التلوث يقتل جميع مظاهر الحياة.. والحكومة تتجاهل مأساة السكان

أبخرة المصانع السامة تقتل رجال قرية «الأرامل» الصينية

التلوث يجبر أهالي القرية حتى الأطفال على وضع كمامات على وجوههم. غيتي

«قرية الأرامل» هي قرية صينية، مات معظم رجالها، وترملت بالتالي معظم نسائها، بسبب الغازات السامة التي تطلقها مداخن المصانع. وتعتقد جميع الأسر أن سر الوفاة يعود إلى المواد المسرطنة في الهواء، والتربة، التي تنتقل في نهاية المطاف إلى طعام أهل القرية، لتسبب لهم السرطان.

في هذه المنطقة الزراعية، التي كانت تسمى في الماضي «الفردوس الريفي»، نشأ وترعرع الزعيم الصيني الراحل، ماو تسي تونغ، أما لماذا تموت نسبة من الرجال أكثر من النساء، فيعود إلى حقيقة أن الرجال ولدوا بشكل عام في القرية وتعرضوا للبيئة السامة فترة أطول، في حين أن العديد من النساء المتزوجات في المجتمع تربين في مكان آخر.

وبدأت القرية منذ أوائل خمسينات القرن الماضي تتراجع من «فردوس ريفي» إلى قفار سامة، عندما بدأت المصانع الأولى تتحرك قريباً من المنازل، وبدأت المنطقة والأراضي والمياه والهواء تصاب بالتلوث، واختفت في بادئ الأمر الديدان من أراضي القرية التي كانت خصبة، ثم تلاها اختفاء الطيور حتى من سماء القرية. وتدهور الأمر أكثر في ثمانينات القرن الماضي عندما بدأت المنطقة تنتج المواد اللافلزية، وبدأت الأشجار والنباتات تذبل وتموت كلما زاد عدد المصانع، وتحول لون الفجل في الحدائق النباتية الملوثة إلى اللون الأسود، ويقول أحد سكان القرية «حتى الدجاج لا يأكل منها». وتصف الدراسات الأكاديمية المنطقة بأنها واحدة من أكثر المناطق تلوثاً، مع أمطار حمضية، وتلوث بالمعادن الثقيلة بمستويات أعلى بكثير من أي مكان آخر. وتقول ليو يوانلينغ (66 عاماً)، والتي فقدت زوجها بسبب سرطان الرئة، إن «تلوث الهواء هو المسؤول عن ذلك». ليو واحدة من بين عشرات الأرامل اللاتي أعطين القرية لقبها. مثل هذه القصص تُروى مراراً وتكراراً في هذه القرية، التي تقع بجوار منطقة صناعية على مشارف تشوتشو، وهي مدينة صغيرة في مقاطعة هونان. ويعتقد وين فيجوتو أن المعادن الثقيلة الممزوجة في تربة القرية، التي تستمد منها الخضراوات غذاءها هي التي تسبب سرطان البنكرياس الذي قتل والده. وتقول إحدى الأرامل «نحاول الخروج من القرية، لكن الحكومة تتجاهلنا».

ليس لدى القرويين أي دليل علمي مادي يربط بين التلوث والمرض الذي أودى بحياة العديد من الرجال المحليين، لكنهم يلقون اللوم على عقود من التصنيع غير المنضبط. ويقول النشطاء إن هناك المئات من مثل هذه «القرية المسرطنة» في جميع أنحاء الصين، لكن لم تقدم الحكومة أي دراسة رسمية عن هذه الحالات.

مهمة معالجة هذا الوضع تقع الآن على أحد الأكاديميين الصينيين الذي تلقى دراسته في المملكة المتحدة، وهو شين جينينغ، الذي يترأس الآن جامعة تسينغهوا، في بلاده، والذي أصبح الآن وزيراً لحماية البيئة. وتستفحل الأزمة في قرية الأرامل، المطوقة من جميع الجوانب بمداخن المصانع الكيماوية ومصانع الصهر التي تنتج الزنك والرصاص في المنطقة الصناعية. ويستقبل سكان القرية الصحافيين بحزم من الوثائق التي تبين تفاصيل الوفيات بسبب السرطان. وتضم قائمة ضحايا السرطان 54 اسماً، منهم 43 لقوا حتفهم بالفعل، 38 من الرجال وخمس نساء. ومع دقات الساعة الـ8 صباحاً تنفث المصانع، التي لا تبعد سوى 2000 قدم من منازل الطوب البسيطة، غازات سامة يتهمها القرويون بأنها هي التي تؤدي إلى مستويات خطرة من الرصاص في دم أطفالهم. ويقول أحد السكان «يضطر السكان إلى تغطية وجوههم بمناشف مبللة بالماء». العام الماضي أغلق القرويون طريقاً مزدوجاً، يمر بالقرب من منازلهم ليربط مصنع الصهر القريب، احتجاجاً على التلوث، مرتدين قمصاناً مرسوماً عليها صوراً سوداء، ومكتوباً عليها «التسمم يضر بالمواطنين»، إلا أن الحكومة تجاهلت ذلك.

تويتر