نفى ما تردّد من تلميحات المؤيدين والخصوم.. لكنه أرجع الأمر إلى رغبة الشعب

المالكي يخطط للعودة إلى رئاسة الحكومة العراقية

صورة

منذ فترة بدأ يلمّح كلٌ من مؤيدي وخصوم رئيس الوزراء العراقي السابق، ونائب رئيس الجمهورية الحالي، نوري المالكي، إلى عودته مجدداً لمنصبه السابق رئيساً للوزراء. وبالفعل يخطط المالكي، الذي غالباً ما يظهر على محطات التلفزيون العراقية، لعودة سياسية. وأكد مسؤول غربي لصحيفة «نيويورك تايمز» أن المالكي كان «مقتنعاً تماماً» بأنه سيعود إلى السلطة في وقت ما هذا العام. وفي حين نفى هو، في وقت سابق من الشهر الماضي، أن لديه خططاً للعودة إلى منصبه السابق، لكنه أضاف أيضاً «إذا قرر الشعب العراقي انتخابي، فلن أتراجع».

صراع المالكي والعبادي

الصراع على السلطة بين المالكي، ورئيس الوزراء، حيدر العبادي، هو أكثر بكثير من مجرد تنافس شخصي. ومنذ تنحّي المالكي في شهر سبتمبر عن منصب رئيس الوزراء، رسم العبادي مساراً مختلفاً بشكل كبير عن ذلك الذي اتبعه سلفه. فقد حاول رئيس الوزراء الجديد بناء علاقات مع المهمّشين من العرب السنة والأكراد، كما دفع الى الأمام بتشريع لتشكيل الحرس الوطني يسمح بتسليح وتنظيم مقاتلي العشائر السنية المناهضين لتنظيم «داعش»، والوصول إلى اتفاق تاريخي مع حكومة إقليم كردستان حول النفط والإيرادات.

وعلى الرغم من أن المالكي اضطُر للتنحي كرئيس وزراء في سبتمبر الماضي، إلا أنه أصبح واحداً من نواب الرئيس الثلاثة في البلاد، ولايزال هو الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، الذي خرج من تحت عباءته ثلاثة رؤساء وزراء. ولعل الأهم من ذلك، أن المالكي المعروف بجده المتواصل في العمل - يعمل لمدة 16 ساعة في اليوم - عزز علاقاته مع إيران والميليشيات الشيعية القوية التي ظهرت كرد فعل على انتشار تنظيم «داعش» في أنحاء العراق العام الماضي.

المالكي، كما وصفه أحد الباحثين، بأنه «هو السياسي الأكثر شعبية، وفي الوقت نفسه هو الذي لا يحظى بشعبية في البلاد بأسرها»، ويقول الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمؤسسة تشاتام هاوس، حيدر الخوئي، إن المالكي بعبارة أخرى شخصية شديدة الاستقطاب، يكرهه من هم خارج دائرته، بينما تحبه قاعدته السياسية.

وفي حين ينتمي العبادي إلى الحزب نفسه الذي ينتمي إليه المالكي، فإن أسلوبه، كما يقول الخوئي، مختلف بشكل كبير، «أخبرني أحد أعضاء حزب الدعوة أنه إذا كان هناك اثنان من متشاجرين من أصدقاء العبادي، فإن العبادي يسعى لاسترضاء الشخص الذي هو أقل من صديق، ولهذا فإنه شخص يبعث على الاحترام، ليس فقط بين السنة والأكراد، ولكن بين منافسيه وشركائه الشيعة الرئيسين، الذين يهمشهم المالكي بشكل منهجي». وبالنسبة لمؤيدي المالكي، فإن هذه العقلية التي يتمتع بها العبادي تفتقر إلى الصفات القيادية التي يمتلكها المالكي، والتي يقولون إنها ضرورية لحكم العراق في زمن الأزمة.

ويقول أحد مستشاري المالكي السابقين، وعضو ائتلاف دولة القانون، سعد المطلبي: «المالكي شخص حاسم، فهو رجل عملي»، ويضيف «أما حيدر فصديق عزيز لي، لكنه لا يصلح كرئيس للوزراء، وإنما كمثل شخص مسؤول عن المرور».

ويعتقد مستشار المالكي السابق للأمن الوطني، موفق الربيعي، أنه ينبغي أن لا نتجاهل المالكي. ويبرر ذلك بقوله: «إنه الأمين العام لواحد من أهم وأقوى الأحزاب السياسية وأكثرها تنظيماً، ولا أعتقد أن موقفه السياسي مهزوز داخل الحزب».

وعمل المالكي بشدة لدعم شعبيته داخل قاعدته الشيعية. ويشير الربيعي إلى أن المالكي يسافر بانتظام لمحافظات العراق المختلفة لاستقطاب الدعم من القادة المحليين في حزب الدعوة، الذي يشكل جزءاً أساسياً في ائتلاف دولة القانون، والكثير من هؤلاء القادة المحليين هم «مالكيون»، كما يقول الربيعي.

فعل المالكي أكثر بكثير من ترحيبه الحار بقادة الأحزاب المحليين، حيث اتجه لتقوية علاقاته الدولية، وصفّ نفسه بقوة في المعسكر الإيراني. وسافر إلى طهران في نوفمبر الماضي للقاء كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن في ذلك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني. وأشاد خامنئي بالزعيم العراقي لقيامه «بعمل رائع للحيلولة دون الاضطراب وعدم الاستقرار»، معتبراً أن جهوده «لن تنسى أبداً».

