الأخطاء في سوء تقدير قوة «داعش» عززت النمو السريع جداً للتنظيم

الغرب يخطئ مرة أخرى في الحرب ضد الإرهاب

صورة

سيظل تنظيم «داعش» مركز الأزمات المتصاعدة في الشرق الأوسط هذا العام تماماً كما كان في العام السابق 2014. ولاتزال المناطق التي استولى عليها «داعش» بسرعة الصيف الماضي تحت سيطرته تقريباً، على الرغم من أنه فقد بعض البلدات للميليشيات الكردية والشيعية في الأسابيع الأخيرة.

دعم إيراني ـــ روسي واسع للنظام السوري

يتمثل الداعمان الأساسيان للنظام السوري في روسيا وإيران، وكل منهما يعاني انهيار سعر النفط، الأمر الذي يجعلهما أكثر انفتاحاً إلى حل تقاسم السلطة في سورية، ولكن من غير الواضح تماماً من أن الغرب والدول العربية قدموا لهما أي عرض. وربما يعتبر ذلك خطأ لأنه في نهاية المطاف فإن المواجهة الكبيرة بين السنة والشيعة عبر العالم الإسلامي لن تقررها في ما بعد مشكلات الميزانية الروسية والإيرانية، إذ إن الميليشيات الشيعية التي تم سحبها من سورية لقتال تنظيم «داعش» في العراق يمكن أن تعود دائماً لا بل وتقويتها أيضاً.

ويشعر الإيرانيون حقاً بأنه لا يمكنهم خسارة هذه الحرب، مهما كانت تأثيرات العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة. ويبدو توازن القوى بين الحكومة و«داعش» في العراق مقبولاً في الوقت الجاري، ولكن ليس في سورية حيث تبلغ نسبة السنة 60% من السكان بخلاف العراق. والمهم في سورية أن «داعش» أصبح أكثر قوة نتيجة أن الغرب وتركيا وبعض الدول العربية، تريد سقوط النظام السوري، العدو الأساسي لـ «داعش»، إضافة إلى الإطاحة بالتنظيم نفسه.

ويبقى الكره المتبادل بين أعدائه هو الورقة الأكثر أهمية بيد «داعش».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/02/260757.jpg

المعارضة السورية لم تتلقَ الدعم الكافي مقابل دعم كبير روسي ـــ إيراني للنظام.  رويترز

وربما تكون الضربات الجوية التي تقوم بها الولايات المتحدة في العراق منذ الثامن من أغسطس وسورية منذ 23 سبتمبر، قد أبطأت زحف «داعش»، ونجم عنها الكثير من الإصابات في صفوف مقاتليه في بلدة عين العرب (كوباني) السورية الكردية. ولكن لدى «داعش» آليته الخاصة التي يقوم من خلالها بتجنيد آلاف المقاتلين ليحلوا مكان القتلى والمصابين، الأمر الذي يمكّن التنظيم من القتال على العديد من الجبهات من جلولاء على الحدود العراقية مع إيران إلى ضواحي حلب في سورية.

وفي غرب سورية، تنمو قوة «داعش» في الوقت الذي يفقد فيه النظام السوري قدرته على قتال المعارضة المفتتة، التي تتوحد الآن تحت قيادة «داعش» وتنظيم «جبهة النصرة» ذراع القاعدة في سورية.

وقبل عام تقريباً قلل الرئيس الأميركي باراك أوباما من أهمية «داعش»، وقارنه بفريق كرة سلة للمبتدئين في الجامعة. ولدى حديثه في يناير الماضي عن التنظيم قال أوباما «التشبيه الذي نستخدمه أحياناً، وأظن أنه صحيح مفاده: في حالة قيام فريق من المبتدئين في كرة السلة بارتداء لباس فريق محترف فهذا لا يعني أنهم أصبحوا هم أنفسهم محترفين أيضاً». ولكن اعترف أوباما بخطأ تقييمه في الصحف بعد عام. ولكن ذلك كان وجهة نظر مستشاريه في الأمن القومي.

وكانت محاولة فهم قوة «داعش» هي الخطأ الكبير الثالث الذي ارتكبته الولايات المتحدة والحلفاء الغربيون منذ عام 2011، هذه الأخطاء التي عززت النمو السريع جداً للتنظيم. وفي الفترة بين 2011، و2013 كان الجميع مقتنعين بأن الرئيس السوري بشار الأسد سينهار بالطريقة ذاتها التي وقع بها (الرئيس الليبي الراحل) معمر القذافي.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل الحكومة العراقية، لم تقتنع واشنطن بأن الحرب الدائرة في سورية ستؤدي إلى خلخلة توازن القوى في العراق، وتؤدي إلى استئناف الحرب الأهلية هناك. إلا أن إدارة أوباما كانت تعتبر رئيس الحكومة العراقي السابق نوري المالكي مسؤولاً عن كل الكوارث التي يعانيها العراق. وإن كان هذا الرجل هو سبب الكثير من الكوارث التي حلت بالعراق إلا أنه ليس السبب الأساسي الذي أدى إلى عودة العراق إلى الحرب.

