بعد إقصائه من السلطة عام 2011

صالح «يرقص على رؤوس الأفـــــــاعي» في اليمن انتقاماً من خصومه

صورة

ظل الأميركيون ينظرون لسنوات عديدة للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على أنه حليف رئيس في الحرب ضد تنظيم «القاعدة». فقد سمح لهم باستخدام القواعد الجوية لانطلاق الطائرات الأميركية من دون طيار لضرب نشطاء الحركة، وتلقى نظير ذلك مساعدات غربية على شكل إمدادات أسلحة وأموال نقدية.

وعلى الرغم من ذلك يقر أحد تقارير الأمم المتحدة الشهر الماضي، أن صالح، عندما أحس بأن تظاهرات الربيع العربي عام 2011 تهدد حكمه الذي دام ثلاثة عقود، أبرم صفقة سرية مع «القاعدة» يسلمهم بموجبها المحافظة الجنوبية كاملة، ويرمي من وراء ذلك أن يصور للغرب أن اليمن سقط في براثن مليشيات «القاعدة»، وأن الغرب سيحتاج إليه اكثر من أي وقت مضى لمساعدته على محاربة «القاعدة»، وبالتالي إبقائه في منصبه بأي ثمن.

صالح يعرض الانقلاب على الحوثيين

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/288606.jpg

يبدو أن صالح لا يدخر أي وسيلة للعودة للسلطة مرة أخرى، فقبل يومين حملت الأنباء بأنه طالب المملكة العربية السعودية برفع العقوبات المفروضة عليه من قبل مجلس الأمن الدولي، في وقت سابق، والتي شملت منعه من السفر، وتجميد أصوله المالية، ومنع الشركات الأميركية من التعامل معه، نظير انقلابه على حلفائه الحوثيين، وتحريك خمسة آلاف من قوات الأمن الخاصة، الذين يوالونه لمقاتلتهم. إلا أن الرياض أكدت له أنها لا تقبل سوى الالتزام بالمبادرة الخليجية، التي تم الاتفاق عليها من كل الأطياف اليمنية، وضرورة عودة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادى، لقيادة اليمن من العاصمة صنعاء، محذرة في الوقت نفسه من أي تحركات تستهدف المساس أو الاقتراب من العاصمة المؤقتة عدن، معتبرة ذلك خطا أحمر.

إلا أن تحالفه غير المقدس فشل في تحقيق هدفه، فبحلول العام التالي أجبره داعميه الغربيين بهدوء التخلي عن منصبه مقابل توفير حصانة له من الملاحقة القضائية. الا أن هذا الرجل، الذي يتمتع بسجل للتحالف مع أي شخص من أجل بقائه في السلطة، برهن الأسبوع الماضي على أن مكره لا ينبغي أبدا الاستهانة به.

ففي خطوة جلبت مزيدا من الخراب لأفقر دولة في العالم العربي، اجتاح الحوثيون المدن الرئيسية في اليمن، وحاصروا مدينة عدن الساحلية مما اضطر دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية شن غارات الجوية لضرب الحوثيين، المدعومين سرا من إيران، التي تنوي بسط نفوذها على الشرق الأوسط، على حسب رأي بعض المحللين.

وفي حين تنفي طهران أي تورط لها في اليمن، فإن صالح هو الشخص الذي يساعد بلا شك الحوثيين، على الرغم من أنه قاتلهم بضراوة هو نفسه خلال الفترة التي قضاها في السلطة، لكنه انضم الآن لجانبهم، وأصدر تعليمات لحلفائه والمقربين منه في الجيش للانضمام إلى قوات المتمردين الحوثيين، وبالتالي أصبح هذا التمرد المحلي الصغير بفضله حربا أهلية شملت كل البلاد – وهذا يعكس بالتالي أن صالح المراوغ يحلم مرة أخرى في الاستيلاء على السلطة.

هذا الزعيم الميكافيلي بمعايير الشرق الأوسط، تحدث ذات مرة بأن من يحكم اليمن «كأنما يرقص على رؤوس الأفاعي»، إلا أن عودة هذا الرجل المذهلة ألي مسرح الأحداث على الرغم من دخوله في الماضي في صفقات مع زعماء القبائل، والقوى الإقليمية، وحتى تنظيم «القاعدة» نفسه- جعلت العديد من المراقبين يتساءلون ما إذا كان هو نفسه الأفعى الكبرى.

