طهران تستطيع بعد الاتفاق النووي الحصول على نحو 420 مليار دولار خلال 15 سنة

الإفراج عن الأموال المجمّدة سيعزز سيطرة إيران الإقليمية

صورة

الهدف الحقيقي من الاتفاق النووي المؤقت مع إيران هو رفع العقوبات الدولية عنها نظير تخليها عن برنامجها النووي، وليس تجميد هذا البرنامج. إلا أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والأطراف الأخرى المشاركة في المفاوضات، على ما يبدو مستعدة الآن للإفراج عن ما بين ثلث أو نصف تريليون دولار من أموال وأرصدة إيران المجمدة على مدى السنوات ال 15 المقبلة، ليس من أجل أن تتخلى إيران عن برنامجها النووي ولكن فقط لتجميده. وبعبارة أخرى، فكأنما واقع الحال يقول إن تجميد أموال إيران ومصادر دخلها لم يكن بسبب عدم قبولها المعايير الدولية بصفة مستديمة، وإنما كان لعدم ضبط نفسها خلال برنامجها النووي. وبموجب هذا المبرر سيتاح لها الحصول على مئات المليارات من الدولارات لكي تطور مستقبلاً برنامجها ويصبح هذا البرنامج مشكلة الرئيس الاميركي المقبل أو الذي يليه.

رسالة خاطئة

تخفيف العقوبات على إيران هي الاستجابة المناسبة في حالة أنهى هذا البلد تماماً أنشطته النووية التهديدية، لكنها بالتأكيد ليست الرد الصحيح لتجميد تلك الأنشطة، إذ أن رفع العقوبات بالكامل عن إيران لا يرسل فقط رسالة خاطئة إلى إيران ودول أخرى تهتم بتطوير أسلحة نووية، وإنما أيضا يعزز نفوذ إيران، من خلال استعادتها لعلاقاتها الاقتصادية والسياسية في جميع أنحاء العالم، ومن شبه المؤكد أن يجعل من الصعب إعادة فرض العقوبات في المستقبل. واعتقد أنه يمكن لحد ما تدارك مثل هذه الاخطاء في المرحلة النهائية من المفاوضات حول الصفقة النووية.

ولم يتضح حتى الآن مقدار ما ستحصل عليه إيران من مكاسب مالية نظير رفع العقوبات عنها والافراج عن أرصدتها المجمدة، ولكن بناء على بعض الاحصائيات فمن المتوقع أن يتم الافراج عن ارصدة ايرانية بقيمة 120 مليار دولار، فإذا كانت إيران تكسب ما يزيد على 20 مليار دولار سنوياً من عائدات النفط، فإن إيران تستطيع أن تحصل على ما يقدر ب 420 مليار دولار خلال 15 سنة.

دعنا نرى مقدار النفوذ الذي تستطيع إيران أن تشتريه في المنطقة من خلال هذا المبلغ الطائل، فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي لإيران عام 2013 وصل لما يقرب من 370 مليار دولار، وأن الناتج المحلي لسورية، والتي تعتبر وكيلة لإيران في المنطقة وصل إلى 65 مليار دولار عام 2011 قبل الأزمة التي عصفت بها. فإن المبالغ المفرج عنها ستساعد إيران ليس فقط على تعزيز اقتصادها الضعيف، وإنما أيضا توسيع نفوذها، وشراء أسلحة، ومساعدة جماعاتها الإرهابية بطريقة أسخى مما تفعل الآن وسط ضغوطات العقوبات الاقتصادية، إذ تقدر بعض المصادر أن إيران تنفق عشرات المليارات من الدولارات على سورية خلال هذه الفترة على الرغم من الضغوطات التي يتعرض لها شعبها واقتصادها في الوقت الراهن.

هناك القليل ممن يجادل بأن إيران تستطيع الحصول على أرصدتها المجمدة وإعادة تطبيع وضعها الاقتصادي، إذا وضعت نهاية لبرنامجها النووي، فإذا فعلت إيران ذلك فإن برنامج العقوبات يكون قد حقق نجاحاً جيداً، إلا أن السؤال الذي تسعى الاسرة الدولية للحصول على إجابة عليه هو: هل تستطيع إيران أيضاً أن تطبع علاقتها الاقتصادية مع العالم إذا جمدت برنامجها النووي لفترة محددة من الوقت؟.