ولكن إلى أي مدى تغير الوضعين العسكري والسياسي اليوم؟ فتنظيم «داعش» لديه العديد من الأعداء، ولكنهم يظلوا جميعاً منقسمين. وتتجه الاستراتيجيات العسكرية والسياسية الأميركية في مختلف الاتجاهات. والضربات الجوية الأميركية تكون حاسمة عندما تحدث بالتعاون الوثيق مع قوات المشاة. ويحدث هذا في عين العرب منذ منتصف أكتوبر عندما قرر البيت الأبيض في اللحظة الأخيرة أنه لن يسمح لـ«داعش» أن يسبب له المهانة عن طريق تحقيق المزيد من الانتصارات.

وتحوّل المقاتلون السوريون الأكراد الذين يحاربون التنظيم من كونهم «إرهابيين» إلى حلفاء يتعرضون للخطر. وكما كانت الحال في افغانستان عام 2001، وفي شمال العراق في عام 2003، يعتبر وجود المقاتلين المدربين القادرين على توجيه هجمات الطائرات فوقهم مسألة ضرورية لتكون الضربات الجوية فعالة.

وعندما بدأ التحالف قصف «داعش» في سورية، شعرت حكومة دمشق بأن ذلك يعتبر لمصلحتها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والمعارضة السورية ومن يدعمها من الدول العربية، حاولوا حل القضية السورية عسكرياً، في الفترة ما بين 2011 و2013، إلا أن الحكومة السورية فعلت الأمر ذاته العام الماضي عندما حاولت حل الموضوع السوري بالقوة العسكرية فقط. ولم تعمد إلى توسيع قاعدتها السياسية في الداخل عن طريق تقديم عرض تقاسم السلطة، وإنما استندت إلى داعميها لمواصلة القتال لأنها اعتقدت أنه يمكنها النصر. ولكن هؤلاء الداعمين يشعرون بالتعب جراء هذه الحرب، إذ إنهم لا يرون نهاية لها.

ولطالما كانت الحكومة تفتقر دائماً للجنود، حيث أخذ يتزايد ضعف النظام في الوقت الذي يطلب مزيداً من الاحتياط ويدفع بالعديد من المجندين في ميليشيات «قوات الدفاع الوطني» إلى الجيش النظامي. وحققت القوات الحكومية بعض المكتسبات حول مدينتي حلب ودمشق، ولكنها لاتزال تفقد مزيداً من الأرض في جنوب العاصمة ومحافظة إدلب.

وكان النظام يحقق المكتسبات السياسية في الداخل والخارج بالنظر إلى أن قوات المعارضة السورية يسيطر عليها «إرهابيون» يثيرون رعب الغرب. ولكن سيطرة «داعش» و«جبهة النصرة» تعني بأن الجيش السوري يفقد ميزة كونه القوة الوحيدة التي تواجه عدواً مفككاً مؤلفاً من 1200 فريق مسلح. ومما يؤكد ضعف القوات الحكومية هو فشلها في شن هجوم لاستعادة أجزاء من حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة.

وحقق «داعش» انتصارات كبيرة في العراق خلال العام الماضي عن طريق الاستفادة من غضب العراقيين السنة. وأدى ذلك إلى ربط مصير السنة بـ«داعش». وعلى الرغم من أن السنة نادمون على ما فعلوا إلا أنه ليس لهم خيار آخر، وأصبحت الحرب عبارة عن حمام دم طائفي. وبينما قام الجيش العراقي والميليشيات الشيعية أو البشمركة الكردية بطرد مقاتلي «داعش» من القرى السنية التي لم يفر منها المدنيون بعد، فإن أي سني متبقٍ تم طرده أو قتله أو احتجازه. فهل يستطيع «داعش» شن هجوم مفاجئ آخر كما حدث في يونيو الماضي؟ سيكون ذلك صعباً خارج المناطق ذات الأغلبية السنية، وإن كان قادراً على إثارة انتفاضة في الجيوب السنية داخل بغداد، الأمر الذي ربما سينطوي على كارثة حقيقية للسنة الباقين في بغداد، فقد تم طردهم من مناطق مختلطة للسنة والشيعة في الفترة ما بين 2006 و2007، ويقتصر وجودهم على الأغلب في المناطق التي أطلق عليها الدبلوماسيون الأميركيون في حينه «جزر الرعب» في غرب بغداد. ويمكن أن يشكل «داعش» أذى كثيراً في العاصمة، ولكن سيكون على حساب من تبقى من السنة إذ سيقوم الشيعة بطردهم.

تويتر