تتمسك واشنطن بقوة بالاستمرار في المفاوضات المباشرة لأنها لا تجد بديلاً يبقي على مركزية دورها كوسيط

دبلوماسية ما بعد أوسلو بشـــأن فلسطين بلغت نهايتها بالمــوت

صورة

تستعد السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس لطرح مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي، يتضمن لأول مرة مواعيد وجدولاً زمنياً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية في موعد لا يتجاوز مطلع 2017.

تفكير جديد

أظن أننا جميعاً نحتاج إلى تفكير جديد يساعد على تحقيق التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإقناع الطرفين بصيغة ما، إما حل الدولتين أو الدولة الواحدة، أو غير ذلك من الاحتمالات، بما يضمن الحقوق الأساسية للجميع وإعادتها لمن سُلبت منهم، وهو ما سترفضه إسرائيل وتقاومه قدر استطاعتها، متحدية القانون الدولي ومستندة إلى تفوقها العسكري الذي يضمن لها عدم تقديم أي شيء في ما يتعلق بالقضايا الأساسية المهمة، كالحدود واللاجئين، والقدس والمستوطنات، والموارد المائية.

القانون الدولي

ابتعاد المفاوضات عن مرجعية القانون الدولي وحرمان الجانب الفلسطيني من حقه في الاعتراض سرّعا في انهيارها.

ومما أسهم في تسريع انهيار المفاوضات وتوقفها قبول الجانب الفلسطيني بمواصلتها من غير ممارسته لحقه في الاعتراض على السياسات والممارسات الإسرائيلية، ولاسيما الاستيطان والرجوع إلى القانون الدولي.

ويرى كثيرون ان مشروع القرار يأتي تتويجاً لنهاية الطريق التفاوضي، الذي سلكته دبلوماسية ما بعد اتفاقات أوسلو، والتي انتهت في اعتقاد هؤلاء إلى الموت، نهايتها المحتومة بلا أي نتيجة غير تعمد إضاعة الوقت، وإهدار الفرص من جانب إسرائيل. ومنذ البداية سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – وكما هو متوقع – إلى رفضه وإدانته بشدة، قائلاً ان تنفيذه سيجلب الإرهاب الى ضواحي تل أبيب «وإنه لن يسمح بهذا أن يحدث بأي حال من الاحوال». وجرياً على عادتها تسلك الولايات المتحدة في مثل هذه الحالات طريقاً معوجاً من المناورة والتضليل في البداية، قبل أن تعلن تهديدها باستخدام «الفيتو» ضد أي مشروع قرار ترفضه إسرائيل، فهي في بداية الأمر طلبت من السلطة تأجيل التقدم بالمشروع إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة العام المقبل 2015، لكنها اصطدمت بالتصميم الفلسطيني، ما دفعها الى طلب إدخال تعديلات كبيرة قد تقوض جوهر المشروع.

ومع الموت الواضح لدبلوماسية ما بعد أوسلو المتمثلة في المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانتهائها بالفشل رغم كل المحاولات الأميركية لإنقاذها، أبدت فرنسا باسم أغلبية دول الاتحاد الأوروبي، رغبتها في مشروع قرار يتضمن مواعيد محددة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، والتوصل إلى اتفاق نهائي للسلام بين الطرفين، ينتهي بإقامة دولة فلسطينية مترابطة وقابلة للحياة.

وتحاول دول الاتحاد الأوروبي ممارسة الضغط لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة، للتخلص من حالة القلق المتزايدة بسبب استمرار الوضع الراهن في ضوء الإصرار الإسرائيلي على مواصلة الاستيطان، وبناء المزيد من الوحدات السكنية في المستوطنات، ومصادرة مزيد من الأرض الفلسطينية، مع العلم أن العالم كله بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أقرب الحلفاء لإسرائيل يدرك إدراك اليقين أن الاستيطان بكل ألوانه واشكاله مخالف للقانون الدولي، وعقبة كأداء في طريق السلام. وأسهمت الاحداث الدموية والعنيفة في القدس ومناطق مختلفة من الضفة الغربية، وقبلها في قطاع غزة في الأشهر الاخيرة، في زيادة مشاعر العداء والكراهية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتأجيج التوتر وزيادة الحديث عن انتفاضة فلسطينية ثالثة، إضافة الى تشويه كبير في صورة اسرائيل، وعزلتها أمام العالم.

