واشنطن تتورّط في حرب برية لمواجهة «التنظيم»

المستشارون الأميركيون سيقاتلـــون على الجبهة في العراق ضد «داعـــش»

صورة

ينتشر أكثر من 300 جندي أميركي في قاعدة عسكرية في محافظة الأنبار، غرب العراق، في خضم معركة ضارية بين القوات العراقية المدعومة من مقاتلين قبليين، وبين ميلشيات تنظيم «داعش» المدججة بالسلاح. وفي الأسابيع الأخيرة درجت هذه المليشيات على ضرب القاعدة العسكرية مراراً وتكراراً بالمدفعية الثقيلة والصواريخ، ونفذت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، منذ منتصف ديسمبر13، ضربة جوية ضد مواقع «داعش».

واشنطن وبغداد تستعدان لعملية هجومية في الربيع ضد «داعش»

يؤكد البيت الأبيض حتى الآن أن القوات التي يرسلها إلى العراق ليست قوات قتالية من الناحية الفنية، ولكن هذا المنحى قد يتغير عندما تشعر هذه القوات الأميركية بوطيس العمليات الحربية، وقد يكون هذا اليوم قريباً جداً من القوات الأميركية، المتمركزة في محافظة الأنبار غير المستقرة. ويتجه المخططون العسكريون، الأميركيون والعراقيون، لشن عملية هجومية في الربيع ضد «داعش»، حيث تستهدف هذه العملية المراكز السكانية الرئيسة التي يسيطر عليها «داعش» كليا «أو جزئياً»، مثل الموصل، والفلوجة، والرمادي، ويستلزم ذلك عمليات قتال تطهيرية من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية تتشكك في قدرة القوات العراقية على شن عملية لاستعادة مدينة الموصل، وتعتقد أنها يلزمها عام على الأقل من التدريب لكي تستطيع ذلك.

وعلى الرغم من أن القوات الأميركية لم تعانِ أي إصابات خلال هذه الأحداث، إلا أن العنف يزيد من احتمال تعرض الأميركيين العاملين في القاعدة للمخاطر خلال تجوالهم في جميع أنحاء العراق، كجزء من مهمة الولايات المتحدة توسيع أنشطتها ضد «داعش»، مع تعهد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بأن المهام «لن تنطوي على انتشار قوات أميركية قتالية على أرض أجنبية».

وفي إشارة إلى المخاطر التي قد يتعرض لها المستشارون العسكريون الأميركيون، يؤكد مسؤولون عسكريون أن الجنود الأميركيين يتم نقلهم تحت جنح الظلام بطائرات مروحية إلى قاعدة «عين الأسد» للإبقاء على سرية العمليات الجوية الأميركية المتجددة ضد «داعش» من ناحية، ولحمايتهم من القتال الشرس الذي تدور رحاه غرب العاصمة بغداد من ناحية أخرى.

وبموجب خطة أوباما، لمساعدة الحكومة العراقية في العمليات العسكرية التدريبية، فمن المتوقع أن يزداد عدد القوات الأميركية في العراق من 2000 إلى نحو 3000 جندي. ولا يتم نشر هذه القوات في بغداد وشمال مدينة أربيل فقط، وإنما يتم نشرها أيضاً في الأنبار ومواقع التدريب الملاصقة للعاصمة، لاسيما في الأسابيع الأخيرة.

وهؤلاء الجنود الأميركيون عبارة عن قوة صغيرة مقارنة بالعدد الكبير من القوات الأميركية التي وصلت إلى أكثر من 160 ألف جندي في العراق في ذروة الحرب بين 2003 و2011. لكن المسؤولين العسكريين الأميركيين يدركون أن العراق لايزال يمثل «منطقة خطرة لما يجاوره من بلدان»، كما يقول المتحدث باسم القيادة الوسطى الأميركية، العقيد باتريك رايدر، ويضيف «إننا ندرك هذه المخاطر، ونحن نتخذ التدابير المناسبة للتخفيف منها».

