المسؤولية الأدبية والأخلاقية عن «وعد بلفور» مستمرة

اعتراف البرلمان البريطاني بفلسطين خطوة رمزية

صورة

كان نص الرسالة، التي وجهها في الثاني من نوفمبر 1917، وزير الخارجية البريطاني السابق آرثر جيمس بلفور إلى ممثل الجالية اليهودية القوية في بريطانيا آنذاك، اللورد روتشيلد، مختصراً ودقيقاً ومحدداً، ولا يحتمل أي تأويل أو تفسير بخصوص «الوعد» الذي قطعه، بشأن تمكين اليهود من وطن قومي لهم في فلسطين.

وكان لنص ذلك الوعد وروحه أعمق الأثر في تحديد مصير الشعب الفلسطيني منذ ذلك اليوم وحتى اللحظة. فبعد 30 عاماً من إعلان «وعد بلفور» الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، صدر قرار الأمم المتحدة 181، الذي أوصى بتقسيم فلسطين التاريخية الخاضعة للانتداب البريطاني بين الحركة الصهيونية والعرب الفلسطينيين، والموافقة على خطة الأمم المتحدة بشأن هذا التقسيم. وكان من نتائج ذلك قيام إسرائيل «لتكون دولة لليهود الصهاينة»، وإنكار حق الفلسطينيين في إعلان امتلاكهم أرضهم وسيادتهم عليها. في الرابع من يونيو عام 1967، شنت إسرائيل حرباً على الدول العربية المجاورة لها، بهدف استكمال احتلال فلسطين التاريخية كاملة، ليتحول «الوعد البريطاني» إلى كابوس لا ينتهي بالنسبة للفلسطينيين.

وما يفسر، إلى حد كبير، أسباب عدم حدوث أي نقاش لخطوة مجلس العموم البريطاني (البرلمان)، بالاعتراف بدولة فلسطين في 13 أكتوبر الجاري، من غير الحفر بشكل أعمق في التاريخ. وبصرف النظر عن معنى الخطوة البريطانية، فإنه لا يمكن احتسابها مجرد خطوة شكلية أو جزئية روتينية، على طريق الاعتراف الكامل بفلسطين، التي لم تصبح دولة ناجزة أو مكتملة بعد، وكانت مختلفة عن خطوة حكومة السويد التي سبقتها في الثالث من أكتوبر. فبريطانيا منذ قيام إسرائيل وهي طرف لاعب في معظم مراحل الصراع في الشرق الأوسط. وجاء التصويت التاريخي في البرلمان البريطاني، بعد نقاش ساحر وجذاب، يشير بقوة إلى مدى التغيير الذي طرأ على كيفية فهم إسرائيل وإدراك سياساتها ومواقفها وقراراتها، ليس بالنسبة للرأي العام البريطاني، بل والقوى والأحزاب والأوساط السياسية في بريطانيا في السنوات الأخيرة. صحيح أن قرابة نصف أعضاء مجلس العموم غابوا عن عملية التصويت، أو امتنعوا عن المشاركة، لكن النتيجة كانت واضحة على نحو لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه، لتبدو لنا واحدة من الصور الحقيقية لما تتمتع به إسرائيل من تأييد ودعم في واحدة من أقرب الدول الحليفة والمؤيدة لها. وفي رأي كثيرين فإن تصويت البرلمان البريطاني له أهميته، لأن بريطانيا كانت على الدوام وستبقى عضواً في النادي الصغير، الذي يضم عدداً محدوداً للغاية من أكثر الدول دعماً لإسرائيل وتأييداً لها، إذ إن الحكومة البريطانية مازالت تتصرف في غاية التفهم والتعاطف مع إسرائيل وتزودها بالأسلحة والمعدات، وتغض بصرها عن سجل إسرائيل بشأن حقوق الإنسان، على الرغم من المعارضة والاحتجاجات المتزايدة من البريطانيين. وقد تختلف دوافع اعضاء مجلس العموم البريطاني في التصويت، فبعضهم صوت لأنهم يؤيدون قضية فلسطين منذ وقت طويل، بينما صوت فريق آخر لأنه ضاق ذرعاً بسلوك إسرائيل وتصرفاتها. لكن إذا ما تبين أن التصويت كان بهدف إعادة نبض الحياة لمبدأ حل الدولتين لصراع خلقه منذ بدايته البريطانيون أنفسهم، فعلينا أن نتوقع استمرار التركة البريطانية الرهيبة. وفضلاً عما سبق ما الفائدة من قيام دولة ليس أمامها أي آفاق للنمو وتغيير ما حولها من وقائع على الأرض؟ وعلى الأرجح فإن الانتصارات والإنجازات الرمزية الفلسطينية سوف تستمر بوتيرة سريعة، حتى يذبل المشهد الفلسطيني ويدب فيه الانكماش. ومع اقتراب مضي 100 عام على وعد بلفور، فإن مسألة تعامل بريطانيا مع المسؤولية الأدبية والاخلاقية، التي تتحملها نتيجة هذا الوعد ستبقى أمراً بالغ الصعوبة.

رمزي بارود صحافي فلسطيني ورئيس تحرير صحيفة «باليستاين كرونيكل» الإلكترونية

تويتر