يتعرض لقصف دائم بقذائف الهاون والصواريخ.. وسقوط للبراميل المتفجرة

الطريق إلى حلب محفوف بمخــــاطر «داعش» وقوات النظام الســـوري

صورة

قضيت أخيراً بضعة أيام في «غازينتاب» التركية، المدينة مليئة بالناس هذه الأيام، بعض من اللاجئين وغيرهم يعملون مع العديد من المنظمات غير الحكومية المتمركزة هناك. واضطر أصدقاء أعرفهم إلى المغادرة لأنهم تعرضوا للتهديد من قبل مسلحي تنظيم داعش. والدتي تعيش في غازينتاب أيضاً، بعد أن تركت عملها في 2012 كمعلمة في مدينتنا إدلب، وتعرضت للتوقيف والاستجواب مرات عدة من قبل قوات الأمن السورية. كانت تجمع أسماء الأشخاص الذين قتلوا أو اعتقلوا من قبل النظام حتى تتمكن من إدراجهم ضمن قوائم المساعدات الغذائية أو الحصول على معونات مالية شهرية.

الرحلة بين غازينتاب وحلب باتت صعبة للغاية لأن النظام السوري يتقدم في مناطق إلى الشمال من المدينة وكذلك يفعل عناصر «داعش». ورحلتنا بين المدينتين، التي كانت لا تزيد قبل الحرب على ساعة واحدة، أصبحت تستغرق حالياً ثلاث ساعات على الأقل، إذ يتعين علينا السير في طرق ومسارات ملتوية وجانبية. سافرت إلى حلب مع ثلاثة من الأصدقاء، وهم الصحافية الشابة (وعد ـ 23 عاماً)، التي كانت تعيش في مستشفى ميداني في المدينة طيلة عامين، والطبيب (حمزة ـ 26 عاما)، ويعمل في مستشفى ميداني آخر، والفنان (سلمان ـ 36 عاماً)، الذي أسس فريقاً ترفيهياً يعمل على تثقيف الناس الذين لايزالون يعيشون في حلب.

شطرا حلب

لايزال بعض السكان ينتقلون بين شطري مدينة حلب التي قسمت بين المعارضة والنظام، ولكن للقيام بذلك يجب الذهاب جنوباً أولاً ثم العودة إلى الجانب الآخر من حلب. وقبل ثلاث سنوات، كان عبور المدينة يستغرق 10 دقائق فقط، والآن يتعين القيام بذلك في أكثر من ثماني ساعات، ويكلف ثلاثة أضعاف ما تكلفه الرحلة من تركيا إلى حلب.

لا يصل الماء إلى منازل حلب سوى مرة واحدة في الأسبوع ولمدة ساعتين فقط. والطريقة الوحيدة للاتصال مع العالم الخارجي هي الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية. لكن الناس يحاولون الاستمرار في حياتهم، فهناك 200 شخص حضروا مسرحية سلمان الأخيرة «دكاكين» التي عرضها في قاعة حفلات مهجورة. وانتقد سلمان في مسرحيته أولئك الأشخاص الذين يدعون أنهم ثوار ولكنهم يسعون إلى الحصول على المساعدات من المنظمات الأجنبية. وينشط سلمان وزملاؤه في شوارع حي صلاح الدين، التي تعد أول منطقة سيطر عليها المعارضون في حلب. لتكون بذلك خط المواجهة المتقدم، إذ يتمكن قناصو الجيش السوري من مراقبة شوارعها، وعادة تكون عرضة لسقوط قذائف الهاون. وعلى الرغم من الوضع الأمني المتردي فإن مئات العائلات السورية لاتزال تعيش هناك، وحتى المدرسة تفتح أبوابها للتلاميذ.

مع وصولنا للحدود بين تركيا وسورية كان علينا أن ننقسم إلى فريقين، ففي حين دخلت أنا ووعد وحمزة بطريقة شرعية، تعين على سلمان أن يعبر الحدود بطريقة أخرى، مع أشخاص آخرين، لأنه سوري من أصل فلسطيني وليس لديه جواز سفر. كنا أقل من 20 شخصاً نحاول مغادرة تركيا، لكن طول الطابور الذي امتد لعشرات الأمتار في المعبر التركي، بدأ الضابط التركي بجواز سفري وكأنه لم يكن يصدق أن هذه وثيقتي، فقد مر على جوازي سبع سنوات، وكنت أرتدي غطاء للرأس وكان عمري يبدو أكبر من الفتاة التي كانت في الصورة على الجواز.

