يتهم أنقرة بالتهاون حيال خطر ميليشيات «داعش»

الغرب يخشى سقوط مناطق حدودية تركية ــ سورية بيد «الجهاديين»

صورة

تتقدم ميليشيات تنظيم «داعش» نحو الحدود بين تركيا وشمال غرب سورية، لتأمينها كبوابة رئيسة، للسماح بدخول المجندين للانضمام إلى «داعش»، التي احتلت مناطق كبيرة في معظم شرق سورية وغرب العراق. وزحفت أعداد كبيرة من عناصر «داعش» في بداية الأسبوع الجاري، نحو المنطقة الحدودية التركية، التي تبعد نحو 60 ميلاً إلى الشمال من مدينة حلب، في أرتال من الشاحنات المدرعة التي غنموها من القواعد العسكرية العراقية المهجورة، وتعد هذه المنطقة الآن واحدة من أكثر خطوط الجبهة نشاطاً، في خضم محاولة هذه الميليشيات إعادة رسم حدود بلاد الشام، وهي الحملة التي سيكون لها تداعيات ضخمة على تركيا.

صعوبة التعرّف إلى الجهاديين

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/08/185881.jpg

جهاديون بريطانيون في سورية. أرشيفية

طالبت الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة تركيا خلال الأشهر الـ18 الماضية، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ببذل المزيد من الجهد، لوقف تدفق الجهاديين عبر حدودها مع سورية. ويصرّ المسؤولون في أنقرة في البداية على أن هناك القليل الذي يمكنه القيام به في هذا الشأن، وانها تجد صعوبة في التمييز بين الحجاج العابرين للأراضي التركية، وبين من يعتزمون الانضمام إلى الجهاديين في سورية والعراق.

ويصرّ مسؤولو الاستخبارات الأتراك أن على البلدان التي تشك بأن مواطنيها سينضمون إلى المتطرفين أن تدق ناقوس الخطر قبل سفرهم إلى هناك، ومع ذلك تشعر الحكومات الأوروبية بالإحباط بشكل متزايد، بسبب ما تعتبره هذه الدول عدم جدية تركيا في مواجهة الجهاديين، لأنهم قد يزعزعون استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما تعتقد هي.


تسليح وتمويل ذاتي

الحدود التي يستخدمها الجهاديون للتسلل إلى سورية هي مزيج من السهول المنبسطة والوعرة، والكثير منها تصعب المناورة فيه. ومنذ مايو 2012، سمح المسؤولون الأتراك بتهريب الأسلحة والإمدادات إلى جماعات المعارضة السورية المعترف بها. ولم تعتمد ميليشيات «داعش» على جهة أجنبية لبناء قدراتها، وبدلاً من ذلك لجأت إلى نهب الأسلحة من الجيوش النظامية والأموال من البنوك، وإضافة إلى ذلك باعت إلى المسؤولين الأتراك نفطاً من الحقول التي سيطرت عليها في شرق سورية.

ويقول السكان والمعارضة السورية المسلحة في بلدة مارع القريبة من الحدود التركية، إن ميليشيات «داعش» وصلت إلى مرمى البصر من المدينة، وأرسلت مبعوثين من أجل التفاوض لعبور المنطقة.

ويقول أحد المقاتلين من «الجبهة الإسلامية»، «يمكنهم اكتساح المنطقة مثل المغول إن أرادوا ذلك، لكنهم يحاولون أن يكونوا لطفاء نوعاً ما، لقد تعاملنا معهم من قبل، ولم نتصالح معهم حتى الآن، وقد نشتبك معهم».

وخاضت المعارضة السورية حرباً مريرة ومكلفة مع ميليشيات «داعش» في المنطقة نفسها في يناير الماضي، وتم طردهم من الأرض التي كانوا يستخدمونها كنقطة تجمع للمقاتلين الأجانب، وللانطلاق داخل العراق، وكلفت تلك المعركة، التي استمرت ستة أسابيع، حياة أكثر من 2500 من مقاتلي المعارضة، وسمحت للنظام السوري، بالتعاون مع مؤيديه، بتطويق حلب ببطء من الشمال الغربي، وهي خطوة من المرجح أن تكون حاسمة في الحرب الأهلية السورية.

