في وجهة نظره تجاه المهاجرين الأجانب، ومعظمهم استخدم المملكة كنقطة عبور فقط إلى أوروبا، وبدلاً من الخشية من أولئك الفارين من بلدانهم جنوب الصحراء الكبرى، قرر المغرب، بدلاً من ذلك، وضع آلية ترحيب جيدة التنظيم استفاد منها الكثيرون.

وفي هذا السياق طالب العاهل المغربي الملك محمد السادس، بإيجاد «رؤية جديدة» شاملة للهجرة، وكانت الرباط قد تعرضت لانتقادات شديدة بسبب ما وصف بـ«المعاملة القاسية» للمهاجرين الذي يغامرون بأنفسهم في محاولة للعبور إلى إسبانيا، وطلب الاتحاد الأوروبي أيضاً من المغرب أن يكون بمثابة «دولة عازلة»، على غرار البلدان الأخرى المجاورة لأوروبا، وذلك في محاولة من قبل الاتحاد الاستعانة بجهات خارجية لاعتقال واحتجاز وطرد المهاجرين.

ووفقاً لهذا الطرح الجديد، عملت السلطات المغربية على تسوية أوضاع ما يقرب من 20 ألف مهاجر ومنحهم الإقامة في المملكة، إضافة إلى وضع برامج لدمجهم في المجتمع وتعليمهم كيفية تشغيل الأعمال التجارية الصغيرة، وعلى الرغم من إمكانات البلد المحدودة وارتفاع معدلات البطالة، فإن «المجتمع المغربي بات يدرك أن هناك مهاجرين أجانب، وأنهم بحاجة إلى العمل والعيش بكرامة». يقول مسؤول مغربي لم يكشف عن اسمه «إنهم بحاجة إلى الحقوق نفسها في العمل والرعاية الصحية والسكن، مثل المغاربة».

الدرس المغربي لأوروبا هو توفير المزيد من القنوات القانونية للمهاجرين في عصر العولمة الذي بات تنقل الأفراد فيه كثيفاً، في حين أثبتت إجراءات تشديد الرقابة على الحدود (الأوروبية) أنها غير مجدية، بل دفعت المزيد من المهاجرين للقيام برحلات محفوفة بالمخاطر مع المهربين. وتتعالى أصوات في أوروبا إلى ضرورة انتهاج «انفتاح منظم»، من شأنه أن يوفر الحوافز للمهاجرين المحتملين وإقناعهم بالانتظار في بلدانهم الأصلية إلى أن يصل دورهم. وبعبارة أخرى، لا يمكن وقف الهجرة لكن يجب عوضاً عن ذلك تحويلها إلى فرص شرعية و«مرخصة».

الغالبية العظمى من أولئك الذين يفرون من بلادهم ليسوا مجرمين، وفي ذلك يقول المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، فرانسوا كريبو، «نحتاح للاعتراف بكرامة هؤلاء المهاجرين واللاجئين»، مضيفاً «إنهم يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة، فضلاً عن الإقصاء والعنف الذي يمارس ضدهم بشكل يومي، فإنهم يتحملون». ويعتقد كريبو أن «الهجرة هي في معظم الأحيان آلية بقاء لا علاقة للمشاعر بها، وعوضاً عن بذل كل الجهود لمنعهم من القدوم، يتعين علينا الترحيب بهم بطريقة منظمة، الأمر الذي سيكون استجابة أكثر إنتاجية». صحيح، النموذج المغربي لايزال قيد الإنجاز. وبينما يحاول الاتحاد الأوروبي الآن إصلاح نظامه، فهو يعرف أين ينظر للاستفادة من الخبرة في هذا المجال.

كانت الأحداث المروعة، الأسبوع الماضي، تذكيراً حياً للبلدان الأوروبية بضرورة التوصل إلى توافق قريباً على سياسة أفضل للهجرة، فقد غرق المئات من الأشخاص في البحر المتوسط، معظمهم من الأفارقة، كانوا في طريقهم من ليبيا إلى إيطاليا، وكان ذلك أسوأ كارثة منذ عام 2013، وتدفق المزيد من المهاجرين عبر ليبيا منذ أن أطاح حلف شمال الأطلسي بنظام العقيد معمر القذافي في عام 2011، ولايزال البلد الواقع في شمال إفريقيا في حالة من الفوضى، في الوقت الذي تتزايد المشاعر المعادية للمهاجرين في أوروبا مع تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية. وبينما يتأهب الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرارات جديدة، تجد البلدان المعنية أنفسها حائرة مما إذا كانت جهود الإنقاذ في البحر المتوسط تتعارض في الواقع مع احتمال جذب المزيد من المهاجرين للمخاطرة والاعتماد على المهربين واستخدام قوارب متهالكة لمحاولة العبور.

ويعتزم الاتحاد الأوروبي تبني سياسة الهجرة الجديدة، في الشهر الجاري، إما رفع الحظر على المراقبة في المياه القريبة من الشواطئ الإفريقية، أو التواجد العسكري الكثيف في منطقة عبور «قوارب الموت». ويأتي ذلك في الوقت الذي تزايدت الضغوط على السياسيين لاتخاذ تدابير صارمة على المهاجرين. وتقول البيانات الرسمية إن أكثر من 280 ألف شخص دخلوا الاتحاد بطريقة غير شرعية، العام الماضي، بزيادة 138% عن العام السابق.

تويتر