«التنظيم» نجح في خداع المراهقات المسلمات لتبني أهدافه المتطرّفة

ظاهرة تجنيد «داعش» للفتيات الأوروبيات تثير فزع الغرب

صورة

مع انضمام المزيد من النساء الأوروبيات إلى تنظيم «داعش» في سورية والعراق، تشير التقديرات الأخيرة إلى أن نحو 550 امرأة غربية التحقت بالتنظيم، ما أدى إلى احتدام النقاش في الغرب حول الدوافع والعوامل التي تقف وراء هذه الظاهرة. منذ فترة طويلة ساد الاعتقاد بأن الصراع حول الهوية قد أقنع العديد من المراهقات المسلمات في الغرب بتبني أهداف المتطرفين ومن ثم المشاركة في تحقيقها. ويدعي المجندون لهؤلاء أنهم يسعون إلى تحرير الفتيات من القيود التقليدية التي فرضتها العائلة والمبادئ الليبرالية في الغرب، في آن واحد، من خلال منحها طريقاً ثالثاً، يتمثل في الانتماء إلى «قضية عالمية»، وإمكانية الانضمام إلى «قافلة الحرب» في أي مكان حول العالم.

قلق بريطاني من تجنيد النساء

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/274312.jpg

خديجة وشميمة وأميرة في مطار غاتويك خلال توجههن إلى إسطنبول. أ.ب

أطلقت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، قبل أيام، نداء غير مسبوق للعثور على ثلاث فتيات يعتقد أنهن توجهن إلى سورية للانضمام إلى المسلحين، في إطار ما قالت الشرطة إنه «توجه آخذ في الازدياد». وقال رئيس قيادة شرطة مكافحة الإرهاب، ريتشارد والتون إنه «قلق بشدة» حيال مصير الفتيات. وأكد أن «العديد من المجموعات في سورية تشجع الشباب والفتيات للانضمام إليها». وأضاف «بشكل عام فإن الفئات الأضعف هي التي يتم إغواؤها، لكن من الواضح أن هؤلاء الفتيات لم تكن من الفئات الضعيفة، حدث شيء ما أدى إلى اعتقادهن أن التوجه إلى سورية فكرة جيدة». وكانت خديجة سلطانة (17 عاماً)، وشميمة بيغوم (15 عاماً)، وأميرة عباسي (15 عاماً)، غادرن منازلهن في لندن الثلاثاء الماضي، وتوجهن إلى اسطنبول جواً. وتعتقد الشرطة أن الفتيات، وهن صديقات مقربات، يدرسن في أكاديمية «بيثنال» غرين في شرق لندن، فعلن مثلما فعلت إحدى صديقاتهن التي فرّت للانضمام إلى التنظيم الشهر الماضي.

وتقول السلطات الأمنية إن الفتيات الثلاث حصلن على الدعم في التخطيط للرحلة، لكنها لا تعرف مقدار ذلك الدعم، وما إذا كن حصلن على التمويل. وأظهرت دراسة أجريت الشهر الماضي أنه رغم منع الفتيات من المشاركة في القتال، إلا إنهن ناشطات في الدعاية الإعلامية لقضية «المسلحين» على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتولين التجنيد، ويشجعن حتى على شن هجمات في الخارج.

وخلال الفترة الماضية كان عناصر «داعش» والجهات التي تدعمهم بارعين في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي. وفضلاً عن بث أشرطة فيديو بجودة عالية الوضوح، على موقع «يوتيوب»، تبين فظاعة جرائمهم في ساحة المعركة، فقد أنشأ التنظيم وسائل أخرى، مثل مؤسسة «الزوراء» التي تستهدف على وجه التحديد الفتيات، في محاولة لجذبهن لـ«قضيته»، من خلال تقديم النصائح، ومشورة السفر، وحتى وصفات لوجبات خفيفة أثناء المعارك.

وجدت دراسة نشرت في الشهر الماضي من قبل معهد الحوار الاستراتيجي أن الفتيات المتحمسات أصبحن ضحية للعنف والرعب الذي يمارسه عناصر التنظيم. ومن خلال مشاركات على حسابات في مواقع اجتماعية لست أوروبيات سافرن إلى سورية والعراق، وصفت إحداهن القتل الوحشي لعامل الإغاثة الأميركي بيتر كاسيغ وعدد من الأسرى السوريين بالأمر «المذهل»، على الرغم من بشاعته، في حين عبرت امرأة أخرى على «تويتر» عن سعادتها لإعدام عدد من الرهائن، بعد مشاهدة شريط فيديو قطع عدد من الرؤوس، داعية إلى «المزيد من قطع الرؤوس من فضلكم!»، وفقاً لدراسة المعهد الحوار الاستراتيجي. في حين غردت إحداهن، يعتقد أنها «سالي جونز» من مقاطعة كينت في إنجلترا، وهي أم لطفلين، مادحة المتطرفين في الشرق الأوسط. وخلصت الدراسة إلى أنه «ليس هناك شك في أن (كثيراً من) النساء اللواتي يهاجرن إلى الأراضي التي يسيطر عليها داعش يشعرن بالمتعة في وحشية التنظيم»، مضيفة «تبدو أولئك من دون عواطف إزاء الطبيعة المروعة لأعمال العنف التي ترتكب».

