بعد انقشاع غبار «الجرف الصامد» وسريان الهدنة بين إسرائيل و«حماس»

حسابات الربح والخسارة في حرب غزة دفعت الفرقاء إلى المربــــع الأول

صورة

وافقت كل من إسرائيل والفلسطينيين على وقف مفتوح لإطلاق النار، ووضعا بذلك حداً للعملية الإسرائيلية المسماة «الجرف الصامد»، وهي العملية العسكرية الدموية الأطول من بين ثلاث حملات عسكرية ضد حركة (المقاومة الإسلامية) «حماس» في قطاع غزة منذ عام 2009. وفي أعقاب هذه الحرب، «التي أسفرت عن مقتل أكثر من 2100 فلسطيني و70 إسرائيلياً»، وتمخضت عن دمار مادي على نطاق واسع في غزة، وعطلت حياة آلاف الأشخاص في جنوب إسرائيل، فمن المستحيل أن نقول إن كلا الجانبين قد فاز.

ويمكننا القول، بدلاً من ذلك، إن كلا الجانبين تراجع إلى الوراء ليعود إلى المربع الأول، إذ إن ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار تنص على ما يبدو على «الهدوء مقابل الهدوء» على غرار الهدنة التي أنهت الحرب الأخيرة في 2012، والتي خرقها كل من الجانبين في وقت سابق، أما مناقشة المطالب الرئيسة التي قدمها الفلسطينيون - ميناء بحري جديد، وإطلاق سراح الأسرى، ورفع الحظر عن التجارة وفك الحصار عن قطاع غزة - كل ذلك تم تأجيل التباحث بشأنه لمدة شهر، للتأكد من أن الهدوء يسود المكان ويتم الالتزام به. ومع ذلك، يمكننا أن نتحدث عن الذين أبلوا بلاء حسناً والذين أظهروا الضعف في هذا الصراع.

 

من الفائز؟

نجاح أميركي

لم يكن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، شخصية محبوبة على نطاق واسع في إسرائيل، بل ازدادت كراهيته هناك بعد العملية الإسرائيلية «الجرف الصامد» على غزة، وتعرض للانتقاد لاستثماره وقتاً وجهداً للتوصل إلى وقف اطلاق النار الذي اقترحه حليفا حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، تركيا وقطر، اللذان لا يثق فيهما الاسرائيليون ولا قادتهم. وعندما تولت مصر زمام الموقف، أثمرت بالفعل جهود الولايات المتحدة في لعب دور في صياغة وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء الماضي، وإنصافاً لكيري، فإن رجال الدولة المعنيين كانوا لولاه سيكافحون من أجل تقارب المواقف بين إسرائيل ومصر والفصائل الفلسطينية المختلفة حول مستقبل غزة. وبهذا أثبتت الصدقية السياسية الأميركية في الشرق الأوسط فعاليتها في المحور الإسرائيلي الفلسطيني.


رجل الدولة

يمكن أن نعتبر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس فائزاً في هذه الحرب، إذا كان مشروعه الخاص بالمصالحة مع حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإجراء انتخابات لتنصيب حكومة وحدة وطنية تسيطر على كل من الضفة الغربية وغزة خطا خطوات ملموسة. ويظهر عباس في بعض الأحيان خلال الصراع شخصية رجل الدولة، ما حدا به الإعلان بنفسه وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء الماضي في خطاب متلفز. ولكن في أغلب الأحيان يبدو عباس وزملاؤه بالضفة الغربية أكثر تهميشا كلما دفع شعب غزة وقادة «حماس» ثمناً باهظاً في الأرواح. وستظهر الأشهر المقبلة ما إذا كان هذا الزعيم الفلسطيني سيحتفظ باليد العليا على شعب مصاب بالإحباط بسبب ما يراه من عرقلة إسرائيلية للسلام وما تمخض عنها من آفاق اقتصادية سيئة. وتعكس الاحتفالات الصاخبة بوقف إطلاق النار في القدس الشرقية المحتلة أن استراتيجية الكفاح المسلح التي تتبناها «حماس» تحظى بكثير من المعجبين خارج نطاق غزة.

قبل عملية «الجرف الصامد»، كانت حركة «حماس» الحاكمة في غزة تواجه أزمة حقيقية، فقد كانت معزولة سياسياً، مفلسة، غير قادرة على دفع رواتب موظفيها المدنيين، واضطرتها الظروف للمصالحة مع خصمها اللدود، حركة «فتح». وفي مثل هذه الظروف فإن اندلاع الحرب يستحق الترحيب من جانبها. وواجهت «حماس»، للمرة الثالثة خلال خمس سنوات، واحداً من أفضل الجيوش في العالم، وتمكنت على الرغم من ذلك من البقاء في السلطة، واضعة في حسابها بشكل صحيح أن إسرائيل لن تستطيع الصمود في حرب برية دموية طويلة من أجل الإطاحة بها. وعلى الرغم من أن معظم ترسانة «حماس» من الصواريخ قد نضبت، وأن معظم أنفاقها قد دمرت، فإن «حماس» استطاعت أن تجبر إسرائيل على توقيع اتفاقيتين لوقف إطلاق النار ما يعتبر نصراً لـ«حماس» على الأقل بالنسبة لمؤيديها، إذ إن صواريخ «حماس»، التي بنتها بشق الأنفس على مدى سنوات من تكتيكات خرق الحصار، جعلت الإسرائيليين يفرون للاختباء في الملاجئ، واستطاعت أن تقضي على ستة مدنيين إسرائيليين، وتتسبب في تعليق معظم الرحلات الجوية في مطار بن غوريون في تل أبيب ليومين خلال يوليو الماضي.

