استراتيجية واشنطن الحالية لا تضمن نهاية مستقرّة لسورية مع وجود تنظيمات متطرفة

أميركا يمكنها تحويل المعارضة إلى قوة قتال حقيقية تهزم الأسد

صورة

أصبح التدخل الأميركي في سورية لإنهاء الصراع المستمر منذ ثلاثة أعوام في هذا البلد العربي من الأمور الجدلية، خصوصاً في أعقاب التجارب المؤلمة التي تعرضت لها أميركا في حروبها في أفغانستان والعراق. ويعتقد البعض أن امتناع أميركا عن التدخل في سورية يعود إلى عدم وجود مصالح لها هناك، لأن سورية ليست دولة منتجة للنفط، ولا هي شريك تجاري كبير للولايات المتحدة، ولا تتمتع بالديمقراطية. الأسوأ من ذلك هو أن الحروب الأهلية بين الطوائف، التي قد تنتهي بواحدة من طريقتين: انتصار طرف واحد، الذي سيلجأ إلى ذبح خصومه بصورة مروعة، أو تدخل كاسح من طرف ثالث يستطيع وقف القتال والوصول إلى اتفاق لتقاسم السلطة. ونادراً ما تصل مثل هذه الحروب من تلقاء نفسها إلى قرار من أجل تسوية سلمية عن طريق التفاوض، وحتى عندما يقرر المتحاربون ذلك، فإنهم يفعلونه عادة بعد سنوات عديدة من سفك الدماء. كل هذا يشير إلى أن الحل الدبلوماسي السريع النظيف الذي يهدف إليه الاميركيون سيكون تحقيقه في سورية أقرب إلى المستحيل.

تشكيل جيش قوي

من شأن دراسة حالات دعم سابقة قدمها الجيش الأميركي أن توفر مساراً بديلاً، إذ يمكن للولايات المتحدة إنشاء جيش سوري جديد مع بنية وعقيدة تقليدية، الذي يمكنه القضاء على كل من النظام والمتطرفين، وأي انتصار حاسم لهذا الجيش، الذي تدعمه الولايات المتحدة سيجبر جميع الأطراف على التفاوض، ويمنح واشنطن ثقلاً للضغط من أجل التوصل إلى ترتيب لتقاسم السلطة بين الفصائل المتنافسة. هذه النتيجة ستوفر فرصة أفضل لظهور دولة سورية جديدة، سلمية وتعددية وشاملة، وقادرة على حكم البلاد بأكملها.


4 معايير حاسمة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/189163.jpg

إزالة نظام الأسد يجب أن تتضمن إزاحة المتشددين الإسلاميين. إي.بي.إيه

تصعيد التدخل الأميركي في سورية ينبغي أن يلبي أربعة معايير: أولاً، ألا تتطلب الاستراتيجية إرسال قوات أميركية للقتال، كما يجب ألا يؤدي إرسال الأموال، والمستشارين، وحتى القوة الجوية إلى وجود جنود أميركيين على الأرض. ثانياً، أي مقترح لإزالة نظام الرئيس بشار الأسد يجب أن يتضمن أيضاً إزاحة المتشددين الإسلاميين الأكثر تطرفاً، لأن كلاً منهما يهدد مصالح الولايات المتحدة.

ثالثاً، يتعين أن توفر مثل هذه السياسة أملاً منطقياً في تكوين دولة مستقرة. وبما أن اتساع نطاق الحرب الأهلية في سورية يمثل قلقاً أمنياً قبل كل شيء، فإن إزاحة النظام مع السماح باستمرار الحرب الأهلية، أو حتى سحق كل من النظام والمتطرفين مع السماح لمجموعات أخرى بالاستمرار في القتال سيكون بمثابة فشل استراتيجي. وحيث إنه لا يوجد أمر مؤكد في الحرب، فإن أي خطة تسمح بتدخل أميركي أكبر يجب أن تزيد من احتمالات استقرار سورية على الأقل.

رابعاً وأخيراً، يجب أن تتوافر للخطة فرص معقولة لتحقيق ما هو مخطط له، وعليه يجب تتجنب واشنطن خططاً صعبة المنال مع فرص مؤكدة للنجاح، وينبغي أيضاً أن تمول أميركا بشكل جيد الاستراتيجية التي اختارتها. كما أن الإعلان عن سياسة سورية جديدة، أكثر طموحاً مع عدم توفير ميزانية كافية لها سيؤدي إلى الفشل، وسيعكس للأصدقاء والأعداء على السواء، أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة للدفاع عن مصالحها.