وعلى الرغم من ترويج «داعش» لدور فعال للنساء في ساحات المعارك، يقول الخبير في مؤسسة كويليام، تشارلي وينتر «تخضع الفتيات لمراقبة شديدة منذ وصولهن إلى المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون». وساعد وينتر أخيراً في تحليل بيان التنظيم الذي يحدد بقدر كبير من التفصيل دور المرأة. ويعارض «بيان داعش» المفاهيم الغربية لتحرير المرأة، بشدة، فضلاً عن انتقاده محال الأزياء وصالونات التجميل.

وجاء في بيان التنظيم، أن «من الأفضل للمرأة أن تظل متسترة ومنتقبة، لتحافظ على المجتمع من وراء هذا النقاب»، مطالباً بتزويج الفتيات منذ سن مبكرة و«عدم الانقياد وراء الوظيفة». ومن الواضح أنه لن يسمح للنساء بحمل السلاح، إلا إذا كان بقاء التنظيم بات مهدداً، ويتطلب الاستعانة بهن. ويقول وينتر إن البيان قد يمثل صدمة للكثير من النساء في الغرب، إلا أن شريحة من الفتيات تبدو مختلفة تماماً، فأولئك لا يعتبرن ما يقوم به عناصر التنظيم من فظاعات شيئاً غير إنساني. وتتوقع المجندات الأوروبيات أن يجدن أزواجاً في سورية أو العراق وحياة مختلفة، على الرغم من صعوبتها، ويفكرن في إنجاب أطفال أيضاً على أرض المعركة. وبالنسبة للفتيات فهذه هي مشاركة المرأة في مشروع «داعش»، وفقاً لوينتر الذي يضيف أنه «من السخف أن يستهدف التنظيم الأطفال والمراهقين، إلا أن داعش بحاجة للحفاظ على الزخم من خلال استمرار تدفق المقاتلين».

وعلى الرغم من أن عدد الفتيات الملتحقات بصفوف التنظيم لايزال ضئيلاً مقارنة بعدد الرجال، لكنه في ازدياد مستمر. وفي هذا السياق تقول الباحثة في شؤون الإرهاب في كلية كينج في لندن، كاثرن براون، إنه توجد أسباب عدة تدفع النساء للانضمام، منها أن «التنظيم يمثل كياناً مثالياً بالنسبة إليهن، كما أن قياداته يعرضون أسلوب حكمهم بطريقة جذابة». وتعود الأسباب أيضاً، حسب براون، إلى أن أوضاع المسلمين في أوروبا عموماً، والجدل المستمر حول الإسلام، أدى إلى شعور كثير من المسلمين بالتهميش. وتعتقد الخبيرة أن كثيراً من النساء والرجال يسافرون بهدف المغامرة، وتشبه ما يحدث بأيام الحرب الأهلية في إسبانيا قبل أكثر من سبعة عقود. والتحقت بعض الأوروبيات بهدف المشاركة في بناء ما يسمينه «الخلافة»، وفقاً لبراون، وهن يردن أن يصبحن شريكات في هذا المشروع الجديد، «بكونهن أمهات وزوجات»، لكن أسلوب المتطرفين، الذي يثير حماس الفتيات، يترك مساحة ضئيلة للنساء من حيث حرية التصرف، ويُبقي لهن مهمتين فقط تتمثلان في الزواج بمقاتل، وإنجاب الأطفال، ومع ذلك شاركت بعض النساء في أعمال قتالية. وتروي براون عن طبيبة ماليزية كتبت في مدونتها «لدي سماعتي (الطبية) وسلاح الكلاشنكوف، لا يحتاج الإنسان إلى أكثر من ذلك». كما نشرت على مواقع تواصل اجتماعية صورة تستعرض فيها سيدة فرنسية مرتدية حزاماً ناسفاً، وتعلن فيها أنها ستقوم بتفجير نفسها. وعن وظائف النساء داخل المعسكرات التابعة لتنظيم «داعش»، يقول المشرع الألماني بوركهارد فراير، إن النساء لا يشاركن في العمليات المسلحة «بل يوظفن للحراسة ولتقديم الدعم للرجال»، مضيفاً أن كثيراً منهن «يشعرن بعد الوصول بالتضييق عليهن، لكن حينها يكون الأوان قد فات». وتقول فتاتان أوروبيتان انضمتا إلى التنظيم أخيراً، لأصدقائهما، إنهما لا تستطيعان تحمل إراقة الدماء، بعد أن مكثتا مع التنظيم أشهراً وتزوجتا بمقاتلين. ويرى كل من براون وفراير أن تطرف النساء يعود لأسباب سياسية وليست دينية. ومن الواضح أن معظم المجندات لا يتعمقن في دراسة الدين.

شايف مالك محلل وصحافي بريطاني 

تويتر