الأمم المتحدة تدعو إلى توزيعهم على الدول الغنية بـ «نظام حصص» عادل ومنظم

4 ملايين لاجئ سوري يعانون فــي دول الجوار

صورة

ربما تبدو صور اللاجئين السوريين اليائسين المتزاحمين داخل القوارب وهم يحملون أطفالهم بأيديهم، مألوفة في هذه الأيام. وفي أواخر السبعينات، بعد سقوط مدينة سايغون العاصمة الفيتنامية (أصبحت الآن هوشي منه) حدث رحيل جماعي مشابه من الفيتناميين الذين هربوا من النظام الشيوعي الجديد، بحيث إنهم شكلوا موجة من الناس الذين خاطروا بحياتهم في البحر للهرب من الموت وتأمين الملاذ لعائلاتهم.

تراجع الاستجابة العالمية تجاه اللاجئين

أدى حجم أزمة اللاجئين، التي اندلعت إثر سقوط مدينة سايغون عاصمة فيتنام عام 1975، إلى استجابة دولية منسقة إزاء هروب مئات آلاف الفيتناميين من بلدهم. وبعد مرور أربعة أعوام على نهاية الحرب الفيتنامية، طلب أكثر من 300 ألف لاجئ الهرب على متن القوارب إلى دول أخرى. وتمكن كثيرون من الوصول إلى الدول المجاورة، في حين أن 62 ألفاً كانوا يقيمون في دول جنوب شرق آسيا.

لكن في عام 1979 حذر اتحاد دول جنوب شرق آسيا (الذي كان يتألف في حينه من ماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند) من أنه «وصل إلى ذروة التحمل، وأنه قرر رفض استقبال قادمين جدد».

وعقد مؤتمر في العام ذاته في جنيف حضرته 65 حكومة، وشهد تعهد الدول المشاركة بإعادة إسكان نحو ثلاثة أرباع المليون من اللاجئين لديها. وفي المقابل وافقت فيتنام على برنامج رحيل منظم يهدف إلى السماح للأفراد بالسفر ليتم استقبالهم في دول أخرى لمنع تدفق سفر اللاجئين في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحار. وفي الفترة ما بين يوليو 1979 ويوليو 1982 استقبلت نحو 20 دولة، على رأسها الولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وكندا 623 ألفاً و800 لاجئ. وفي عام 1989 وبعد موجة متجددة من اللاجئين من فيتنام عقد مؤتمر دولي آخر وتبنت 70 دولة «خطة تحرك شاملة» هدفت إلى السيطرة على معدل الرحيل، وتشجيع طالبي اللجوء في المنطقة على العودة إلى وطنهم. وتضمن ذلك تأمين لجوء مؤقت. وخلال الفترة ما بين 1975 و1995 تم إسكان 1.3 مليون لاجئ من فيتنام وكمبوديا ولاوس في أكثر من 20 دولة، من بينهم نحو 20 ألف لاجئ في المملكة المتحدة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/275943.jpg

بين عامي 1975 و1995 تم إسكان 1.3 مليون لاجئ من فيتنام في أكثر من 20 دولة. أرشيفية

وتعرض العديد منهم للقرصنة، والغرق، والموت عطشاً، إلا أن الذين نجحوا في البقاء أحياء ملأوا معسكرات اللاجئين في تايلاند وماليزيا وإندونيسيا وهونغ كونغ. وكما هي حال أزمة اللاجئين السوريين الآن، فقد تعرضت الدول المجاورة لفيتنام لضغوط كبيرة نتيجة تقديم المساعدة لكل هؤلاء اللاجئين.

وخلال تلك الفترة كانت استجابة العالم مختلفة، إذ قام خلال الفترة ما بين 1975 و1995 بإعادة توطين 1.3 مليون شخص فيتنامي في شتى أنحاء العالم الغربي. لكن في هذه الأيام يواجه العالم أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية، ويعيش نحو أربعة ملايين لاجئ سوري حياة بائسة في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن ولبنان. وهربوا من صراع نجم عنه حتى الآن مقتل 210 آلاف شخص، نصفهم من المدنيين، بحسب الأرقام الصادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقول إن العدد الحقيقي للضحايا أكثر من ذلك بكثير.

وتعهدت الدول المتقدمة حتى الآن بتقديم الملاذ لـ104 آلاف لاجئ سوري. والآن ثمة دعوات شبيهة لإقامة برامج كتلك التي نفذت في شبه جزيرة الهند الصينية، في تلك الفترة، لوضع حد للمخاطرات التي يقوم بها السوريون وغيرهم من الذين يهربون للنجاة بحياتهم في قوارب عبر البحر المتوسط. ويدعو المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق اللاجئين، فرانسوا كريبيو، الدول الأوروبية والغنية لإيجاد ملجأ لنحو مليون لاجئ خلال خمس سنوات من خلال نظام «حصص» عادل ومنظم. ويقول كريبيو لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية «نعم، نستطيع القيام بذلك، فقد فعلناها قبل 30 عاماً، ونستطيع تكرارها مرة ثانية».

