اتخذتها تل أبيب ذريعة لمواصلة التملص من الالتزام باتفاق أوسلو

«الجرف الصامد» تستهدف منع قـيام الدولة الفلسطينية لا هزيمة «حماس»

صورة

تتفق جميع الدول الاستعمارية على سلب إرادة السكان الأصليين بالقوة، ولهذا يصبح الهدف الأساسي للمستعمر هو أن تظل تلك الشعوب ضعيفة بقدر الإمكان، ولا يختلف الحال مع إسرائيل، التي تعتبر الدولة الفلسطينية عقبة أمام هذا الهدف، لأنها تقوي من إرادة الفلسطينيين وتلغي مزاعم إسرائيل بأحقية الأرض الفلسطينية، وسيطرتها على حدودهم، ووضعهم تحت الحصار، وقصفهم عند الحاجة. وهذا هو السبب في رفض حزب الليكود، الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، صراحة ب«إقامة دولة عربية فلسطينية غرب نهر الأردن»، ولهذا السبب أيضا اغتيل رئيس الوزراء السابق، اسحق رابين لمجرد اقتراحه حكم ذاتي محدود للفلسطينيين. وهذا هو السبب الذي حدا بالحكومات الاسرائيلية المتعاقبة إفشال كل مقترح لإقامة دولة فلسطينية، مهما كان محدوداً ومشروطاً.

عملية «حارس الأخ»

سمحت هذه العملية لإسرائيل المضي قدما في تنفيذ مخططها الرامي إلى وأد الدولة الفلسطينية على جبهات عدة : أولا، اشعال فتيل التوتر بين حركتي«فتح» و«حماس»، إذ إن اتفاقية التعاون الاسرائيلي الحالية مع «فتح» تلزم الاخيرة بالتعاون مع القوات الاسرائيلية لمطاردة عناصر «حماس» المتهمة بالاختطاف في الضفة الغربية والذي من شأنه أن يؤدي إلى انعدام الثقة بين الحركتين. ويعني انهيار مشروع حكومة الوحدة الوطنية، مما يمنح اسرائيل مزيدا من المبررات لتفادي المفاوضات مع الفلسطينيين بحجة أنهم غير موحدين. وفي حين أن معظم الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي بدأت في الاقتناع بالموقف الفلسطيني والقاء اللوم على إسرائيل المتعنتة، استغلت اسرائيل هذا الوضع الجديد لكي تقنع المجتمع الدولي ان «حماس» منظمة ارهابية، وان اسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها للحد الذي جعل مجلس الشيوخ الأميركي يصوت بالإجماع لدعم العدوان الإسرائيلي ضد غزة. ثالثا، كان الهجوم فرصة لتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية التي من شأنها أن توافر الأساس لقيام دولة فلسطينية.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/08/184400.jpg

 إسرائيل تخشى أي تقارب بين حركتي «فتح» و«حماس». رويترز - أرشيفية

خلال ثلاث سنوات من اتفاق أوسلو عام 1993، والذي وعد بالحكم الذاتي للمناطق الفلسطينية، حث وزير الخارجية آنذاك، أريئيل شارون، على سبيل المثال،«جميع الاسرائيليين على الاستيلاء على العديد من قمم التلال قدر الإمكان» من أجل تقليل حجم وجدوى المنطقة التي ستسيطر عليها السلطة الفلسطينية. ولم تختلف في ذلك حكومة رئيس وزراء حزب العمل، إيهود باراك عام 1999، والذي أعلن «الالتزام المستديم من جانب الحكومة الاسرائيلية لتجنب الامتثال الكامل لاتفاق أوسلو»، وفقا لما رواه الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر.

خطة السلام السعودية في عام 2002، مثلت هي الأخرى مشكلة بالنسبة لإسرائيل، على الرغم من قبولها من قبل 22 دولة عضو في جامعة الدول العربية، وترحيب الولايات المتحدة بها، وتشترط التطبيع الكامل للعلاقات بين اسرائيل والدول العربية في مقابل دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 (أي دولة على 22% فقط من أراضي فلسطين التاريخية).

في عام 2003 وضعت الولايات المتحدة والامم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، أو ما يسمى ب« اللجنة الرباعية»، خطة «خريطة الطريق» للسلام، والتي ترتكز، مثل الخطة السعودية، على مبدأ إقامة دولة فلسطينية كشرط أساسي للسلام الدائم. وفي حين قبلت إسرائيل علنا «خريطة الطريق»، لكنها وراء الكواليس وضعت 14 شرطاً جعلت هذه الخريطة بلا معنى. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك محاولات أميركية شتى لاستئناف «المفاوضات حول خريطة الطريق هذه، على الرغم من المعارضة الواضحة لإسرائيل لإقامة دولة فلسطينية. وفي الجولة الأخيرة، التي بدأت في يوليو عام 2013، وافق الفلسطينيون- الذين قبلوا بالفعل بالتخلي عن 78% من فلسطين التاريخية التي تم احتلالها قبل عام 1967- وحتى على التخلي عن مطلبهم القاضي بأن ترتكز المحادثات على أساس حدود عام 1967. وتبرر اسرائيل عدم أخذ المفاوضات على محمل الجد بزعمها بوجود «إرهاب فلسطيني« و»انقسام فلسطيني». أي انها تدعي عدم وجود »شريك للسلام«، مع غياب كيان واحد يمثل كل الفلسطينيين.