وبينما يقترح قادة عسكريون أميركيون توسيع الأنشطة البرية العسكرية الأميركية، فإن أنشطة هذه القوات تقتصر فقط على تقديم المشورة للقادة المحليين، وإعادة تدريب عناصر من الجيش العراقي. وينحصر نشاط العسكريين الأميركيين في مقر القيادات العسكرية أو قواعد التدريب العسكري في أربعة مواقع في البلاد. وتشمل تلك المواقع «عين الأسد» في الأنبار، تلك المحافظة السنية المتقلبة إلى حد كبير بوجه خاص، التي وفرت موطئ قدم لميلشيا «داعش» في العراق. وتسيطر هذه الميلشيا الآن على معظم هذه المحافظة، بما في ذلك مدينة الفلوجة ومدينة هيت. وإذا سقطت الأنبار، فستصبح بغداد في خطر أكبر، لأن المتشددين يستطيعون بكل سهولة جلب مزيد من التعزيزات والأسلحة من سورية المجاورة لغزو العاصمة والسيطرة عليها. وقد سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها لمواجهة هذا التهديد من خلال الضربات الجوية، والهجوم على مواقع المتشددين في الآونة الأخيرة حول «عين الأسد» وأجزاء أخرى من الأنبار. يقول المتحدث باسم مجلس محافظة الأنبار، سليمان الكبيسي، إن القوات العراقية تقاتل لاستعادة المناطق المحيطة بالبغدادي، وهي بلدة تقع على بُعد نحو 10 أميال من «عين الأسد». ويقول إنه في غضون ذلك تستخدم «داعش» تلك المناطق لإطلاق نيران المدفعية والصواريخ على القاعدة، حيث يتمركز الأميركيون. ويقول أحد شيوخ قبيلة البونمر في الأنبار، وهو الشيخ نعيم القعود، إن ميلشيات «داعش» أصبحت قريبة بشكل يسبب خطراً على القاعدة وعلى العراقيين الذين يعيشون على مقربة منها. ودعا إلى ضربات جوية إضافية وعمليات أميركية للدفاع عن الأنبار. ويضيف «هناك بالتأكيد المزيد من النشاط القتالي في هذه المنطقة أكثر مما كان عليه من قبل»، ويمضي قائلاً «إذا وجد المتشددون الفرصة فإنهم سيهاجمون عين الأسد».

إلا أن المحللة في معهد دراسة الحرب بواشنطن، جيسيكا لويس ماك فيت، تعتقد أن «داعش» يركز جهوده للحيلولة دون استخدام القوات العراقية القاعدة لمنعه من الاستيلاء على أجزاء أخرى أكثر استراتيجية في محافظة الأنبار.

وتقع «عين الأسد» بين المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش»، وينبغي أن يسيطر «داعش» على تلك المناطق إذا كان يريد الاستيلاء على المحافظة. ولاتزال قوات «داعش» تقاتل من أجل السيطرة على الرمادي، وهي مدينة مهمة أخرى. وتدافع القوات العراقية حتى الآن عن مناطق ومواقع استراتيجية أخرى مثل «سد حديثة». وتقول ماك فيت «لا يتمثل هدف داعش بالضرورة في اكتساح تلك القاعدة، وإنما في محاولة شل القوات في تلك المعركة». ويقول مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن هجمات «داعش» بالمدفعية والصواريخ على «عين الأسد» كانت «متقطعة جداً وغير فعالة»، ويتحدث المسؤولون الأميركيون والعراقيون عن أن العديد من القذائف سقطت خارج القاعدة. ويحاول مقاتلو «داعش» أيضاً السيطرة على المنطقة حول التاجي، وهي منطقة تقع إلى الشمال من بغداد، حيث تتمركز مجموعة أخرى من المستشارين الأميركيين العسكريين. الهجمات بالمدفعية والصواريخ أمر معتاد في العراق. وكانت تشكل حدثاً يومياً خلال فترة الحرب بين 2003 و2011، حيث كان المسلحون كثيراً ما يستهدفون السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد والقواعد العسكرية في جميع أنحاء البلاد. وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، يتوقع أن تطلق «داعش» هجمات على بغداد في الخريف. ويقول المسؤولون الأمنيون إنه من أجل الحد من المخاطر، يجري تعزيز الأمن في مواقع التدريب الأخرى حيث تتمركز القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها. وستتوافر القوات العراقية الأمن في مواقع التدريب التي تضم مرافق شمال وجنوب العاصمة. وكان جزء كبير من الجيش العراقي قد انهار، في يونيو العام الماضي، عندما تخلى الجنود عن مواقعهم خلال تقدم «داعش»، وفرّت بعض القوات العراقية إلى قاعدة الأنبار في الخريف عندما هاجم «داعش» تلك المواقع.

تويتر