وحتى الآن فإن ألمانيا والسويد فقط استقبلتا اللاجئين السوريين، وأعدتا برامج لإسكانهم، أما استجابة الدول الأخرى في أوروبا فقد لقيت سخرية من خبراء حقوق الإنسان، حيث كانت بريطانيا الدولة التي تعرضت لأكثر الانتقادات نتيجة ردة فعلها على اللاجئين السوريين. وعلى الرغم من تعهد رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، منذ عام، بأن تنفذ حكومته خطة طوارئ لاستقبال اللاجئين السوريين، إلا أنه تم قبول 90 لاجئاً سورياً فقط حتى الآن.

ويقول الخبير في شؤون اللاجئين في منظمة العفو الدولية، جان شو، إن أزمة اللاجئين السوريين «أصبحت تعد الكارثة الإنسانية الأكثر إلحاحاً في عصرنا، بيد أن استجابة المجتمع الدولي لها مثيرة للشفقة مع وجود بضعة استثناءات لذلك».

وبدأت أزمة اللاجئين في الهند الصينية بعد سقوط سايغون عام 1975، عندما هربت أعداد كبيرة من الفيتناميين من اضطهاد النظام الشيوعي الجديد في فيتنام. وتزايدت الأعداد إثر وصول قمع الحكومة إلى لاوس وكمبوديا، الأمر الذي دفع ثلاثة ملايين شخص إلى الهرب، بعضهم بالقوارب، واستمر ذلك لمدة عقدين من الزمن.

ووضع كريبيو أفكاراً جديدة تتعلق باللاجئين السوريين والإريتريين تقضي بقيام اللاجئ بتقديم طلب خلال وجوده في المخيمات بأن يتم توطينه في الدول المجاورة. ويتم توزيع اللاجئين على الدول المستقبلة بموجب نظام الحصص الذي يأخذ بعين الاعتبار تعداد سكان الدولة المستقبلة وناتجها القومي، والأراضي المتوافرة لديها والكثافة السكانية لديها. ويقدر كريبيو بأن ذلك يعني أن دولة مثل كندا يمكنها أن تستوعب 9000 لاجئ سوري سنوياً، في حين أن ألمانيا يمكن أن تستوعب 20 ألفاً سنوياً. ويقول «هذه ليست أرقاماً كبيرة طالما أنه يتم توزيعها على مدى عام».

ويكون تأثير هذا البرامج كبيراً في الفارين من الحرب، إذ إنه لم يعد هؤلاء اللاجئون مجبرين على ركوب البحر للهجرة إلى أوروبا، حيث قضى منهم 3000 في العام الماضي فقط.

ويعترف كريبيو أن المناخ السياسي العام مختلف الآن مقارنة عن الحال أيام أزمة لاجئي الهند الصينية، إذ إن السياسيين، أمثال القوميين واليمينيين الآن، يكافحون لمنع قدوم مزيد من اللاجئين إلى بلادهم. وأي سياسة تقبل مزيداً من اللاجئين إلى أوروبا تعتبر سامة. واستمرت أزمة لاجئي الهند الصينية لمدة عقد كامل، كما أنها حدثت في زمن كانت صورة المراكب التي يزدحم عليها عدد كبير من الناس تثير الصدمة. ويقول كريبيو «كان ذلك أمراً رهيباً، حيث كان يعرض على شاشات التلفزة الملونة، الأمر الذي أدى إلى خلق تعاطف كبير معهم، وهو الأمر الذي نفتقر إليه الآن مع اللاجئين السوريين». واعترف بأن دول الاتحاد الأوروبي تعاني المشاحنات الآن، ولذلك فإن التوصل إلى اتفاق على أي نظام حصص «سيكون صعباً جداً»، ولذلك فإن العديد من المنظمات تبحث عن أهداف أقل طموحاً. ودعت منظمة العفو الدولية الدول المتطورة والغنية إلى إسكان 5% من تعداد اللاجئين السوريين بنهاية العام الماضي. وترغب الوكالة الدولية للاجئين في إعادة إسكان اللاجئين الأكثر ضعفاً، وحددت أماكن لجوء لنحو 130 ألف لاجئ.

ولكن يتفق الجميع على أنه يجب القيام بالكثير لإظهار التضامن مع الدولة التي تتحمل عبء اللاجئين، وقال المتحدث باسم الوكالة الدولية للاجئين، أريان روميري «الحرب السورية أدت إلى حدوث أكبر أزمة إنسانية في عصرنا».

تويتر