سياسيون يرون تمديد البرلمان لنفسه حتى 2017 «بقعة مظلمة».. وآخرون يعتبرونه تفادياً للفوضى

الاحتقان السياسي في لبنان يهدد ديمقراطيته الهشة ونموذجه في التعايش

صورة

مدد البرلمان اللبناني ولايته مرة أخرى في الوقت الذي تدهور فيه الوضع الأمني في مناطق مختلفة من البلاد، وازداد التوتر بين السنة والشيعة، ما يؤثر في الديمقراطية «الهشة» في هذا البلد الذي تأثر كثيراً وبشكل مباشر بالعنف المتزايد في سورية والعراق. وصوت النواب اللبنانيون أخيراً على تمديد فترة البرلمان الحالي للمرة الثانية بسبب المعطيات الأمنية والإقليمية التي تنذر بمزيد من العنف.

وتم تمديد الفترة حتى يونيو 2017، ليستمر ثماني سنوات متتالية، الأمر الذي يرى فيه مراقبون انعكاساً لمزاج لبنان المعكر بفعل العنف الطائفي والسياسي القادم من سورية والعراق.

وإضافة إلى تأجيل الانتخابات النيابية يعاني لبنان من شغور منصب الرئاسة، وذلك بعد أن أخفق ممثلو الشعب في تجميع النصاب الكافي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وظل قصر بعبدا ينتظر ساكنه الجديد منذ مايو الماضي، إذ انتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، التي دامت ست سنوات.

الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليست قضية إقليمية ملحة

في معظم الأحوال يتم اختيار الرئيس بإملاءات من قوى أجنبية، خصوصاً سورية، ورغم انسحاب قواته من لبنان عام 2005 والصراع الدائر منذ ثلاث سنوات فإن النظام السوري لديه سلطة دائمة للتعبير عن رأيه من خلال حلفائه، في مقدمتهم «حزب الله» الذي يحارب إلى جانبه ضد المعارضة. وتعد ترسانة هذا الحزب ومشاركته في الحرب السورية نقطة الخلاف الرئيسة بين المعسكر الذي تدعمه دمشق وطهران من جهة، والمعسكر الذي تدعمه الولايات المتحدة والسعودية من جهة أخرى. ويعتقد محللون أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليست «قضية ملحة» بالنسبة لقوى إقليمية تختلف بالفعل بشأن الصراع السوري، وحول اليمن والقضية النووية الإيرانية.

وكثيراً ما أشاد الغرب بلبنان كونه منارة «نادرة» للديمقراطية في العالم العربي، إلا أن هذه الديمقراطية معطلة في أحسن الأحوال، ومنذ 2005 عندما رفعت سورية قبضتها الفولاذية عن لبنان، تعثر الأخير بسبب أزمات سياسية الواحدة تلو الأخرى، وبات الشلل والجمود هما القاعدة في هذا البلد الصغير، كما تسبب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في السنة نفسها، في توتر كبير بين الأطياف السياسية.

وكانت آخر مرة سمح للمواطنين اللبنانيين بالمشاركة في انتخابات لاختيار نوابهم في 2009، عندما تم انتخاب 128 هم أعضاء البرلمان لمدة أربع سنوات كما هو متعارف عليه في لبنان. لكن في مايو 2013 قرر البرلمان تمديد ولايته 17 شهراً بسبب انعدام الأمن، ما جعل من المستحيل إجراء انتخابات على الصعيد الوطني في الوقت المحدد.

ووفقاً للدستور، بمجرد عقد الانتخابات البرلمانية، تصبح الحكومة مصرفة أعمال لحين تسمية رئيس وزراء جديد وتشكيل حكومة جديدة، ويعين رئيس الجمهورية رئيس الوزراء بعد التشاور مع النواب المنتخبين. ومع ذلك، فإن غياب رئيس في السلطة، وتأجيل الانتخابات البرلمانية في هذه الظروف يهدد بجمود دستوري وشلل حكومي. في المقابل، يرى عدد من السياسيين اللبنانيين أن نتائج الانتخابات النيابية المقبلة من شأنها أن تسرع في اختيار رئيس الجمهورية، وتالياً يتم تعيين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة. وقاطع حزبان مسيحيان انتخابات التمديد للبرلمان، الأسبوع الماضي، هما حزب الكتائب، والتيار الوطني الحر الذي يعد أقوى حزب مسيحي في لبنان. وفي ذلك يقول وزير الخارجية والقيادي في التيار جبران باسيل، إن «إجراء الانتخابات يمكن أن يقدم حلاً لاختيار الرئيس وليس العكس».

