لكي تصبح لاعباً أساسياً في المنطقة بما يتناسب مع كونها قوة عظمى

الصين بحاجة إلى الانخراط في قضايا الشرق الأوسط

صورة

من أجل فهم أعمق لدور الصين في الشرق الأوسط، ينبغي النظر إلى ذلك من خلال الأحداث الأخيرة، وغيرها. ففي أواخر مارس، استقطبت بكين العناوين الرئيسة بعد أن أرسلت سفناً حربية لإنقاذ المئات من المواطنين الصينيين والأجانب من اليمن التي تمزقها الحرب الأهلية. إلا أن الرئيس الصيني، شي جينبنغ، ألغى في أوائل أبريل الماضي ما كان من المفترض أن تكون أول زيارة رسمية له إلى السعودية ومصر، فيما يبدو بسبب اندلاع القتال في اليمن، وهذا يؤكد أن بكين تفضل الخروج من المطبخ بدلاً من الاكتواء بحرارة الطبخة السياسية في الشرق الأوسط. وفي الواقع، فإن غياب الصين السياسي الكبير عن ساحة الشرق الأوسط هو الذي ظل يحدد دورها في هذه المنطقة المضطربة لفترة طويلة من الوقت.

خطة صينية خجولة حول سورية

حاولت الصين تعزيز مواقفها بقوة في الشرق الأوسط، ومعالجة قضايا المنطقة لكنها فشلت بشكل مريع، ففي أكتوبر 2012 قدم وزير الخارجية الصيني في ذلك الوقت، يانغ جيشي، خطة من أربع نقاط لحل النزاع في سورية دعت جميع الأطراف إلى وقف القتال، وإنهاء الأزمة، والشروع في عملية الانتقال السياسي. وقالت وكالة «أسوشيتد برس» للأنباء، إن الخطة استقطبت قليلاً من الاهتمام الدولي، ووصفها معظم المراقبين بأنها «غامضة»، ويعتقدون أنها تهدف إلى تعزيز سمعة الصين في أعقاب انتقادات موجهة اليها بسبب تحركاتها للانضمام إلى روسيا لعرقلة قرارات الأمم المتحدة الهادفة إلى إنهاء إراقة الدماء في سورية. وغني عن القول، أن هذا يعتبر فشلاً كبيراً.

ويبدو أن لدى الصين أسباباً وجيهة في عدم تورطها في أحداث الشرق الأوسط، إذ أن ما يقرب من نصف وارداتها من النفط يأتي من الخليج العربي، وعلاوة على ذلك، تحس بكين بالقلق من العناصر المتطرفة في المنطقة، وتخشى من أن توافر هذه العناصر التدريب للمتطرفين وتلهم المسلمين في غرب الصين الانفصال عن البلاد إن تورطت الصين في مشكلات الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من جهود الرئيس جينبنغ في إصلاح القطاعات الرئيسة للاقتصاد، بما في ذلك الخدمات المصرفية والزراعة، وتخفيف القيود المفروضة على نظام تسجيل الأسر الذي عفا عليه الزمن، وسياسة الطفل الواحد سيئة السمعة، إلا أنه لم يفعل شيئاً يذكر في السياسة الخارجية. ومع دعوته لتعزيز سياسية صينية خارجية «استباقية»، لا تزال بكين تساهم فقط في المجالات الدولية الآمنة، والسياسة الناعمة، مثل التنمية الاقتصادية، ومكافحة القرصنة، والصحة العامة العالمية، وعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة.

ولا تستثمر الصين الكثير في مكافحة التطرف الدولي العنيف، وتسوية الحروب الأهلية الدامية، أو التوسط في النزاعات الإقليمية الرئيسة. وظلت بدلاً من ذلك مصابة بالحساسية الشديدة حيال القضايا السياسية والأمنية الصعبة في الخارج، ما يحد بشكل حاد من نفوذها الجيوسياسي.

ويتجلى هذا أكثر وضوحا في الشرق الأوسط أكثر من أي مكان آخر في العالم، حيث للصين نفوذ هامشي حول القضايا الإقليمية، على الرغم من أن اعتمادها المتنامي على طاقة الشرق الأوسط يقتضي منها الدخول في شراكات أعمق مع السعودية.

