صمود «حماس» تعبير عن تصميم «غيتو» محاصر

نتنياهو يستمع لوزير دفاعه موشي يعالون. أ.ف.ب

بعد احتلال الأراضي (الفلسطينية) مباشرة، بدأ المسؤولون السياسيون والمخابرات الإسرائيلية، مناقشة طرد مئات الآلاف من اللاجئين من قطاع غزة إلى العريش في سيناء والعراق والمغرب، على افتراض أن القطاع سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية. وبعد التشاور مع الأكاديميين، كما هي الحال دائماً، اقترح عالم الرياضيات في الجامعة العبرية، البروفيسور أرييه دفورتسكي، إيواء سكان غزة في منازل الفلسطينيين الذين فروا من الضفة الغربية في حرب 1967، وأوضح «أن هذه العملية من شأنها أن تثير الفتن الداخلية بين الفلسطينيين أنفسهم»، الذين لن يرحبوا بهؤلاء الوافدين الجدد، وفي الوقت نفسه، فإن هذا الترتيب يعمل على تقليل أعداد السكان في قطاع غزة.

وظل قطاع غزة شوكة في خيال الصهيوني، لا أحد يدري ما ينبغي فعله حياله، وفي خطوة كبيرة، عين رئيس الوزراء السابق، ليفي أشكول، إحدى الإسرائيليات، وهي آدا سيريني، التي كانت تمارس قليلاً من العمل السري في ماضيها، لتترأس فريقاً عهد إليه العمل على تخفيض عدد السكان هناك.

وفي أحد الاجتماعات قال أشكول «أريد أن يذهبوا جميعاً، حتى ولو دعا الأمر إلى ترحيلهم إلى القمر»، ولكن إسرائيل ليست دولة بمعزل عن العالم، وليس هناك قوة خارجية تسمح لإسرائيل بتحقيق رغبتها في التخلص من الغزيين، وهذه هي بداية الهلوسة المدمرة التي ظلت تؤرق رأس الإسرائيليين على مر السنين.

الاحتلال يولد المقاومة، والاحتلال القاسي يولد مقاومة شرسة، ولسنوات عدة بنت إسرائيل ــ التي لم تكن تسمح حتى بتنظيم إضرابات في الأراضي المحتلة دون عقوبات قاسية مثل إغلاق المحال التجارية، والاعتقالات والتعذيب ــ بنت طريقاً واحداً وظلت حريصة عليه، هو «العمليات الحربية»، وأطلق مقتل طفلين إسرائيليين اثنين في غزة في أوائل عام 1971 إشارة البدء لتشكيل وحدة من القوات الخاصة (شاكيد)، جنباً إلى جانب مع وحدة استطلاع «ريمون»، تحت قيادة مئير داغان، التي تم تشكيلها من أجل عمليات التعذيب، والمطاردة والاعتقال والتدمير وقتل المدنيين في أكواخهم وبضع عشرات من مقاتلي المقاومة المسلحة. واستطاع رئيس الوزراء السابق، أرييل شارون، تنسيق «الحرب على الإرهاب». وعاد الجنود الذين شاركوا في عملية «إعدام» إلى أهليهم بقصص مروعة.

وظل الإجماع على قمع قطاع غزة بشكل صارم، ولا يجرؤ أي حزب صهيوني على دعم الاستقلال الفلسطيني، وبالتأكيد لن تضم أي دولة فلسطينية مستقلة قطاع غزة. وبالتالي بدأ خنق القطاع ببطء ومحاصرته منذ وقت مبكر، وظلت إسرائيل تراوغ بشأن الجسر البري الذي يربط قطاع غزة بالضفة الغربية، كما وعدت اتفاقات أوسلو. وكيل المدح والثناء لرئيس الحكومة السابق أرييل شارون، لتنفيذه «فك الارتباط»، الذي سبقه وتلاه قتل على نطاق واسع.

ولقي مئات الفلسطينيين مصرعهم، وجرح آلاف منهم في القصف والتفجيرات منذ عام 2004 في عمليات «قوس قزح» (مايو)، و«أيام الندم» (سبتمبر وأكتوبر)، وعملية أمطار الصيف (يونيو ونوفمبر 2006) وعملية الشتاء الساخن (فبراير ومارس 2008). أولئك الذين لديهم ذاكرة قصيرة، وعاشوا الحرب الأخيرة، يتذكرون على الأقل الفظاعات التي بلغت الذروة، والتي جلبتها حكومة ايهود أولمرت، خلال عملية الرصاص المصبوب (شتاء 2008 ــ 2009)، لم يكن هناك أي رابط حقيقي بين الأحداث و«ردود» جيش الدفاع الإسرائيلي.

وكلما صار القمع أكثر قسوة، كلما أصبحت المقاومة أكثر تطرفاً. ألا أن صمود «حماس» في الحرب الحالية هو دليل ليس فقط على العمى الذي أصاب حكامنا، ولكن أيضاً لعدم وجود خيار لسكان هذا «الغيتو» المحاصر منذ فترة طويلة ويتعرض للقصف، وهو غزة.

على الذين يستدرجون نتنياهو إلى فشله، التزام الصمت الآن. حتى مع علمنا بـ«أهداف العملية»، وما إذا كانت ستتحقق أم لا، فإن المخططون يفترضون دائماً سؤالاً واحداً هو هل ستختفي غزة؟ لن تختفي أبداً، ولهذا يجب علينا مواصلة القتل والتدمير، و«إعادتها إلى العصر الحجري»، وترك السكان يغالبون حزنهم، ويمارسون أعباء حياتهم بين الأنقاض، دون كهرباء أو ماء، بضع سنوات أخرى.

يتسحاق ليئور - كاتب إسرائيلي

تويتر