هناك دائما الكثير من الروايات التي تقول بأن صالح كان يعقد صفقات مع مسلحي «القاعدة»، الذين من المفترض أن يحاربهم، إلا أن الولايات المتحدة كثيرا ما كانت تتقاضى عن مثل هذه الروايات، حيث يؤكد ملخص دبلوماسي أمريكي صادرة عن «ويكيليكس» بأنه ليس هناك الكثير من الأدلة في هذا الشأن.

إلا أنه ووفقا لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، تم إعداده من قبل «هيئة الخبراء» لمجلس الأمن الدولي، أن صالح التقى الأمير المحلي لتنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، سامي ديان، في مكتبه في صنعاء عام 2011. وكان اليمن في ذلك الوقت يواجه نفس الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي كانت تهدد بالفعل سلطة الحكام الأقوياء في الدول العربية الشقيقة في مصر وليبيا وسورية.

ولدهشة وزير الدفاع اليمني، الذي كان حاضرا في ذلك الاجتماع، فإن صالح أكد لديان أن الجيش سينسحب من معظم محافظة أبين، التي تشكل مساحة كبيرة من الساحل إلى الشرق من عدن، ومن ثم ستكون هذه المنطقة لقمة سائغة للأمير، الذي، كما أكد وزير الدفاع فيما، أنه هدد في وقت سابق بقتل صالح.

ويؤكد التقرير أن هذا هو ما حدث بالضبط بعد ذلك. ففي مايو 2011، عندما حاصر المتظاهرون المؤيدين للديمقراطية وزارات صالح في العاصمة صنعاء، استولى تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية على محافظة أبين، وبقي فيها لمدة عام. وفي الوقت ذاته اختفت وحدة مكافحة الإرهاب، التي تلقت تدريبها في الغرب، والتي يقودها ابن شقيق صالح.

هذا الاستيلاء المفاجئ لتنظيم «القاعدة» على الأراضي التي كانت تسيطر عليها الحكومة اليمنية هو لتأكيد الاعتقاد بأن الاحتجاجات ضد صالح قد تقوض الأمن الإقليمي. الآن، يترسم الحوثيون استراتيجية صالح، ويزعمون أن قوة «القاعدة» المتصاعدة هي المبرر لاستيلائهم على الحكم.

ومع ذلك قد يكون لصالح أسباب أخرى للتشبث بالسلطة، فقد أشار جزء آخر من تقرير الأمم المتحدة إلى ادعاءات بأن هناك ثروة هائلة تراكمت في يد صالح أثناء وجوده في الحكم، الجزء الأكبر منها في يد رجال أعمال من أصدقائه في جميع أنحاء العالم. ويزعم التقرير «أنه قد جمع أصولا تقدر قيمتها ما بين 32 و 60 مليار دولار يعتقد أن معظمها تم تهريبه إلى خارج البلاد تحت أسماء وهمية، أو أسماء آخرين يملكون هذه الأصول نيابة عنه». ويُعتقد إن هذه الأصول «تأخذ شكلا عقاريا، ونقديا وأسهم وذهب وسلع ثمينة أخرى».

قد تكون هذه الأرقام مبالغا فيها إلى حد كبير، حيث أن الكثير من المكاسب التي حصل عليها صالح بطريقة غير مشروعة دفعها مرة أخرى لزعماء القبائل للفوز بولائهم. إلا أن أحد المحللين السعوديين يقر بأن الرقم عالي جدا، ويقدر أن يكون صالح قد حصل على ربع هذا الرقم.

ما ليس واضحا في الوقت الراهن هو كنه الاستراتيجية النهائية لصالح والحوثيين، فبينما ظل صالح صامتا إلى حد كبير بشأن طموحاته، يدعي الحوثيون بأنهم يريدون تشكيل حكومة موسعة. وليس من الواضح، مع ذلك، ما إذا كانوا يعتقدون انهم يستطيعون ممارسة نفوذ على كامل أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق القبلية، والسنية، والمناطق النائية التي ينتشر فيها تنظيم «القاعدة».

وفي غضون ذلك فإن الشعب اليمني، الذي كان يعتقد أنه بعد طرد صالح من المحتمل أن يحصل على تمثيل أكثر لمصالحه، يجد الآن نفسه في نفس الملعب الذي تتنافس فيه المصالح الإقليمية والطائفية والإيديولوجية.

تويتر