هل أصبحت الوكالة مارقة بعد أحداث 11 سبتمبر

«سي آي أيه» اعتادت تحريـف المعلومات التي تقدمها إلى البيت الأبيض

صورة

في الرابع من نوفمبر عام 1977، وبعد أن تلقى مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الأسطوري ريتشارد هيلمز، عقوبة السجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ ودفع غرامة قدرها 2000 دولار، لأنه قدم شهادة زور وكذب حول الأعمال السرية التي قامت بها الولايات المتحدة في تشيلي، وذلك أمام لجنة العلاقات الخارجية، وحظي بترحيب حماسي كبير من رفاقه السابقين في الوكالة في نادٍ خاص بهم، حيث قام شخصان بجمع مبلغ من المال لهيلمز يعادل أو يزيد على الغرامة التي طلب منه دفعها. وكان «الأخوة» في هذه الوكالة يشعرون بالفخر من تصرف قائدهم، لأنه عمد إلى حماية الأسرار عن الأشخاص الذين ليس من المفروض أن يطلعوا عليها حتى لو كانوا من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس.

تحريف غادر

حسب معطيات وكالة المخابرات المركزية فإن برنامج التحقيق غير التقليدي كان ضرورياً لاستخلاص المعلومات من أبوزبيدة، التي بدورها أدت إلى اعتقال خالد شيخ محمد، ورمزي بن الشيبة، وهم أعضاء من المجموعة التي قامت بأحداث 11 سبتمبر. وفي الحقيقة فإن وكالة المخابرات قدمت القضية، كأنها لأنها فقط قامت بتعذيب أبوزبيدة عرفت أن خالد شيخ محمد كان مدبر أحداث 11 سبتبمر. ولكن التحريف الأكثر غدراً الذي قامت به وكالة المخابرات للبيت الأبيض كان يتمثل في أن فعالية التعذيب هي التي أدت إلى كشف المؤامرات التي كانت تحاك ضد الولايات المتحدة. وأما الذين كانوا يشعرون بوخز الضمير جراء التعذيب فقد كانوا يجدون السلوى في حقيقة أن ما يقومون به أدى إلى إنقاد العديد من الأرواح. وأما ما ذكرته المخابرات المركزية عن أنها أفشلت العديد من الهجمات على أماكن حيوية في الولايات المتحدة ومطار هيثرو، فقد كان ذلك كله محض افتراء.

وكانت الدولة عند نقطة انعطاف في علاقتها مع أجهزة استخباراتها، وكانت حالة الغطرسة التي بدت في ذلك النادي تشير إلى أن جهاز المخابرات المركزية خارج عن السيطرة، أو كما كان يُقال في حينه إنها أصبحت « فيلاً مارقاً» وأدت هذه المخاوف إلى تشكيل لجان إشراف دائمة على المخابرات في مجلس النواب والكونغرس.

وكان صدور تقرير يوم الثلاثاء (9 ديسمبر) الجاري، يتحدث عن برنامج وكالة المخابرات المركزية في تعاملها مع المعتقلين، قدم البرهان الأول خلال جيل تبدو فيه الحكومة الأميركية أنها فقدت السيطرة على المخابرات المركزية مرة ثانية، على الأقل في السنوات الأولى الحرجة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر.

وتظهر صفحات التقرير المتتالية كيف أن المخابرات المركزية ضللت الكونغرس والبيت الأبيض بقيادة الرئيس السابق جورج بوش الابن حول العناصر الأساسية لأكثر أنشطتها السرية إثارة للجدل، وبعبارة أخرى ما هي «تقنيات التحقيق المعززة» التي كانوا يستخدمونها، وعما إذا كان استخدام التعذيب يفضي إلى نتائج مثمرة.

وأمضى أعضاء لجنة المخابرات في الكونغرس أربع سنوات في كتابة هذا التقرير وقاموا بتحديثه لدحض رد المخابرات المركزية الذي قدمته إلى اللجنة عام 2013. وكان التقرير الذي صدر يوم الثلاثاء التاسع من ديسمبر الجاري هو مجرد إيجاز مؤلف من 488 صفحة فقط، في حين أن التقرير الفعلي يزيد على 6000 صفحة، وأنه لم يتم نشره على الملأ بعد.

وتم نشر بعض قصص برنامج التعذيب على الملأ منذ نحو عقد من الزمن، بفضل صحافيين أمثال جيمس رايسن وجين ماير. وثمة تفاصيل إضافية تم الكشف عنها في عام 2009 عندما عمدت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى الكشف عن تقرير كان المفتش العام لوكالة المخابرات المركزية قد وضعه قبل خمس سنوات من ذلك التاريخ. وكانت النقاط الرئيسة فيه كالتالي: اعتقال أبوزبيدة في مارس 2002، وهو رجل تبحث عنه حكومة الولايات المتحدة منذ نهاية عام 1999، كشف أن إدارة بوش الابن كانت غير مستعدة لمعالجة موضوع معتقلي «القاعدة». وعندما كان اعتقال أبوزبيدة وشيكاً طلبت وكالة المخابرات المركزية تفويضاً رئاسياً لحبس المعتقلين في موقع سري في دولة أخرى (لاتزال حتى الآن غير معروفة)، وعندما توقف أبوزبيدة عن الحديث طلبت المخابرات المركزية إذناً باستخدام إجراءات غير تقليدية في التحقيق. وجاء الإذن أولاً بصورة ما يعرف «مذكرة التعذيب» من مكتب المستشار القانوني لوزارة العدل في أغسطس 2002.

