50 قانوناً تميّز بين السكان على أساس عرقي وديني

الأقلية العربية في إسرائيل تدفع ثمن الظلم والعنصرية

صورة

كانت أمي زكية تشعر بالفخر لأن شقيقتي وأنا كنا نتحدث العبرية أفضل من العربية، وكان والدي عثمان يعتقد أنه عند الحصول على أعلى الدرجات التعليمية، فإنه سيتم التعامل معنا على نحو متساوٍ مع الآخرين في إسرائيل. وكان يعتقد وبصدق أن الفلسطينيين قادرون على توضيح وجهة نظرهم، الأمر الذي سيجعلهم يكسبون قلوب وعقول الإسرائيليين اليهود.

وكان والداي يؤمنان بالوعود التي تقدمها الديمقراطية التي تتجاوز كل العرقيات. ولا أزال احتفظ بهذا الحلم، ولكن ذلك يصبح محط تساؤل في كل مرة أذهب بها إلى بيتي. وأنا مواطنة من إسرائيل تزوجت من يهودي أميركي، ومع ذلك غير مرحب بي في إسرائيل، لأني فلسطينية.

غياب الحقوق المدنية للعرب في إسرائيل

يتسم المناخ الذي يعيش فيه الفلسطينيون في إسرائيل بالظلم، وليس هناك من إنصاف يمكن أن يجدوه في أي مكان آخر. وبالطبع فإن حقوقهم ومصالحهم لا يمكن ان تمثلها السلطة الفلسطينية التي ينحصر نظامها القضائي على سيطرة جزئية على السكان في الضفة الغربية. كما أن الرئيس محمود عباس لا يستطيع المفاوضة باسم «فلسطينيي إسرائيل»، لانهم مواطنون إسرائيليون، ولكن إسرائيل تفضل عدم التفكير بالفلسطينيين كمواطنين لها، ولذلك فإنها تلجأ إلى كل الطرق للتضييق وتنغيص حياتهم، مثل محاولة عدم إصدار جوازات سفر.

وعادة ما تسارع إسرائيل إلى الاشارة إلى انه ثمة جهود تستهدف شرعية وجودها. ولكن في حقيقة الأمر، فإن ما يقوض موقف إسرائيل على المسرح الدولي ليس من ينتقدوها، وإنما المعاملة المنحطة التي تعامل بها مواطنيها من الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن إسرائيل تدعي انها تبغض العنصرية وانتهاك حقوق الانسان، إلا ان القادة السياسيين يسنون القوانين التي تضمن نظاماً مؤسساتياً مراوغاً للتمييز العنصري. وكل ما تحتاج إليه إسرائيل هو حركة حقوق مدنية.

وخلال الزيارة الأخيرة، دخل زوجي عبر النقاط الأمنية في مطار بن غوريون، ولكن ابنتنا المراهقة، وأنا، حيث نحمل جنسيتين إسرائيلية وإيطالية، كنا نتعرض لتفتيش دقيق، وعليّ تحمل ذلك في كل مرة أدخل فيها إلى إسرائيل أو أخرج منها. ولكن ابنتنا البالغ عمرها 17 عاماً، كانت تبكي، وقالت لي مرة: «هذا المكان يعج بالكره أينما تجولت به».

وحاولت في الرحلة ذاتها تجديد جواز سفرها الإسرائيلي «وهي ليست يهودية»، قال لي أحد الموظفين: «نحن غير واثقين من أنها تستحق الجنسية».

ويعتبر هذا الأمر بالنسبة للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويشكلون 20% من السكان، إهانة مألوفة. ولكني أتساءل، ماذا كان سيفعل والداي، وهما متوفيان الآن، عندما ظهرت لوحة جدارية على بيتنا في حيفا، والتي تقول «الموت للعرب»؟

وخلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، كانت ابنة عمي تمشي على الشاطئ بالقرب من بيتها، في حيفا أيضاً، وتناهى إلى سمعها جماعة من الاسرائيليين يتحدثون مع بعضهم حول ما يمكن أن يفعله الجيش الاسرائيلي بسكان غزة، وقال أحدهم «يجب أن يقتلهم جميعاً». وقالت ابنة عمي «لم أشعر بالخوف الشديد طيلة 32 عاماً من حياتي، كما شعرت في تلك اللحظة. ولم أكن أريدهم أن يعرفوا بأني فلسطينية».

