بيروت ترفض السماح لهم بالعودة بعد المغادرة لأداء الامتحانات في سورية

أزمة إنسانية لطلاب الثانوية الســـوريين والفلســـطينيين اللاجئـين في لبنـــــان

سياراتان مدمرتان بجوار مدرسة مدمرة بفعل الاشتباكات في حلب. أ.ف.ب

شهدت وعرفت بنفسي أن كثيراً من اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من جحيم الاقتتال في سورية في أغسطس الماضي، اضطروا لقطع المسافة الطويلة بين نقطة العبور الحدودية السورية اللبنانية عند بلدة المصنع ومخيم الجليل للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة بعلبك، سيراً على الأقدام لأنهم لم يكونوا يملكون أي مال.

ولا يختلف حال اللاجئ الفلسطيني كثيراً عن حال السوري الذي لجأ إلى لبنان، فكلاهما يبحث عن لقمة العيش والمأوى الآمن وسط معاناة اللبنانيين من أزمة حكومية. ووجد اللبنانيون أنفسهم بعد انتهاء الحرب الأهلية في بلدهم أن من كانوا أمراء الحرب عينوا أنفسهم أوصياء وزعماء سياسيين عليهم لا يتم انتخاب رئيس لبناني أو اختيار رئيس للوزراء أو تشكيل حكومة إلا بتوافقهم.

كما أنهم لا يفوتون فرصة لضرب اللاجئين الفلسطينيين بكل عنف أو سحقهم إذا أمكن لأغراضهم السياسية.

دخول أي فلسطيني إلى لبنان ممنوع

إذا كان وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أحدث العازفين على نغمة أن الدستور اللبناني يمنع تطبيع وضع اللاجئين الفلسطينيين وتجنيسهم، فإنه بالتأكيد لن يكون آخر العازفين، فالأمن العام اللبناني (الدرك)، ووزارة الداخلية اللبنانية هما من ضمن فرقة العازفين على هذه النغمة واللاعبين بالورقة الفلسطينية في هذه الأيام، لخدمة أغراض سياسية لطرف لبناني أو أكثر. ومن الأمثلة الكثيرة على ما يلقاه اللاجئون الفلسطينيون الذين يدخلون لبنان ما أعلنه الأمن اللبناني الأسبوع الماضي من أن دخول أي فلسطيني إلى لبنان ممنوع منعاً قطعياً حتى لو كان هارباً بحياته للبقاء على قيد الحياة، وأنه لا بد له من تحقيق واحد من ثلاثة شروط: أن يكون لديه موافقة مسبقة من الحكومة اللبنانية، أو لديه تصريح بالإقامة الدائمة في لبنان، أو أن يكون دخوله ضمن حالة المرور أو الترانزيت، وفي هذه الحالة يمكنه البقاء في لبنان 24 ساعة على أن يغادر خلالها فوراً، وبالنسبة للشرطين الأول والثاني يبدو تحقيق أي منهما أمراً مستحيلاً بالنسبة لأي لاجئ فلسطيني.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/05/146243.jpg

جبران باسيل: الدستور اللبناني يمنع تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.


تدمير وتضرر 4000 مدرسة

معروف تاريخياً ودولياً أن سورية تتمتع بنظام تعليمي قوي ومتماسك وجاد من مرحلة الروضة حتى انتهاء الدراسة الجامعية، لكن مع تدمير وتضرر أكثر من 4000 مدرسة فإن أكثر من نصف مليون من الطلاب والطالبات السوريين والفلسطينيين اضطروا إلى مغادرة سورية مع حرمانهم من المدارس، أو الالتحاق بأي عملية تعليمية.

وعلى الرغم من كل التداعيات الخطيرة للوضع الأمني في سورية، فإن آلاف الطلاب الفلسطينيين والسوريين يلتزمون بالحضور إلى مدارسهم والانصراف منها في ظل استمرار القصف وانقطاع الكهرباء والخوف من المجهول والبطالة التي يعانيها الآباء وأولياء الأمور، ويخشى هؤلاء عدم تمكنهم من أداء امتحانات الثانوية لهذا العام.

ومن المتعارف عليه في الثقافة السياسية اللبنانية أن تجنيس اللاجئين الفلسطينيين أمر محظور، لأنه يضر بالخارطة الديموغرافية، وأن التحريض ضدهم أمر عادي، وهذا أمر قيد النقاش حالياً في معركة محاولة انتخاب رئيس لبناني جديد خلفاً للرئيس ميشال سليمان.

وحصل المرشح سمير جعجع قائد جبهة القوات اللبنانية على 48 صوتاً من إجمالي 86 هم جميع أعضاء البرلمان. والحقيقة المعروفة جيداً في لبنان والعالم العربي هي أن اللاجئين الفلسطينيين تم حرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية للإنسان، وتلقوا، منذ وصولهم إلى لبنان قبل عقود، المعاملة الأسوأ من أي مكان من العالم بما في ذلك الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، ما زادهم تصميماً وتركيزاً على حقهم في العودة إلى وطنهم.

