الأحزاب الأوروبية المتطرّفة تستغل حادث باريس لكسب مزيد من الشعبية

فرنسا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دمـــج‭ ‬المهــــــمشين‭ ‬وليست‭ ‬قوانين‭ ‬جديدة

صورة

كان الهجوم على مجلة «شارلي إبدو» الساخرة في باريس فرصة للفرنسيين كي يتوحدوا ضد الإرهاب، ويدعموا حرية التعبير، كما كان التنديد واسعاً في أرجاء مختلفة من العالم، لكن الأحداث الدامية أعطت في الوقت نفسه دعماً للحركات الشعبية الصاعدة بقوة في أوروبا، بشكل قد يصعّب مهمة القادة في خفض التوتر الذي يجتاح بلدانهم، والذي اشتد بالهجوم على «شارلي إبدو» المثيرة للجدل. وفي حين يطالب زعماء القارة بالتحرك بشكل شامل ضد «كراهية الإسلام» أو ما يسمى «الإسلامفوبيا»، يزداد الدعم الشعبي للأحزاب اليمينية المتطرفة، الأمر الذي قد يقلب الموازين لمصلحة الأخيرة على حساب أحزاب القادة الفعليين.

ويرى المتخصص في مراقبة المجموعات المتشددة، رالف ميلزر، الذي يعمل لمصلحة مؤسسة «فريدرك إيبرت» في برلين، أن «ما حدث كان مأسوياً، وسيكون له تأثير مباشر وغير مباشر، ليس في فرنسا فحسب، بل في العالم كله»، موضحاً «سيكون دليلاً جديداً تستخدمه الأحزاب الشعبية». ويقول الخبير الألماني «التحدي يكمن في فصل هذه الظاهرة (التشدد) ومحاربتها بكل الوسائل الممكنة التي بحوزة أي مجتمع حر وديمقراطي، وفي الوقت نفسه تفادي خلط ذلك مع الطائفة المسلمة».

صعود اليمين المتطرف

تقول صحف بريطانية إن اليمين المتطرف يستخدم الهجمات لإشعال فتيل الروح المناهضة للإسلام. ففي ألمانيا استبق زعماء الطائفة الإسلامية باتخاذ خطوات الآثار السلبية التي قد تترتب عن الهجوم على المجلة الفرنسية. وقد استغلت منظمات يمينية متطرفة، مثل منظمة «البديل من أجل ألمانيا»، وكذلك تجمعات «حليقي الرؤوس»، ما حدث من أجل لفت انتباه الشعب الألماني إلى أنهم كانوا محقين في تحذيرهم من الخطر المستفحل للإسلام والمهاجرين المسلمين. وظهرت المنظمة خلال الأزمة الاقتصادية، وحصلت على ثقة 25% من الناخبين، وفقاً لاستطلاعات الرأي.

 http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/01/254518.jpg

حركة «البديل من أجل ألمانيا». أرشيفية

تواجه أوروبا تحديات التطرف، وتجتاحها نظرة سلبية للأجانب عموماً، وفقاً لأستاذ السياسة الأوروبية والشؤون الخارجية في الكلية الملكية في لندن، أناند مينون، ولو اختلفت القضايا المتعلقة بالأجانب من بلد إلى آخر. ولدى فرنسا وبريطانيا أعداد كبيرة من المهاجرين المهمشين، وكثير منهم مسلمون، وكذلك أكبر عدد من الشبان الذين ذهبوا للقتال في الشرق الأوسط، في حين تتصارع ألمانيا مع حركة جديدة مناهضة لما يسمى «الأسلمة»، وتعرف باسمها المختصر «بيغيدا»، ويعود ذلك جزئياً إلى ارتفاع عدد طالبي اللجوء من سورية التي مزقتها الحرب، وهؤلاء اللاجئون تسببوا أيضاً في حدوث توترات في إيطاليا واليونان، حيث يبدأون مشوارهم من أجل الوصول إلى أوروبا.

صحيح تتذرع الأحزاب اليمينية الشعبية، وعلى رأسها الجبهة الوطنية المتطرفة (في فرنسا)، بالهجوم على المجلة، واحتجاز الرهائن الذي وقع أخيراً، لتبرير أن الأحزاب الموجودة في الحكم حالياً لا تمتلك الصرامة الكافية تجاه المتشددين. ويقول زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة، نايجل فارج «هناك أشخاص يعيشون بيننا، ويحملون جوازات سفرنا نفسها، ومع ذلك فإنهم يكرهوننا»، موضحاً «لحسن الحظ عددهم قليل جداً، إلا أن هناك سؤالاً يطرح نفسه، ويتعلق بمحاولة تقسيم مجتمعنا خلال العقود القليلة الماضية باسم تعدد الثقافات». من جهتها، صرحت زعيمة الجبهة الوطنية، الفرنسية مارين لوبان «من الآن، فرنسا في حرب ضد التطرف والمتشددين، لأن هؤلاء المتطرفين هم في حرب ضد فرنسا». وفي ألمانيا تقول حركة «بيغيدا» المتطرفة، إن الهجوم على «شارلي إبدو» يثبت أن لديهم صدقية، ويمكن الاعتماد عليهم في مواجهة التهديدات الإرهابية. وفي ذلك يقول الزعيم الجهوي لحزب «البديل من أجل ألمانيا»، ألكسندر غولاند، «هذا الحمام من الدم يثبت خطأ الذين تجاهلوا أو سخروا من أن هناك خطراً للمتشددين يلوح في الأفق».

