الرأي العام الإسرائيلي يدعم الحكومة أثناء المعارك.. ثم ينقلب عليها وقت السلم

الحروب تطيح شعبية قادة إسرائيل.. ونتنياهو آخر الضحايا

صورة

في ذروة أول حرب إسرائيلية على لبنان عام 1982، وضع الضابط الإسرائيلي عميرام نير، وهو صحافي عمل مستشاراً لمكافحة الإرهاب في مكتب رئيس الوزراء، الجملة التالية: «اهدأ، نحن نطلق النار»، وتوفي هذا الرجل في حادث تحطم طائرة يلفه الغموض. وتقريباً تلاحظ جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية، المشاكسة منها أو الرصينة، هذه القاعدة في زمن الحروب، أو خلال العمليات العسكرية الكبيرة.

وبينما يكون الجنود مشغولين في ميادين القتال، لا يمكن سماع أي انتقاد يوجه للحكومة أبداً، وبات رئيس الحكومة والقادة الآخرون، المدنيون منهم والعسكريون، يلقون قبولاً جيداً في استطلاعات الرأي العام، لم يكونوا يحلمون بسماعه في أوقات السلم.

هزيمة تشرشل في انتخابات 1945

يبدو أن هذه الظاهرة لا تتفرد فيها إسرائيل وحدها، فقد تعرض رئيس الحكومة البريطانية، وينستون تشرشل، لهزيمة ساحقة في الانتخابات العامة عام 1945، بعد أقل من شهرين من تاريخ ما يعرف بيوم النصر الأوروبي في الثامن من مايو عام 1945، حيث أصبح هذا الرجل المثال التاريخي الرئيس على الطريقة، التي يمكن من خلالها أن يفقد قادة الدول أيام الحروب الدعم الشعبي بسرعة ساحقة. وفشل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب في كسب الانتخابات لفترة ثانية عام 1992، على الرغم من النجاح الذي حققه في حرب الخليج الأولي. ولكن في إسرائيل، ونظراً إلى حروبها المتكررة، أصبحت نموذجاً.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/09/188574.jpg

 رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل. أرشيفية

ولكن ذلك ينتهي تماماً عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو عندما تغرق العملية العسكرية في حالة طويلة من حرب الاستنزاف، ويتحلى الإسرائيليون دائماً بتوقعات مرتفعة دائماً من جيشهم أو أجهزة مخابراتهم، ولأكثر من أربعة عقود عمدوا إلى معاقبة السياسيين لأي نقيصة يرتكبونها، كما يتعلم رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، فقد تلقى هبوطاً رأسياً خلال آخر استطلاع للرأي، كما أنه تلقى التقريع من وسائل الإعلام الإسرائيلية، خلال الأيام القليلة الماضية.

وقبل ثلاثة أسابيع فقط، كان 77% من الإسرائيليين يجيبون عن استطلاع للرأي أجرته صحيفة «هآرتس»، ويقولون إنهم راضون عن الطريقة التي ينفذ بها نتنياهو الهجوم على غزة. وبعد مرور يوم واحد على اتفاق وقف إطلاق النار، خسر نحو ثلث هذه الأصوات، ونزلت نسبة الراضين عن أدائه إلى 50%. وفي استطلاع آخر للرأي أجرته القناة الثانية الإسرائيلية، كان سقوط نتنياهو أكثر دراماتيكية، إذ إن نسبة قبوله انحدرت ضمن فترة لا تتعدى الشهر من 82% إلى 32% فقط هذا الأسبوع. وهو ليس رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، الذي يعاني مثل هذا التقلب السريع.

وكانت إسرائيل قد نجحت في صدّ هجوم مباغت من جبهتي سورية ومصر في حرب أكتوبر عام 1973، لكن الرأي العام الإسرائيلي علق على فشل المخابرات في توقع حدوث الحرب، وأجبر رئيسة الحكومة في حينه غولدا مائير، ووزير الدفاع موشي ديان، على الاستقالة، ووضع حد لاستئثار حزب العمل بالسلطة لمدة 29 عاماً. وفي عام 1982، تمكن الجيش الإسرائيلي من إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية من قواعدها، لكن استمرار نزيف الدم أجبر رئيس الحكومة مناحيم بيغن على الاستقالة والانسحاب التام من الحياة العامة، إضافة إلى وضح حد للمرحلة الأولى من هيمنة حزب الليكود على السياسة الإسرائيلية. وخلال هذين الحربين استمتعت القيادة بدعم كبير من وسائل الإعلام والرأي العام، ولكن لفترة قصيرة لينعكس ذلك فوراً نحو الأسوأ بعد نهاية الحرب.