فإذا كان الحال كذلك فإن مثل هذه الصفقة ستؤسس لمعايير جديدة، إذ أن الرسالة الضمنية من وراء هذه المعايير هي أن الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى ستفرض فقط عقوبات على الدول التي تصبح قريبة جداً من تطوير أسلحة نووية (أقل من عام على سبيل المثال)، ولكن إذا كانت برامج الأسلحة النووية لتلك البلدان في المرحلة التي وصلت اليها الآن إيران وتستعد القوى الدولية لتجميدها، فإن تلك البلدان سيكون لها مطلق الحرية في تصريف أعمالها وتشغيل اقتصاداتها للحد الذي يمكنها من تمويل تلك البرامج بشكل أفضل في المستقبل.

وتتفاقم المشكلة من حقيقة أن جيران إيران لا ينظرون إلى برنامجها النووي على أنه يشكل خطراً رئيساً عليهم، بل يعتقدون أن الخطر الرئيس ينبع من تدخل إيران الإقليمي، وزعزعتها استقرار جيرانها، وبسط نفوذها، وأن استئناف إيران تدفقاتها النقدية واستعادة أصولها، فضلاً عن تبوؤها مكان دولية أكبر قد يفاقم هذا التهديد، وستتوفر لطهران ما تحتاجه من إمكانات لمواصلة دعم الإرهابيين مثل «حزب الله»، والحكام المستبدين مثل الرئيس السوري، بشار الأسد، والحصول نفوذ أكبر من أي وقت في أماكن مثل العراق واليمن.

وكانت العواقب التي ستنجم عن استراتيجية إيران الإقليمية، القضية الاساسية موضع النقاش الأسبوع (الماضي) في واشنطن بين أوباما، ورئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، لا سيما عندما ارتكز العبادي في نقطة حواره على الرؤية الايرانية في تناوله الصراع في اليمن، واتخذ موقفاً ضد التدخل الخليجي الساعي لوقف تقدم الحوثيين المدعومين من إيران، مدعياً أن الدور الايراني في اليمن مبالغ فيه، وذهب إلى أبعد من ذلك ليدعي أن أوباما زعم بأنه لا يؤيد السعوديين. وسرعان ما نفى البيت الابيض هذا الاتهام. ولم يكن البيت الابيض سعيداً بهذا البيان الذي جاء من زعيم دولة انفقت الولايات المتحدة مئات المليارات من أجل «تحريرها».

وفي حقيقة الأمر، فإن الحديث مع زعماء عرب آخرين عن العراق يعكس تماماً أنهم لا يرون الحكومة في بغداد كحليف وإنما العكس من ذلك. وعلى الرغم من عقود من الصراع المرير والدموي بين العراق وإيران، يعتقد هؤلاء الزعماء أن الحكومة الآن أقرب إلى إيران منها إلى الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى في الجوار. ومهما كان الحديث عن قوة القومية العراقية في التغلب على مثل هذه المصالح السياسية على المدى الطويل، فإن التقارب بين الحكومة العراقية الحالية وطهران يمثل منعطفا ملحوظاً في الأحداث ، وهذا التحول يمثل اتهاماً لاذعاً لسياسات رئيسين أميركيين وليس واحداً.

وفي هذا السياق نجد مثالاً آخر عن الخطأ الشنيع الذي ترتكبه الإدارة الاميركية بسبب تركيزها على اتفاق نووي مع إيران من دون معالجة التهديد الإقليمي الذي يمثله هذا البلد. ويعتبر استئناف البيت الابيض مبيعات الاسلحة مؤخرا مع مصر خطوة إيجابية لمعالجة هذا الأمر، كذلك الحال بالنسبة للدعوة التي وجهتها أميركا لدول مجلس التعاون الخليجي الشهر المقبل لمناقشة مصالح أميركا المتبادلة مع هذه الدول. ويبدو من وراء الكواليس أن هذا الاجتماع، الذي سيعقد في كامب ديفيد في غضون بضعة أسابيع، سيتمخض عن نوع من معاهدة دفاعية في مواجهة التهديدات الايرانية في المنطقة، وتوفير الأمن في حالة خروج إيران عن الاتفاق النووي.

ديفيد روثكوبف المدير التنفيذي لمجلة «فورين بوليسي»

 

تويتر