وكان أبوزبيدة الأول ضمن 39 شخصاً تعرضوا للتعذيب. ولم يكن هذا الرقم معروفاً حتى يوم الثلاثاء الماضي. والأمر الآخر الذي لم يعرف حتى يوم الثلاثاء الماضي هو أن وكالة المخابرات تدبرت أمر برنامج التعذيب بصورة مبتذلة على نحو مثير للدهشة. وهي لم تضع لائحة بالمعتقلين الرئيسين في مواقع الاعتقال السرية. وخلص محققو الكونغرس إلى أنه يوجد 119 معتقلاً في أكثر الأحوال، وإن كان ليسوا جميعاً تعرضوا للتعذيب.

وفي وقت سابق، أقنعت وكالة المخابرات الأميركية نفسها بأنه من المستحيل الشروع في إجراء تقييم موضوعي لهذا البرنامج، وبناء عليه لم يحاولوا ذلك. ولكن عندما أعلن الرئيس بوش الابن معارضته الصريحة للتعذيب في صيف عام 2003 سارعت وكالة المخابرات إلى تبرير لجوئها إلى أساليب غير سوية. واكتشف محققو الكونغرس أن جذور معظم المعلومات المضللة حول برنامج التحقيق ترجع إلى صيف عام 2003، ولسوء الطالع فإنها بدأت عندما قال الرئيس بوش الابن ما يلي: في يونيو 2003 في اليوم العالمي للأمم المتحدة لدعم ضحايا التعذيب: «الولايات المتحدة ملتزمة بإزالة التعذيب من شتى أنحاء العالم ونحن نقوم بدور القدوة في ذلك، وأنا أدعو جميع الحكومات كي تنضم إلى الولايات المتحدة والدول التي يحكمها القانون، لمنع التعذيب ومقاضاة كل من يرتكبه، إضافه إلى التعهد بمنع العقوبات القاسية والمتوحشة»

وبعد مرور أيام قليلة على ذلك، دعا المستشار القانوني لوكالة المخابرات المركزية أحد محامي البيت الأبيض إلى الإعراب عن «الدهشة والقلق» مما قاله الرئيس في خطابه. وكان الرئيس يطرح معياراً علنياً مختلفاً تماماً عن المعيار السري الذي تتعامل به الإدارة مع المعتقلين. وأرادت الوكالة أن تعرف عما إذا كانت لاتزال مخولة باستخدام برنامج التعذيب. وفي يوليو 2003 كتب مدير وكالة المخابرات المركزية في حينه جورج تينيت إلى مستشارة الأمن القومي في حينه كونداليزا رايس، يطلب «التأكيد على دعم الإدارة لسياسات الاعتقال والتحقيق التي تقوم بها المخابرات المركزية»، وفي هذه الغضون سارعت وكالة المخابرات إلى جمع المعلومات التي تضمن أنها تستطيع إقناع أي شخص متشكك في إدارة بوش أن برنامج التحقيق الذي تقوم به يستحق الثمن الأخلاقي الذي تقدمه.

ويرجع إنشاء محطة ابن لادن أو «اليك» إلى عام 1996 لمراقبة نشاطات الإرهابيين. واكتشف محققو الكونغرس أن مسؤولي المحطة «أليك» أصروا على أن استخدام برنامج التحقيق الاستثنائي «مع خالد شيخ محمد كان له نتيجة فعالة».

وعند قراءة التقرير الذي نشره الكونغرس الأميركي، يصعب على المرء ألا يصل إلى النتيجة التي مفادها أن إدارة بوش الابن كانت تسمع ما تريد سماعه. ولم يتم نشر أي معلومات حتى الآن تشير إلى أن البيت الأبيض، ووزارتي الخارجية والدفاع قامت بمراجعة أو تقييم برنامج التحقيق، ولكن تقرير الكونغرس غير شامل أيضاً. ومن الواضح أن الرئيس بوش الابن كان يتمتع بامتياز تنفيذي جعل الكونغرس غير قادر على الوصول مباشرة إلى وثائق إدارة بوش. ويبقى هناك احتمال ان تكون وكالة المخابرات لم تسجل جميع تفاعلاتها مع البيت الأبيض لحماية بعض المسؤولين، ولكن حسب الموجز الذي قدمه الكونغرس لا يمكن إنكار أن وكالة المخابرات قدمت معلومات مضللة للبيت الأبيض حول قيمة برنامج التعذيب خلال التحقيق.

تيموثي نفتالي مدير مكتبة تأميمنت وأرشيف روبرت فاجنر في جامعة نيويورك

 

 

 

تويتر