وتتمثل المشكلة في أن بكين لا ترغب في مؤازرة أحد الجوانب حسب مصالحها، وهو الشرط الذي تتطلبه معالجة الصراع في المنطقة، وعلى النقيض من ذلك، تتحمل واشنطن التزامات كبيرة في المنطقة، فقد ظلت الولايات المتحدة الضامن الفعلي للأمن الخارجي للسعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يحمي الوجود البحري الأميركي المهيمن حرية تدفق الموارد النفطية من الشرق الأوسط، ما يضمن بالتالي الازدهار الاقتصادي للعديد من الجهات الفاعلة في المنطقة، وظلت واشنطن تشارك بعمق في المهمة الصعبة المتمثلة في محاولة التوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من الاستثمارات الأميركية الكبيرة في هذا الشأن تتعرض إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما للانتقاد من شركائها في الشرق الأوسط لرفضها اتخاذ إجراءات أكثر حسماً بشأن جملة من الصراعات الإقليمية. وبما أن المنطقة في حاجة لقوة عظمى، فعلى الصين اختيار أحد جانبي الصراع إن أرادت أن تلعب دوراً على هذا المستوى.

ومن الصعب أن نتصور كيف تستطيع الصين أن ترمي بنفسها بعمق في مخاطر الشرق الأوسط، وتلعب دوراً قيادياً في أي من النزاعات الملتهبة في المنطقة. وتجد بكين صعوبة كبيرة في إيجاد توازن بين الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الرياض وطهران وسط تصاعد المنافسة الإقليمية والطائفية. والأكثر إثارة للقلق لدول المنطقة هو الاتفاق النووي الإيراني، والذي قد يكتمل بنهاية يونيو، والذي سيؤدي بدوره لرفع العقوبات المصرفية والنفطية عن إيران، ما سيوفر لهذا البلد الموارد اللازمة لتعيث مزيداً من الفوضى من خلال وكلائها في اليمن وسورية ولبنان، والعراق، إذ أن غالبية الأموال الجديدة التي تتدفق على إيران تأتي من الصين، أكبر شريك تجاري لإيران. فقبل أيام من التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في أوائل أبريل، كان وزير النفط الإيراني، بيجان زنكنه، في طريقه إلى بكين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تستطيع الصين أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن لأمن الخليج عندما يتعرض لتهديد أشد خطورة؟.

وفي حقيقة الأمر، فإن الصين تصير غائبة عندما يتعلق الأمر بمجال آخر ذو أهمية كبيرة في دبلوماسية الشرق الأوسط ، كالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ويلعب الأعضاء الأربعة الدائمين الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دوراً مهماً في عملية السلام. وفي حين أن الولايات المتحدة تعتبر الوسيط الأساس، فإن الدول الأوروبية الرئيسة بما في ذلك فرنسا وبريطانيا تقود الجهود في الاتحاد الأوروبي لتقديم حوافز اقتصادية كبيرة وتحذيرات في الوقت نفسه لكلا الجانبين، ويميل الروس بانتظام للفلسطينيين. أما الصين فهي العضو الوحيد في مجلس الأمن، الذي يفشل في اتخاذ موقف حاسم في هذا الصدد.

وفي الوقت نفسه يتبقى للصين القليل جداً من الخيارات في سورية والعراق، حيث تصاب الدولتين بالفشل وتشتد الحرب الأهلية، ويصعد نجم تنظيم «داعش»، وتتحد هذه العوامل لتخلق وضعاً بالغ الصعوبة. وتعتقد الدول العربية أن الطريقة الوحيدة للقوى الدولية للمساهمة في حل مشكلات الإقليم هي التدخل في سورية والعراق لاقتلاع جذور «داعش»، والإطاحة بنظام الرئيس السوري، بشار الأسد. وتجادل الدول العربية بأن إنقاذ سورية يتمثل في التدخل العسكري بما في ذلك مجموعة من الغارات الجوية، وتدريب وتسليح قوات المعارضة، وربما اتخاذ خيارات عسكرية مباشرة. ولكن لا يبدو أن الصين ستذهب في هذا الاتجاه أبداً.

وبدلاً عن ذلك انحازت بكين إلى موسكو في مجلس الأمن، وعرقلت القرارات التي من شأنها أن تزيد الضغط على الأسد، وفي الوقت نفسه تراهن على بعض التحوطات من خلال استضافتها مراراً جماعات المعارضة السورية في بكين، وأرسلت في مارس 2012 مبعوثا خاصا للقائهم في دمشق.

وعلى مستوى آخر فقد شرعت الصين في تبني دبلوماسية أكثر استباقية في المنطقة. ويشمل ذلك المزيد من الزيارات رفيعة المستوى، من بينها أول زيارة لوزير خارجية صيني للعراق منذ 23 عاماً، في فبراير 2014، وتعزيز المشاركة مع المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، والاستقطاب الناجح لتسعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر وإيران والسعودية، لتأسيس «البنك الآسيوي للاستثمار» بقيادة الصين. ولكن كل هذا لن يعالج القضية الأساس، وهي أنه لا يمكن للصين أن ترضي جميع الأطراف وتصبح في الوقت نفسه لاعباً رئيساً في منطقة الشرق الأوسط.

 

 

 

 

تويتر