وأصبحت اسرائيل مشروعاً لتشكيل محمية من النقاء العرقي والديني، ويحتل الصهاينة المتدينون، والأحزاب المتطرفة نحو 30 مقعداً في الكنيست من أصل 120 مقعداً. وتتضمن الحكومة الائتلافية أعضاء من حزب «البيت اليهودي»، وهو حزب صهيوني ديني، وحزب «إسرائيل بيتنا»، وهو حزب يميني قومي. وجوهر سياسة هذه الاحزاب تشريع تمييز عنصري يهدف إلى نزع الحقوق المدنية عن المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل.

والمادة الرئيسة من ضمن 50 قانوناً إسرائيلياً تميز بين السكان على أساس عرقي وديني، والتي تم توثيقها من قبل منظمة «عدالة» (وهي مركز قضائي مقره في حيفا من أجل حقوق الاقلية العربية في إسرائيل) هو قانون العودة، الذي يضمن الجنسية الاسرائيلية لأي يهودي بغض النظر عن مكان ميلاده، وبصورة أوتوماتيكية. وغالباً ما يتم نقلهم إلى المستوطنات في الضفة الغربية «وهي غير شرعية حسب القانون الدولي»، حيث يحصلون على مساعدات حكومية. وفي الوقت نفسه يخضع المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، لمنعهم من لم الشمل، فإذا تزوج أحدهم فلسطينية من الضفة الغربية أو قطاع غزة، يحظر عليه العيش في إسرائيل بموجب قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل.

وفي سبتمبر الماضي، رفضت المحكمة العليا في إسرائيل عريضة تشكل تحدياً لـ«قانون لجان القبول»، التي تسمح للمجتمعات برفض طلبات الاسكان استناداً إلى قانون «الملاءمة الثقافية والاجتماعية»، وهي ذريعة قضائية لرفض السماح لمن هم غير اليهود بالسكن في المناطق اليهودية. ومن حيث الممارسة وحتى قبل صدور القانون، كان من المستحيل عملياً بالنسبة للفلسطينيين شراء أو استئجار منزل في أي مدينة تتمتع بغالبية يهودية.

ويسهم النظام التعليمي في المزيد من الفصل العنصري، وبمعزل عن بضع مدارس، فإن معظم المؤسسات التعليمية في اسرائيل تنقسم إلى عربية ويهودية. وبحسب البروفسور نوريت بيلد الحنان، وهو أستاذ جامعي متخصص في مجال علم الاجتماع، وقام بمعظم الدراسات الشاملة عن مناهج المدارس العامة، فإنه لا توجد إشارة ايجابية واحدة عن الفلسطينيين في كتب المدارس العليا في إسرائيل. ويوصف الفلسطينيون عادة إما «مزارعون عرب ليس لهم جنسية» أو «إرهابيون» مرعبون، كما وثق ذلك البروفيسور الحنان في كتابه «فلسطين في كتب المدارس الاسرائيلية: أيديولوجية ودعاية إعلامية في التعليم».

وأدى نظام الفصل العنصري في التعليم إلى جعل 42% من الاسرائيليين يقولون، في استطلاع أجري أخيراً، إنهم لم يلتقوا مع أي فلسطيني في حياتهم.

وبصورة تاريخية لا يخدم المتطرفون الدينيون اليهود في الجيش، ولكنهم أصبحوا اليوم يخدمون في كل صنوف الأسلحة، بما فيها أهم قوات النخبة في الجيش الاسرائيلي، مثل قوات «سايريت ماتكال» الخاصة و«الوحدة 8200»، التي من ضمن مسؤولياتها جمع المعلومات الاستخباراتية عن أي فلسطيني يعتبرون أنه يشكل «خطراً أمنياً».

وبخلاف جميع قادة جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي المعروف بـ«شين بيت»، فإن الرجل الذي يقوده حالياً، وهو ياروم كوهين، هو يهودي متديّن. وهذا التغيير ينسجم مع التغيرات التي حدثت في المجتمع الاسرائيلي. وكلما زاد التكامل بين اليهود المتطرفين كان ذلك لمصلحة الإسرائيليين اليهود، ولكن بالنسبة للفلسطينيين الإسرائيليين، فإن ذلك يعني عنصرية جديدة على أساس ديني تضاف إلى التمييز العنصري العلماني الذي كان موجوداً في السابق.

ويروج القادة الاسرائيليون لسياسات الكره، وبفخر. وكان وزير الخارجية الاسرائيلي ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا» القومي، أفيغدور ليبرمان، ناصر الدعوة إلى مقاطعة أعمال المواطنين الفلسطينيين على الأراضي الفلسطينية، بل إنه حاول أن يجعل من ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم مسألة شرعية. والتقى وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، مع ليبرمان مراراً، ولكن على ما يبدو أنه لم يناقشه على أفكاره التي تستحق الشجب.

رولا جبريل صحافية في «فورين بوليسي جورنال»

 

 

تويتر