يقول الأستاذ والباحث الهولندي، كريس ألبيرتس، إن هذه الأحزاب الشعبية «تضرب على وتر العداء المتنامي للمهاجرين، الذي ظل تحت السطح في عدد من البلدان الأوروبية»، وقد صرح السياسي الهولندي المتطرف، خيرت فيلدرز، بأن أوروبا تواجه «حرباً»، بسبب التهديدات التي يمثلها المتشددون. وبهذا التذكير المستمر الذي تقوم به الأحزاب اليمينية، إضافة إلى تنامي شعبيتها في السنوات الأخيرة، فإن قدرة الزعماء الأوروبيين على نزع فتيل التوتر قد يتم تقويضها إلى حد كبير. ويقول مينون إنه في عام 2005 في بريطانيا، بعد تفجيرات حافلة في وسط لندن، أدلى رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، بخطاب يحث فيه البريطانيين على عدم استخدام الهجوم الإرهابي ذريعة للمشاعر المعادية للمسلمين، لكن الأحزاب الشعبية الصاعدة حديثاً في جميع أنحاء أوروبا قد تجعل «تصريحات العقلاء»، مثل بلير، لا يمكن الدفاع عنها سياسياً من قبل الحكومات، وبالتالي إسكات هذا النوع من الرسائل المطلوبة لمنع ظهور المزيد من الكراهية ضد المسلمين.

يعتقد المتخصص في شؤون الجماعات المتشددة في جامعة تولوز الثانية، الأستاذ ماتيو غيدار، أن الغرب يواجه «تسونامي» إرهابياً، بسبب عوامل متعددة، بما في ذلك المسائل الجيوسياسية، والوضع في إفريقيا والعراق وسورية، فضلاً عن المسائل الداخلية. ويوضح الخبير الفرنسي «لدينا في فرنسا جدل وشجار بين اليمين واليسار حول الهجرة والاندماج، وهذا ينتج عنه خليط هائل وخطر من الأفكار والمواقف، ما يجعل تطبيق أي سياسة صعباً للغاية». وتسعى الأحزاب الجماهيرية لوضع جدول أعمال وطني في العديد من البلدان، بما في ذلك دفع الحكومات الأوروبية لاتخاذ تدابير أكثر صرامة من الوطنية في ما يتعلق بالإرهاب.

يرى غيدار أن الحل يكمن في دمج المهمشين من المهاجرين، وليس إصدار تشريعات جديدة، لافتاً إلى أن فرنسا سنت 14 قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، دون أن يكون لها تأثير فعلي، وفقاً للخبير في المجموعات المتشددة. ويوضح غيدار «الجواب لا يمكن أن يكون في سن قوانين جديدة بعد الآن، إنها لم تعد مسألة تشريعية، بل مسألة دمج اجتماعي: التعليم، والإنترنت، والتوعية»، مستدركاً «لا يمكننا ببساطة أن نقول إننا نحارب الإرهاب، إذ يتعين علينا النظر أبعد في ما يتعلق بهذه المسألة».

حذر مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأمير زيد رعد الحسين، من استغلال الهجمات الأخيرة على باريس، قائلاً «مع تزايد مشاعر الكراهية تجاه الأجانب، ومعاداة المهاجرين في أوروبا، فأنا قلق جداً من أن هذا الفعل المروع والمخطط له، سيتم استغلاله». ويقول فرنسيون مسلمون في باريس إنهم يشعرون بالفعل برد فعل عنيف، ففي شمال شرق المدينة، الذي يعتبر موطناً لكثير من المهاجرين، تقول (فايزة)، التي ولدت في الجزائر، واشترطت عدم ذكر اسمها بالكامل، إنها تخشى أن يجلب الهجوم على «شارلي إبدو» موجة من الكراهية للإسلام «آمل ألا يقع الناس في الإسلامفوبيا، وأعتقد أن الأمور تتدهور، وهذا مؤسف، فالناس يفقدون الأمل، وهذا يضع حياتنا في خطر». وتقول المواطنة الفرنسية إنه لا علاقة للهجوم بدينها، إلا أنه لا شيء بوسعها لتفعله، بعد أن أصبح المسلمون في دائرة الضوء. وتقول فايزة «أنا أرتدي الحجاب، ولا أشعر بالارتياح الآن»، مضيفة «في المترو، هذا الصباح، شعرت بأن الناس كانوا ينظرون إليّ أكثر من أي وقت مضى، ربما كان ذلك من صنع مخيلتي، لكن شعرت بعدم الارتياح، وبأن سمعتي تشوهت قليلاً».

تويتر