ومنذ تلك المعركة تباطأ تدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية للانضمام إلى مقاتلي ميليشيات «داعش»، وتريد هذه الميليشيات الآن أن تعكس هذا الوضع، ما يسهل الدخول لمن يريد الانضمام إليها عبر شريط بطول 130 ميلاً من الحدود كان تستخدمه من قبل الأغلبية العظمى من المقاتلين الأجانب، بمن في ذلك الجهاديون البريطانيون والأوروبيون. كما أن الحدود التركية هي الطريق الوحيد لتهريب النفط والأسلحة والمقاتلين الأجانب إلى داخل العراق وسورية.

ويقول الخبير العراقي في شؤون ميليشيات «داعش»، الدكتور هشام الهاشمي، إنه إذا تم إغلاق هذه النقطة «فإنها ستحرم هذه الميليشيات من ثلاثة أشياء: التمويل، ودخول المقاتلين الأجانب، والارتباط بأوروبا، فإذا فشلت الميليشيات في السيطرة على هذا المنفذ، فإنها ستتجه إلى بوابة أخرى هي لبنان».

وحثّ الرجل الذي نصب نفسه خليفة لـ«داعش» الجديدة، أبوبكر البغدادي، البيروقراطيين والقضاة والإداريين والأطباء على الانضمام إلى ما يزعم بأنها ستكون منطقة حكم مستقل في معظم أنحاء العراق وسورية، تحكمها الشريعة الإسلامية المتشددة، ولا تعترف بالحدود القائمة.

وتعتقد بعض الجهات أن الشرطة الوطنية التركية هي أكثر استعداداً لاعتراض ميليشيات «داعش» من وكالة الاستخبارات الوطنية التركية، ومع ذلك، يعتقد بعض المراقبين أن الشرطة قد تم تهميشها في خضم الصراع على السلطة الذي يخوضه الرئيس التركي المنتخب، رجب طيب أردوغان، الذي أعطى المسؤولية عن الجهاديين إلى وكالة الاستخبارات التركية الوطنية.

ويقول مسؤولون غربيون إنهم يضطرون إلى التعامل بحذر عندما يتحدثون إلى مسؤولين أتراك حول حاملي جوازات السفر الأجنبية المشتبه في محاولتهم السفر إلى سورية عبر تركيا، وان استخدام تلك الدول مصطلح «متطرف» أو «إرهابي» في المراسلات الرسمية، ليس من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة ما، لكن المسؤولين الأتراك يكونون أكثر استعداداً للتعامل إذا ما تم تقديم استفسارات إليهم حول «أولئك الذين يسيئون استخدام الدين».

وتدور معركة حقيقية بشأن الحساسية العميقة المحيطة بموضوع التهديد المتنامي للمطرفين في المنطقة، إذ إن بعض كبار الشخصيات في الشرق الأوسط وأوروبا يعتقدون أن تركيا سهلت دخول الجهاديين إلى سورية والعراق، سواء من خلال الإهمال أو تطبيق سياسة غير معلنة.

ويقول أحد الزعماء الإقليميين، «دعونا نرَ كيف يتفاعلون مع أحدث زحف ميليشيات (داعش) نحو حدودهم»، ويضيف أنه «لأكثر من سنة حتى الآن ظل الناس يقولون لهم إن الأمور أصبحت خارج نطاق السيطرة، ويطالبونهم بإغلاق الحدود في الحال، بحيث لا تتمكن هذه الميليشيات من السيطرة على المنطقة».

ويقول الهاشمي إن أنقرة ستضطر لاتخاذ إجراء ما هذه المرة، وستغلق الحدود، لأنها لم تعد تثق بميليشيات «داعش» بعد هجومها على كردستان العراق، ويفهمون الآن أن هذه الميليشيات قد تتحول ضدهم.

وتمضي هذه الميليشيات في ترويع المنطقة، مع قدرتها على خوض معارك متزامنة على جبهات عدة، وهذا ما أثبتته خلال الفترة القصيرة الماضية في سورية، عندما تقدمت نحو الشمال، وفي الوقت نفسه استولت على قاعدة جوية من بقايا النظام في شرق سورية. وكانت تعزيزات النظام السوري تدافع، السبت الماضي، عن القاعدة، المعروفة باسم مطار الطبقة، عندما استولت عليها ميليشيات «داعش»، وكان يوجد فيها من 800 إلى 1000 جندي وطيار، إضافة إلى الطائرات المقاتلة، التي لاتزال متمركزة هناك، حيث إن انعزال هذه القاعدة يجعل من الصعب على النظام التمسك بها.

تويتر