أعقب المالكي زيارته إلى إيران بزيارة رسمية مماثلة إلى لبنان، في وقت لاحق من الشهر نفسه، حيث كان في استقباله في المطار مسؤولون من حزب الله وحركة أمل، وهما الحزبان الشيعيان الرئيسان في البلاد. وبينما يشجع المالكي دائماً إقامة علاقات قوية مع الإيرانيين، إلا أنه خلال السنوات الثماني التي قضاها في السلطة استطاع أن يخلق علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة. هذه المرة، لم يُخفِ هذا السياسي، الذي ساعدته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) للظهور إلى العلن السياسي، لم يُخفِ ترحيبه باللقاء الحار الذي استقبله به زعيم حزب الله، حسن نصرالله.

وفي عراق اليوم، فإن جهود المالكي لعقد علاقات حميمة مع إيران وحلفائها هي ببساطة سياسة جيدة. وبالرجوع إلى القرن الـ17 نجد أن لطهران نفوذاً طاغياً على بغداد، وازداد هذا النفوذ على مدى العام الماضي، عندما أرسلت طهران أكثر من 1000 مستشار عسكري لمحاربة «داعش»، ونفذت ضربات جوية ضد هذه المجموعة الإرهابية، كما موّلت وسلّحت الميليشيات الشيعية التي باتت تسيطر الآن على العاصمة. ويعتبر قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، لاعباً أساسياً على خطوط الجبهة في البلاد، وظهر آخر مرة في مدينة سامراء، لجمع الميليشيات الشيعية للهجوم على «داعش» في مدينة تكريت التي يحتلها.

استطاعت طهران أن توسع نفوذها في العراق من خلال ما يعرف باسم «لجان التعبئة الشعبية»، وتمثل هذه المجموعات قوة جديدة في المشهد السياسي والعسكري في العراق، وحاول المالكي بسرعة أن يسخّرهم لنفسه. ففي 26 يناير الماضي، أصبح المالكي أول مسؤول عراقي كبير يستقبل علناً قادة لجان التعبئة الشعبية، وأعلن الموالون له، في وقت لاحق، أن نائب الرئيس أصبح زعيماً لحركة اللجان.

ويقول المطلبي: «إن جميع الأبواب مغلقة في وجه لجان التعبئة الشعبية، باستثناء باب المالكي»، ويضيف المطلبي «سألهم المالكي: ماذا تريدون؟ أنا الذي ألبّي ما تريدونه». وفي مقابلة له مع مجلة «الفورين بوليسي»، نفى المالكي أن يكون لديه أي منصب قيادي رسمي داخل لجان التعبئة الشعبية، لكنه اعترف قائلاً «علاقتي معهم جيدة». وهو ما يعكس سيادة هذه الميليشيات عندما كان هو في السلطة. حتى علاقات المالكي الفضفاضة مع الميليشيات الشيعية في العراق، والتي يقدّر عددها بأكثر من 100 ألف رجل، يمكنها أن تساعده على مستوى الأمن القومي، ما يتيح له لعب دور في الحرب ضد «داعش». ويمكنه استخدامها أيضاً لإجهاض جهود العبادي في تعزيز العلاقات مع الطوائف السنية والكردية.

القادة السياسيون داخل كتلة المالكي نفسه لا يريدون التحدث كثيراً عن المستقبل السياسي لنائب الرئيس. أما مسؤولو حزب الدعوة، الذين يتحدثون بأريحية عن أي موضوع آخر، غالباً ما يتحدثون باقتضاب عندما يأتي الحديث عن المالكي، وفي بعض الأحيان يقدمون إجابات إيحائية.

العضو البرلماني بحزب الدعوة، علي العلاق، يصف بحماسة المزاج الجديد في البرلمان العراقي، ويقول هذا المشرع إنه أفضل برلمان شهده العراق، وتعمل حكومة العبادي بجد واجتهاد، وتتواصل الكتل السياسية مع بعضها بعضاً، وهناك جو من التعاون في كل مكان. ويضيف «لكن بعض الأشخاص يعملون على تدمير هذه الروابط الجديدة»، ويضيف «دعني أعبر بطريقة أخرى: أولئك الذين اكتشفوا أن الوضع الجديد يعمل ضد مصالحهم الشخصية، إذ يشعرون وكأنهم فقدوا الرهان». هل هذه إشارة مبطنة للمالكي؟ وهل يمكن للعلاق تقديم مثال عن ماهية هؤلاء الناس؟ ويرد العلاق مبتسماً «لا حاجة إلى ذلك».

أتاحت الولايتان اللتان قضاهما المالكي في منصب رئاسة الوزراء فرصة لرفع رصيده من الأنصار في جميع أنحاء البلاد، لكنه كسب أيضاً العديد من الأعداء، فقد طرد ميليشيا رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، من مدينة البصرة بجنوب العراق في عام 2008، وفرّق بعنف معسكر احتجاج للعرب السنة في مدينة الرمادي، ضد الحكومة في 2013، واحتك مع الأكراد، العام الماضي، بسبب سيطرتهم على موارد النفط بالبلاد، متهماً إياهم في نهاية المطاف بالانتماء إلى «داعش». ولايزال جزء من كل هذه القطاعات السكانية يقف ضد المالكي، وحتى بين كبار شخصيات حزب الدعوة.

تويتر