بعد أن اجتزنا المعبر، ركبنا سيارة إلى صوران شمال حلب، وتبعد كيلومتراً واحداً فقط عن المناطق التي تقع تحت سيطرة «داعش». وفي سبتمبر الماضي وصلنا خبر تقدم التنظيم وتمكنه من السيطرة على ست بلدات شمال حلب، من ضمنها «اخترين» التي تقع على طريقنا إلى تركيا. كما استولى الجيش السوري على «حندرات» بداية الشهر الجاري، وتقع البلدة على الطريق الرئيس شمال المدينة. كنا معتادين على سلوك هذا الطريق على الرغم من البراميل المتفجرة التي تسقطها مروحيات النظام. وتسقط في كل مكان تقريباً، ولا يبقى أمام القاصدين لحلب سوى طريق هو الأطول إلى غرب المدينة، ويتعرض أيضاً لقصف دائم بقذائف الهاون والصواريخ.

وعلى مداخل بلدة صوران استوقفنا مسلحون عند نقطة تفتيش تابعة للمعارضة السورية «المعتدلة». ويدقق هؤلاء في العادة على هويات الرجال ولا يهتمون بالنساء كثيراً. وللوهلة الأولى بدت البلدة هادئة، فالنساء اللواتي يرتدين فساتين تقليدية يتجولن في الشوارع برفقة أطفالهن، ولاحظنا أيضاً عمالاً يقومون بإعادة بناء ما هدمه القصف. اشترينا بعض الأغراض وعدنا إلى السيارة. وعلى الرغم من أن حمزة يعرف الطريق إلا أننا توقفنا مرات عديدة للحصول على معلومات، خشية من أن نفاجأ بتقدم لعناصر «داعش» أو النظام السوري. لايزال بعض السكان ينتقلون بين شطري حلب التي قسمت بين المعارضة والنظام، ولكن للقيام بذلك يجب الذهاب جنوباً أولاً ثم العودة إلى الجانب الآخر من حلب. قبل ثلاث سنوات كان عبور المدينة يستغرق 10 دقائق فقط، والآن يتعين القيام بذلك في أكثر من ثماني ساعات، ويكلف ثلاثة أضعاف ما تكلفه الرحلة من تركيا إلى حلب. كما أن أسعار السلع الاستهلاكية تضاعفت أربع مرات على الأقل.

وفي طريقنا إلى حلب، كانت هناك بلدات مهجورة وعلى الجدران، رسومات ترصد مراحل تحول الانتفاضة السلمية إلى حرب مدمرة. وفي إحدى البلدات جذبت انتباهي عبارة كتبت في ما يبدو قبل سنوات، تقول «عزيزي الجندي السوري.. تذكر أنك أخي»، وبعد مسافة غير بعيدة رأينا على جسر للمشاة عبارة لأنصار «داعش». وقد تمكن الثوار من طرد عناصر التنظيم في مواجهات عنيفة في يناير، إلا أن هناك خشية من عودتهم مجدداً. في المقابل، تبدو الحياة مستمرة وعادية في بعض المناطق، والفلاحون يعملون في حقولهم كالمعتاد، والأطفال يمرحون أمام منازلهم. وتمكن الأهالي في حلب وبعض المناطق المجاورة من تطوير أساليب محلية لإنتاج النفط، وباتت هناك مصافٍ صغيرة يشرف عليها رجال وأطفال، تقوم بإنتاج ما يكفي من الوقود. ويذكر أن «داعش» سيطر على مصادر النفط في الشرق منذ فترة، ويقوم ببيعها للسوريين.

وفي آخر الرحلة سلكنا طريقاً طويلاً وغير معبد في اتجاه غرب حلب، وشاهدت بعيني خمس سيارات محترقة طوال الطريق. والجدير بالذكر أن أغلبية السكان في المناطق التي تخضع لسيطرة الثوار لا يراودهم أمل في نهاية الحرب. ويعبر الناس عن غضيهم حيال المجتمع الدولي، غاضبون لأنهم أمضوا سنوات وهم يطالبون المجتمع الدولي باستهداف قوات الأسد الذي يعتبرونه المسؤول عن عمليات القتل أكثر من أي جهة أخرى.

وفي المنزل، أفرغت حقيبتي التي أحضرتها من غازينتاب، لقد كانت مملوءة بأشياء لا يمكن لي الحصول عليها هنا، سمك مجمد وشوكولاتة وبسكويت ورقائق البطاطا. أعيش في مكان جميل في منطقة في حلب يسيطر عليها الثوار، قريبة من خط القتال مع النظام. ومن الغريب، أن هذا المكان أكثر أمناً من مناطق أخرى، إذ لا تسقط البراميل هنا لأنها عشوائية، ويمكن أن تسقط على جنود النظام أنفسهم.

زينة ارحيم - ناشطة ومنسقة معهد الحرب والسلام في سورية.

تويتر