ومع ذلك، فإن المناداة بتدخل الولايات المتحدة يكتسب زخماً أكثر على الأرض، وحتى كتابة هذه السطور، فإن الأزمة في سورية قضت على أكثر من 170 ألف شخص، وامتد تأثيرها إلى كل دول الجوار، وتتجسد قوة الدمار في معظمها في تنظيم «داعش»، وهو مجموعة جهادية سنّية، ولد من بقايا تنظيم القاعدة في العراق، وأعلن «دولته» في أواخر يونيو، ليجتاح أخيراً شمال العراق. ويستخدم «داعش» المنطقة التي يسيطر عليها في العراق وسورية لتفريخ المزيد من المتطرفين الإسلاميين، بعضهم يرنو ببصره نحو أهداف غربية. وفي الوقت نفسه ينذر الوضع في سورية بجر جيرانها الآخرين، خصوصاً الأردن ولبنان وتركيا، إلى مشكلات سياسية، حيث توافد عليها ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، على الرغم من أن ميزانيات هذه الدول تعاني أصلاً عجزاً، ما يغذي الاضطرابات الاجتماعية.

وبعد مقاومة التدخل في المنطقة مدة ثلاث سنوات، يسعى البيت الأبيض جاهداً الآن إلى لعب دور رئيس في الصراع هناك. ففي يونيو طلب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، 500 مليون دولار أميركي من الكونغرس، لزيادة المساعدات الأميركية لأعضاء المعارضة السورية المعتدلة، إذ كانت هذه المساعدات حتى وقت قريب تقتصر على برنامج التدريب السري في الأردن. ولكن في كل مرحلة من مراحل الجدال حول سورية، تصرّ الإدارة على ان الطريقة الوحيدة لضمان زوال نظام الرئيس السوري بشار الأسد يتمثل في نشر أعداد كبيرة من القوات البرية.

هناك وسيلة حاسمة تستطيع بها الولايات المتحدة تحقيق ما تريد في سورية، وأيضاً في العراق، من دون إرسال قوات أميركية، من خلال بناء جيش معارضة سوري جديد قادر على هزيمة كل من الأسد، والإسلاميين الأكثر تشدداً. وأطلقت الولايات المتحدة عمليات مثل هذه من قبل، ويمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى، وبكلفة أقل بكثير مما أنفقته في أفغانستان والعراق. وبالنظر إلى المدى الذي وصلت اليه الحروب الأهلية في العراق وسورية، فإن مثل هذه الاستراتيجية ستساعد على تأمين مصالح الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعلى الرغم من عيوب هذه الاستراتيجية، فقد أصبحت الخيار الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة والشعب السوري والمنطقة. أي اقتراح للعب الولايات المتحدة دوراً أكبر في سورية فشل حتى الآن في تلبية واحد على الأقل من هذه المعايير. ومع توفير أسلحة متطورة للثوار مضادة للطائرات والدبابات، كما تعتزم واشنطن، ستجعل الحرب مع مرور الوقت أمراً مكلفاً جداً بالنسبة لنظام الأسد، لكن حتى مثل هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة من غير المرجح أن تكسر الجمود. وخلال الحرب السوفييتية في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، على سبيل المثال، زودت أميركا المجاهدين الأفغان بأسلحة «ستينغر» المضادة للطائرات، وصواريخ «ميلان» المضادة للدبابات، والتي ألحقت خسائر فادحة بالدبابات وطائرات الهليكوبتر السوفييتية، إلا أن ذلك فشل في تحقيق مكاسب تكتيكية في ساحة المعركة. وعلى عكس الاتحاد السوفييتي، الذي كان يخوض حرب اختيار في أفغانستان (أي يمكنه الانسحاب ببساطة)، فإن نظام الأسد يشنّ حرباً من أجل البقاء. وتتمثل الإشكالية الكبرى في الوقت الجاري في أن الاستراتيجية الحالية لا تضمن نهاية مستقرة لسورية، إذ إن توفير الأسلحة والتدريب للثوار بكميات محدود سيحسن قدرتهم على القتال، إلا أن ذلك لن يساعد على توحيدهم، ولابد من ترتيبات لتقاسم السلطة بين الطوائف العرقية والطائفية الهشة، أو بناء مؤسسات حكومية قوية. هذه السلبيات نفسها أدت إلى تمزق أفغانستان بعد انسحاب القوات السوفييتية.

كينيث بولاك مؤلف كتاب «إيران والقنبلة والاستراتيجية الأميركية» وزميل معهد «بروكينغز»

تويتر