وطبقاً لمبدأ المحاصصة السياسية فإن رئيس الجمهورية يجب أن يكون من الطائفة المارونية. وقد رفضت كتلتان من الكتل السياسية الرئيسة مرشحين من كلا الحزبين، وكانتا عاجزتين عن التوصل لاتفاق حول شخصية واحدة. ويقول الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إنه لا يوجد طريق أمام لبنان سوى التمديد للبرلمان الحالي. وكتب جنبلاط على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أحياناً لا تلقى بعض القرارات شعبية، المخاطرة بالدخول في فراغ قد يؤدي إلى الفوضى، ولهذا كان تجديد فترة البرلمان حتمياً».

وبعد عقود من الحرب تلتها أزمات سياسية وبسبب الفساد المستشري والبنية التحتية التي عفا عليها الزمن، يتوقع اللبنانيون القليل من المسؤولين المنتخبين. وفي غضون ذلك، قامت مجموعة صغيرة من نشطاء الديمقراطية بتنظيم تظاهرة صاخبة في وسط بيروت، بالتزامن مع عقد جلسة البرلمان، وحاولوا منع مركبات مشرعين من الوصول إلى البرلمان، لكن معظم اللبنانيين تركوا النقاش حول البرلمان والرئاسة للسياسيين، وأظهروا علامات جماعية باللامبالاة. ومنذ 15 مايو، ترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري، 15 جلسة في محاولة لانتخاب رئيس جديد أخفق في تحقيق النصاب في كل مرة. وتقول المدير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، رندا سليم، إن سماسرة السلطة في البلاد وافقوا على الأقل على إبقاء السلام، وهذا ليس بالأمر الهين في بلد لايزال يسمع فيه صدى حرب أهلية طويلة. ولسوء الحظ، تقول المحللة، أن السياسيين في لبنان يتفقون على القليل، وغالباً ما يتجنبون إبرام صفقة سياسية ضرورية لإنجاز المهام الكبيرة. وتوضح رندا سليم، «باسم الحفاظ على السلم الأهلي، يشعرون بأنهم يمكن أن يفلتوا من الحساب من دون القيام بأي من الأعمال الجادة في الحكم».

وذكر وليد سكرية، وهو عضو في البرلمان دعم التمديد، أسباب هذا الإجراء، قائلاً «يعود ذلك لعدم وجود قانون انتخابي جديد لتنظيم الانتخابات، وعدم استقرار في البلاد»، مضيفاً «إجراء الانتخابات في هذا الوضع الأمني غير آمن». في المقابل، وصف آلان عون، وهو نائب قاطع التصويت، التمديد للبرلمان بأنه «بقعة مظلمة في تاريخ السياسة اللبنانية والديمقراطية».

من جانبه، قال سفير الولايات المتحدة في لبنان، ديفيد هيل، في بيان صدر بعد التصويت، إنه يشعر بقلق بالغ إزاء «شلل المؤسسات السياسية في لبنان»، ودعا لانتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن. ويرى رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، أن لبنان يتدهور بسبب «حزب الله» وأزمة اللاجئين السوريين، لافتاً إلى أن حزبه يبذل كل الجهد لوضع حد للفراغ الرئاسي.

وأوضح الحريري أن «لبنان نموذج التسامح والعيش المشترك لكل المنطقة، وهذا النموذج مهدد باهتراء مؤسساتي في ظل فراغ في رأس الدولة».

وبغض النظر عن التبريرات التي يقدمها السياسيون في لبنان، فإن الفراغ الرئاسي الحالي جاء نتيجة لأزمات حكومية متتالية منذ بداية الأزمة السورية. ويعد هذا التمديد البرلماني الأول منذ 1992، إلا أن التمديد على الرغم من أنه إجراء استثنائي قد يصبح عادة في السياسة اللبنانية الراهنة.

تويتر