ولم تكن الإخفافات السياسية هي السبب الوحيد للتغير في الحظوظ السياسية، إذ إن الأزمات المالية وفضائح الفساد لعبت دوراً رئيساً أيضاً، لكن خيبات الأمل أيضا التي تعقب توقعات عالية من الهجمات العسكرية، تؤدي إلى هبوط فوري وحاد، وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت قد تعرض لهبوط حاد في شعبيته، نظراً لمزاعم تفيد بأنه أخذ رشى، ولكنها كانت حرب لبنان الثانية، التي تخيل معظم الإسرائيليين أنها ستضع حداً للمأزق مع «حزب الله»، التي ألقت بظلالها حتى نهاية فترة حكمه.

وإضافة إلى استطلاعات الرأي السلبية، فإن وسائل الإعلام التي كانت داعمة بصورة كبيرة لنتنياهو، خلال فترة الحرب على غزة، التي استمرت 50 يوماً، غيرت رأيها، وبدأ المعلقون على محطات التلفزة والصحف، يوجهون انتقادات شديدة القسوة إلى رئيس الوزراء، لأنه فقد المبادرة طيلة فترة الحرب، بحيث سمح لحركة حماس بأن تملي عليه كل مرحلة من هذه الأزمة، بحيث انه اضطر في نهاية المطاف إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لا يتضمن تطمينات على عدم إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل، أو يذكر فيه نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وهو المطلب الذي ما فتئ نتنياهو يردده طيلة فترة الحرب.

أما الغربيون الذين ينظرون إلى الصراع من منظور الإعلام الدولي، فربما يشعرون بالاندهاش بالنظر إلى هذا العدد من القتلى في صفوف الفلسطينيين والتدمير الذي أصاب آلاف المباني في غزة، ولم يحرض على ظهور انتقادات محلية للحكومة. ولاحظ العديد من المراقبين بصورة صحيحة تماما أنه في حالة معرفة من الذي كان أداؤه أكثر سوء فإنه «حماس»، التي على الرغم من التدمير الذي لحق بغزة لم تحقق أياً من مطالبها، وقبلت بالعودة إلى اتفاقات عام 2012، والتزام غامض بالنظر إلى مطالب «حماس» الأخرى في الجولة الأخرى من المفاوضات الشهر المقبل. لكن هذه ليست وجهة النظر الإسرائيلية.

ويشعر معظم الإسرائيليين بأن جيشهم كان يتحرك في حالة من ضبط النفس، وأن مقتل المدنيين تتحمل مسؤوليته حركة حماس، التي كانت تشن صواريخها من المناطق المكتظة بالسكان. لكنهم لا يلومون نتنياهو لأنه لم يستخدم قوة الجيش للإطاحة بحكومة حماس في غزة، أو يحصل منها على التزامات مشددة بتفكيك ترسانتها من الصواريخ. وكما ترى إسرائيل المشهد، فإن الحياة توقفت في معظم مناطق البلد لمدة سبعة أسابيع، حيث تم إجبار سكان المستوطنات الموجودة قرب غزة على الهرب، كما قتل 71 جندياً و مدنياً، دون تحقيق أي مكاسب.

والآن يعودون جميعاً إلى البداية، من دون تحقيق ضمان أنه لن تكون جولة أخرى من القتال في القريب العاجل. وهم لا يرون شخصاً آخر يلقون عليه باللوم غير رئيس الوزراء، لقد كان يحظى بدعم الإسرائيليين خلال الحرب، لكن بالنظر إلى أنه فشل في تحقيق أي نتيجة ملموسة، فقد خسر كل شيء.

وهذا لا يعني أنه سيغيب عن الساحة السياسية قريباً، إذ إن استطلاعات الرأي تشير إلى أنه ليس هناك بديل عنه في إسرائيل لمنصب رئيس الحكومة. وأشار استطلاع للرأي نشرته صحيفة «هآرتس» يقول إن 42% من الإسرائيليين يرونه الشخص الأكثر ملاءمة لهذا العمل. وكان المنافس الأقرب له هو رئيس حزب العمل إسحق هرزوغ، الذي حقق نسبة أصوات 12%، أما المنافس الآخر من أقصى اليمين، وهو وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، فحقق 11%، واعتبر متطرفاً من قبل ثلاثة أرباع الذين شملهم الاستطلاع.

ومعظم الإسرائيليين يكرهون نتنياهو، ولا يحترمونه وأصابتهم خيبة أمل قاسية نتيجة هذه الحرب. وإذا كان في الأفق أحد القادة يشعرون بأنه يمكن أن يحل محله، فإنه ستكون له حظوظ طيبة في الانتخابات المقبلة. ولكن حتى الآن لا يوجد مثل هذا الشخص.

تويتر