وقبل أيام أبلغت الحكومة اللبنانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بأنه يمكنها أن تغض الطرف عن هذه الشروط والإجراءات، وتبدي مرونة كبيرة في حالات الضرورة الإنسانية، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع. ولاحظ المراقبون الصحافيون أنه لم يتم السماح لـ30 من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية بالدخول من نقطة عبور بلدة المصنع الحدودية إلى لبنان، باستثناء اثنين فقط منهم للتوجه إلى مطار بيروت للحاق برحلتيهما الجويتين المتجهتين إلى أوروبا.

والطالبة الفلسطينية رشا حلبي (18 عاماً) من مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين واحدة من عشرات الآلاف من الطلاب الفلسطينيين والسوريين الذين يستعدون لتأدية امتحانات الثانوية العامة، لكن جحيم الوضع القائم في سورية يمنعهم من ذلك ويحرمهم من وجود القاعات والمقاعد والمراقبين والمشرفين.

وكشأن الآلاف من غيرها من أولياء الأمور الفلسطينيين والسوريين، فقد وضعت نور والدة الطالبة رشا حلبي منذ أكثر من خمسة أشهر لابنتها وعائلتها جملة من القواعد والإجراءات، لتمكين ابنتها من مواصلة التحصيل والدراسة ضمن الاستعدادات لأداء امتحانات البكالوريا، مثل منع التلفزيون والهاتف الجوال والإنترنت و«فيس بوك» والدردشة بالنسبة لرشا، إضافة إلى منعها من اللقاءات مع زميلاتها الطالبات أو التحدث معهن قبل الانتهاء من الامتحانات، حيث تقول الأم «هذه الامتحانات فيها مستقبل رشا وحياتها».

ويبدو أن رشا وكثيراً من الطلاب الفلسطينيين غيرها لن يتمكنوا من أداء امتحانات المرحلة الثانوية، فقد اضطرت أسرة رشا إلى الفرار من منزلها للنجاة والفرار بحياتها من جحيم القصف الذي تعرض له مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين قبل خمسة أشهر، واضطرت إلى عبور الحدود السورية إلى لبنان للالتحاق بأقارب لها في مخيم عين الحلوة القريب من صيدا جنوب لبنان، ثم أبلغت سلطات الأمن اللبنانية هذه الأسر أنه إذا غادر أبناؤها وبناتها أو غادرت هي معهم عائدين إلى سورية لأداء امتحانات الثانوية، فلن تسمح لهم جميعاً بالعودة إلى لبنان مرة أخرى بأي حال من الأحوال.

وتبدو وكالة «أونروا» غارقة في سلسلة من المشكلات التي لا تمكنها من أي تدخل لحل مشكلة آلاف الطلاب الفلسطينيين والسوريين الموجودين في لبنان، وتمكينهم من تأدية امتحانات الثانوية، بينما توقع صحافيون أنها غير راغبة في التدخل.

ويقول مسؤولون في وزارة التعليم السورية، إنهم ينظرون بكل جدية في ما يمكن عمله لتمكين جميع الطلاب من تأدية تلك الامتحانات، بينما تزداد الضغوط النفسية على رشا وعشرات الآلاف غيرها مع اقتراب موعد اليوم الأول للامتحانات في حين أن حل هذه المشكلة الإنسانية هو بين يدي سلطات الأمن اللبنانية التي يمكنها أن تصدر تصريحاً أمنياً خاصاً يسمح للطلاب الفلسطينيين والسوريين الموجودين في لبنان بالسفر إلى سورية لتأدية الامتحانات، ثم العودة إلى لبنان، وقد يكفي اتصال هاتفي من مسؤول في البيت الأبيض أو طهران مع بعض المسؤولين اللبنانيين لحل هذه المشكلة التي يرتبط بها مصير عدد كبير من الطلاب الفلسطينيين والسوريين، فهل يحدث مثل هذا الاتصال الهاتفي، أو أن يتم طرح المشكلة على الإنترنت و «فيس بوك» و«تويتر» للنقاش والتداول للتعامل معها إنسانياً؟ وعلمت أسرة رشا قبل أيام قليلة من سلطات جامعة ستراسبورغ الفرنسية، أن الجامعة قررت تقديم منحة دراسية كاملة لابنتها المتفوقة إذا تمكنت من تأدية امتحانات الثانوية وحصلت على نتائج جيدة ومرتفعة فيها، ويبقى الأمل في تغير الموقف الرسمي اللبناني.

فرانكلين لامب

 

تويتر