وكما هي الحال بعد عملية «عمود السحاب» في عام 2012، من المحتمل أن تبدأ «حماس» بإطلاق النار مرة أخرى إذا ما رغبت في ذلك، ولكن شريطة أن يثور عليها الغزيون بعد أن ينقشع غبار هذا الصراع ويصبح التدمير أكثر وضوحاً، حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى ذلك.

 

اليمين الإسرائيلي

ظل منافسو الجناح اليميني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الحرب، وكأنما يناورون من أجل الانتخابات المقبلة، ويطالبون نتنياهو بعدم اتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد «حماس». ودعا وزير الخارجية اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان، لإعادة احتلال غزة، وهو الاتجاه الذي يعتقد معظم المحللين الأمنيين ونتنياهو بأنه محفوف بالمخاطر وغير مقبول. ودعا وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت لإنهاء محادثات الهدنة مع «حماس»، التي وصفها بأنها «منظمة إرهابية قاتلة»، وكان أيضاً من بين الوزراء الذين قيل إنهم دعوا للتصويت على هذا المقترح من قبل دائرة نتنياهو الداخلية، وفي النهاية لم تتم الموافقة عليه.

وإذا كان يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي فإن عملية «الجرف الصامد» تظهر أن معظم الإسرائيليين أكثر تشدداً وتشككاً في جيرانهم العرب بشأن المسائل الأمنية، وهذا من شأنه أن يصب في رصيد اليمين مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. وفي القضايا الأمنية، ينظر الإسرائيليون إلى نتنياهو باعتباره من الوسط، وانه من المحتمل هو وبعض المعتدلين نسبياً، مثل وزير المالية، يائير لابيد، أن يعانوا في الانتخابات المقبلة.

 

القبة الحديدية

أثبتت الدرع الصاروخية، التي تمولها الولايات المتحدة، جدارتها خلال النزاع، وأظهرت نفسها مرة أخرى باعتبارها رصيداً استراتيجياً لتغيير قواعد اللعبة. وكانت «حماس» والجماعات الناشطة الاخرى أطلقت أكثر من 4600 صاروخ وقذيفة هاون باتجاه البلدات والمدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب والقدس (المحتلة)، وقتلت ستة مدنيين إسرائيليين فقط، معظمهم من التجمعات السكانية المتاخمة لحدود قطاع غزة، حيث القبة الحديدية غير قادرة على الاستجابة بسرعة كافية. ووفقاً لسلاح الجو الاسرائيلي فإن معدل نجاح القبة الحديدية في اعتراض وتدمير الصواريخ كان 90%. وأشارت شركة «رافائيل»، الإسرائيلية التي صنعت القبة الحديدية، إلى «اهتمامها المتزايد» بمنتجها بسبب عملية «الجرف الصامد»، لأنها تتكهن بأن «القبة الحديدية» يمكنها أن تستقطب عملاء جددا في أماكن مماثلة تقع تحت تهديد الصواريخ قصيرة المدى، مثل كوريا الجنوبية أو وسط أوروبا.

 

من الخاسر؟

بدأ نتنياهو الحرب بتأييد ساحق، يصب في مصلحته وفي مصلحة أهداف العملية التي ترمي لإضعاف «حماس» ووقف اطلاق الصواريخ. وبلغت شعبيته ذروتها عندما أرسلت اسرائيل قواتها إلى قطاع غزة لتدمير أنفاق «حماس» التي تستخدمها لإرسال الرجال وتهريب المواد. ولكن عندما بدأت الحرب استغرقت وقتا أطول - دامت سبعة أسابيع - واجه نتنياهو انتقادات حادة من أطراف الطيف السياسي لاضطراره على ما يبدو إلى الخضوع لـ«حماس» والاتفاق معها على سلسلة من وقف إطلاق النار، التي خرقتها في وقت لاحق هذه الجماعة كما تدعي اسرائيل. أيضاً بدا هذا الزعيم الإسرائيلي ضعيفاً داخل مجلس وزرائه، وصار الوزراء يجسون رد فعله عبر التسريبات لوسائل الإعلام والمعارضة العلنية على سلوكه في الحرب. وتشكل رد فعل عنيف أيضاً في جنوب إسرائيل، حيث كانت ضربات الهاون واطلاق الصواريخ من قبل «حماس» أكثف. ويقول خبراء إسرائيليون إن «عملية الجرف» الصامد ربما تكون بداية إرهاصات الحملة الانتخابية المقبلة.

تويتر