في عام 2006، بعد انتخاب حركة (المقاومة الإسلامية) «حماس»، دعمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل فعال تلك المزاعم الاسرائيلية، وانضمت إلى إسرائيل في رفضها ل «حماس» وعدم الاعتراف بها كهيئة حاكمة تمثل السلطة الفلسطينية. ولم تعترف اسرائيل أو مؤيديها الدوليين بهذا الكيان حتى بعد تشكيل حكومة وحدة مع حركة »فتح« في العام التالي، حيث يشكل الطرفان معاً 86% من الصوت الفلسطيني، لكنهم اعترفوا بدلا عن ذلك بحكومة برئاسة سلام فياض، الذي حصل حزبه فقط على 2% في انتخابات العام الماضي.

ومع ذلك، كان رد الفعل مختلف جدا حيال حكومة الوحدة الوطنية الأخيرة التي أعلن عنها في ابريل من هذا العام، والتي اتفق بشأنها كل من «فتح» و«حماس» في محاولة لإنهاء العزلة وفك خناق قطاع غزة، على الرغم من أن هذه الحكومة لا تضم عضو واحد من «حماس»، وعلى الرغم من أنها، كما جاء نقلا على لسان مسؤول فلسطيني كبير في صحيفة «تايمز أوف إسرايلي»، تلتزم بشروط اللجنة الرباعية، وتعترف بإسرائيل وتصدق على جميع الاتفاقيات الموقعة وتنبذ العنف، ورحبت بها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولم يعد لإسرائيل أي مزاعم بشأن «الانقسام الفلسطيني» أو «الإرهاب» لاتخاذه ذريعة لرفض الانخراط في محادثات السلام بعد أن وافقت «حماس» بشدة بشروط وقف إطلاق النار لعام 2012، وليس فقط وقف إطلاق الصواريخ الخاصة بها، وإنما أيضا منع أي هجمات صاروخية من قبل جماعات فلسطينية اخرى في غزة. وحدث هذا على الرغم من الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار من جانب إسرائيل - حتى قبل أن يجف الحبر الذي وقع به الاتفاق - حيث رفضت رفع الحصار، كما هو مطلوب بموجب شروط وقف إطلاق النار، واستمرت في هجماتها على الفلسطينيين، مما أسفر عن مقتل أربعة وتشويه ما يقرب من 100 آخرين في أول ثلاثة أشهر من «وقف إطلاق النار».

وبدا أن رواية نتنياهو عن استحالة المفاوضات بسبب الإرهاب والانقسام الفلسطيني لا يدعمها الواقع الجديد على الأرض، ولم يعد مؤيديه الاميركيين والاوروبيين يقتنعون بروايته هذه، وردت الحكومة الإسرائيلية على حكومة الوحدة الوطنية بما يمكن وصفه بأنه حرب اقتصادية، عندما منعت 43 ألف موظف خدمة مدنية في قطاع غزة من الانضمام إلى راتب الحكومة في رام الله، وشددت الحصار حول حدود غزة، وبالتالي حرمت الجانبين من الاستفادة من ثمرات الوحدة، كل ذلك ولا تزال «حماس» متمسكة من جانبها بوقف إطلاق النار.

وكان نتنياهو بحاجة لاستفزاز من «حماس» للرد عليه، و مثل هذا الرد سيجعله يصورهم مرة أخرى بالإرهابيين المتعطشين للدماء الذين لا يمكن التفاوض أبدا معهم، وهذا من شأنه أيضا أن يوفر له الفرصة لموجة أخرى من التدمير في غزة، ويفاقم التوترات داخل حكومة الوحدة بين «فتح» و«حماس».

بعد تسعة أيام من تنصيب حكومة الوحدة الوطنية، في11 يونيو الماضي، شن الجيش الإسرائيلي غارة على غزة قتل فيها صبي في ال 10 من عمره كان يركب دراجة، وعلى الرغم من ذلك ظلت «حماس» متمسكة بوقف أطلاق النار. وفي اليوم التالي، وفر اختطاف ثلاثة من المستوطنين الإسرائيليين فيما يبدو في الضفة الغربية المبرر لإسرائيل لاتخاذ مزيد من الاجراءات على نطاق أوسع، بعد أن زعمت أن «حماس» هي التي قامت بالاختطاف من دون أن تقدم أي أدلة، حيث استخدم نتنياهو ذلك ذريعة للهجوم على قيادة «حماس» في الضفة الغربية، ونفذت اسرائيل عملية «حارس الأخ» اعتقلت خلالها 335 من زعماء «حماس» بما في ذلك أكثر من 50 آخرين أفرج عنهم للتو بموجب خطة تبادل الأسرى، وهدمت أكثر ألف منزل، وكتب الناشط اليهودي، نعوم تشومسكي معلقا على ذلك بأن «عملية ال 18 يوما نجحت في تقويض حكومة الوحدة الوطنية المخيفة» بالنسبة لإسرائيل. وردت «حماس» على ذلك بإطلاق الصواريخ مما وفر لنتنياهو ذريعة شن عملية «الجرف الصامد».

دان غليزبروك صحافي سياسي، ومؤلف كتاب «قسم ودمر: استراتيجية الغرب الامبريالية في عصر الأزمات»

تويتر