إنه ليس الوقت المناسب لذوي النوايا الحسنة والطيبة، والأمم المتحدة وحكومات الدول ذات العلاقة والمعنية، كي تدير ظهرها لمحاولات الاستمرار في عملية السلام، والتحدي يواجه الجميع في التفكير حيال كيفية ضمان تعايش الفلسطينيين والإسرائيليين في سلام، وحسن جوار ضمن مساحة فلسطين التاريخية، كما يبدو أننا بحاجة ملحة الى خطوة كبيرة لتحريك عملية السلام، بما يجعلها تتجاوز الفهم الأميركي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي هذا المعنى كتب جيفري غولدبيرغ في دورية «ذا أتلانتيك» في أكتوبر الماضي يقول: «وهنا تكمن المشكلة في العلاقات الأميركية الاسرائيلية في الجانب الرسمي».

ونقل غولدبيرغ عن مسؤول كبير في البيت الأبيض لم يسمه، وصفه لنتنياهو بأنه «مقرف وجبان»، لرفضه المستمر القيام بأي مخاطرة أو قرار جريء لمصلحة السلام، في حين تتمسك واشنطن بقوة بالاستمرار في المفاوضات المباشرة، التي انطلقت بعد اتفاقات أوسلو، لأنها لا تجد بديلاً آخر يبقي على مركزية الدور الاميركي كوسيط له تأثيره الكبير في النخب النافذه في حكومتي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وكان انهيار المفاوضات ومحاولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنقاذها في أبريل الماضي فشلاً واضحاً لإدارة اوباما، وتقويضاً لتصورها بأنه ليس هناك من سبيل للحل إلا من خلال دبلوماسية ما بعد أوسلو، وقد ترسخ هذا التصور في تفكير كل مسؤول أميركي بعد المصافحة التاريخية بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في البيت الأبيض. وخلال رئاسة جورج بوش الابن تم تشـكيل اللجنة الرباعية الخاصـــة بالشـرق الأوسـط، التي تضم بجانب أميركا كلاً من الامم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، «خارطة الطريق»، التي تسترشد بنهج دبلوماسية أوسلو، وتؤكد على التزام الجميع بصيغة حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، تعيش جنباً الى جنب في سلام مع إسرائيل.

ويشير واقع الأحداث إلى أن اللجنة الرباعية شهدت تهميشاً أضعفها بشكل كبير خلال العقد الأخير، بسبب التراجع التدريجي في اجتماعاتها، وتعمد واشنطن استبعادها من المشاركة في المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لمصلحة تعظيم دور المبعوث الأميركي الخاص للشرق الاوسط دينيس روس، ومن بعده مارتن أنديك. وبعد أكثر من 20 عاماً من التفاوض مازالت واشنطن تتمسك بموقفها المعلن، وهو أن طريق أوسلو وحده الكفيل بالوصول بالجميع الى حل.

وعلى الرغم من ان إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو الهدف النهائي المعلن للمفاوضات، فإن نتيناهو أبلغ حشوداً من الاسرائيليين أكثر من مرة بأنه بعد تجربة حكومته مع صواريخ حركة المقاومة الإسلامية «حماس» فإنه لن يقبل على الإطلاق، وبأي حال من الأحوال، بإقامة دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل. غير أن هذا الموقف لم يمنع 106 من المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيلين سابقاً، من توجيه رسالة إليه يحثونه فيها على قبول صيغة حل الدولتين.

أكاديمي أميركي والمفوض السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين.. والمقال منشور في «فورن بوليسي جورنال».

 

 

تويتر