جردة حساب لحرب الـ 50 يوماً في غزة

إسرائيل لم تعد قادرة على الــعيش بالسيف إلى الأبد

صورة

كانت هذه الحرب الأكثر وحشية من أي وقت مضى، وانتهت، أول من أمس، بالضبط كما بدأت، واكتسحت في طريقها جراحات لا تحصى ولا تعد، كان نصيب الفلسطينيين منها الأكبر، ونصيب الإسرائيليين الأعمق، انتهت حرب الـ50 يوماً من دون منتصر، لكن احتفلت غزة الليلة قبل الماضية، بدرجة معينة من المبررات.

ليس هناك عدالة في هذه الحرب، كلا الجانبين ارتكب جرائم حرب، ومع ذلك، يجب ألا ننسى الدرس الأول: وهو حدود القوة العسكرية، إذ لم تسعفنا قنابلنا الذكية، ولا المئات من طائراتنا، لم تساعدنا على كسب الحرب. وكتب المحلل الفلسطيني اللامع، معين رباني، على صفحة الـ«فيس بوك»، (أول من) أمس، «عندما يصل أحد الجيوش إلى نقطة تدمير المباني السكنية، كما لو أنه مهندس بلدية، فليس من الممكن أن نعتبره جيشاً خطراً».

«حماس» زادت قوة، على الرغم من محاولات الدعاية الإسرائيلية التقليل من ذلك. غزة المحطمة أصبحت أيضاً أقوى، حيث إن وضعها، على الأقل في الوقت الراهن، سيقض مضاجع إسرائيل والعالم، فلو لم يكن لديها صواريخ، لما حفل بها أحد.

دفعت غزة دماء باهظة، كما نزفت إسرائيل أيضاً، وإن كان بنسبة أقل. ولكن ورقة الجرد الإسرائيلية تشمل أيضاً المزيد من التقهقر في مكانتها الدولية وربما أسوأ، كما أن الجروح المفتوحة ستعمل على إضعاف النظام الديمقراطي، ولن تلتئم بسرعة. ومن ناحية أخرى، أصبحت «حماس» منظمة تمثيلية ــ تمثل الشعب الفلسطيني ــ حتى بالنسبة لإسرائيل، ونموذجاً للمقاومة الصامدة، على الأقل لشعبها.

لكن الاختبار الحقيقي لهذه الحرب لايزال أمامنا، هذه الحرب العبثية قد تتمخض عنها فوائد أخرى، إن كان للحروب فوائد، وإن كان على إسرائيل أن تتعلم منها دروساً. ويستحق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي فقد شعبيته جراء هذه الحرب، يستحق الإعجاب، فهو، خلافاً لزملائه، عرف على الأقل متى ينهي هذا الرعب، وفعل ذلك الليلة قبل الماضية، ربما سيعلم لاحقاً أنه لم يكن لديه القدرة على إنهاء الحروب فحسب، بل فتح صفحة جديدة.

لن تستطع إسرائيل كسب هذه الحرب، إلا من خلال الالتزام مع خصمها بمطالبه العادلة، وذلك بفتح غزة على العالم، وبدء المفاوضات حول مستقبل الأراضي المحتلة. لا جدوى لـ«التفاهمات» التي قد تجلب بسرعة «العملية» التالية، ولكن الالتزام بنهج جديد لغزة ولحركة حماس والشعب الفلسطيني بأكمله. ولا مزيد من التقاط الصور مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن تنظيم مفاوضات جادة تهدف إلى صنع السلام مع حكومة الوحدة الفلسطينية. نشك في أن نتنياهو يمكنه فعل ذلك أو يرغب في فعله، ولكن خلال الأيام الـ50 الماضية أخبره العالمان الغربي والعربي على حد سواء، أن هذا هو الخيار الوحيد وليس هناك سبيل آخر، وخلال الـ50 يوماً الماضية، أخبرته غزة أن إسرائيل لم تعد تستطيع العيش إلى الأبد بالسيف. وعلى مدى الـ50 يوماً الماضية، امتلأت المقابر بالجثث، وفاضت المستشفيات بالجرحى، وتكدست الأنقاض فوق بعضها، وفاضت الكراهية والخوف ليتدفقا خارج ضفتيهما. إلا أن هذه السحابة يمكن أن يكون من خلالها بصيص من الأمل، فربما تغير إسرائيل نهجها للمرة الأولى في تاريخها. وكم يبدو هذا سخيفاً الآن أن تنتهي هذه الحرب الملعونة دون أن نتصور أملاً على الأقل!

جدعون ليفي - كاتب إسرائيلي مؤيد للسلام

تويتر