عرض كيري يقل كثيراً عن «خريطة الطريق» و«مبادرة السلام العربية» و«اتفاق أوسلو»

مفاوضات السلام تواجه حالة فشل تاريخي

صورة

بعد أن فرضت الولايات المتحدة موعد 29 أبريل الجاري موعداً نهائياً لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية للتوصل إلى «اتفاق إطار» عام للسلام بين الجانبين، تعثرت تلك المفاوضات وباتت مهددة بالانهيار. ويبدو أن الوقت ينفد سريعاً، ليس بالنسبة للمفاوضات وإنما لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي يتعين عليها إيجاد مخرج يجنب الجميع أزمة تؤدي إلى فشل المفاوضات وانهيارها. ويدرك الأميركيون جيداً منذ البداية انه في ظل الظروف الحالية فإن تحقيق السلام يبدو بعيد المنال، فالحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو شديدة العداء للفلسطينيين والعرب، ومناهضة للسلام، وتعارض التوصل إلى أي اتفاق، لانها ترى أن مثل هذا الاتفاق سينهار بفعل سياسات الاحتلال وممارساته الاستعمارية في السيطرة والهيمنة، ومصادرة أراضي الفلسطينيين لاغراض التوسع الاستيطاني، وضم مساحات وأقسام منها، إضافة إلى ضم أماكن دينية وأحياء مقدسة، ورفض رسم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية التي تدور المفاوضات حول إنشائها.

وبعد حرب 1967 شهدت الاوساط السياسية في إسرائيل نقاشاً وجدلاً حول تصور الوزير السابق ييغال ألون لإسرائيل جديدة، وقد ضمت مناطق فلسطينية جديدة ضمن مفهومه «إريتز يسرائيل» (أرض إسرائيل). ولا يبدو أن رئيس الوزراء الجاري نتنياهو، المدعوم بواحدة من أكثر حكومات اليمين تطرفاً في تاريخ إسرائيل، راغباً في مساومة الفلسطينيين والتفاوض معهم حول ما يعتبره «أرض إسرائيل»، في إطار حل يعيد إليهم الحد الادنى من حقوقهم. ومن غير المعقول القول إن الأميركيين لم يكونوا على علم بعدم اهتمام إسرائيل بالعملية السلمية والوفاء بما عليها من تعهدات والتزامات مستحقة بموجبها. ويحرص المتطرفون في اليمين الاسرائيلي على تذكير الولايات المتحدة بأن المسؤولين الأميركيين لا يكفون عن إلحاق الأذى بإسرائيل من خلال حديثهم عن افتقادها لأدنى رغبة أو اهتمام بجهود تحقيق السلام. وعانت الادارات الأميركية السابقة من اخفاقات تامة في الماضي لأنها استثمرت الوقت والجهد والموارد، والسمعة، وصولاً إلى إدارة أوباما، من أجل التوسط للتوصل لاتفاق. وهناك تفسيرات عامة ومتعارف عليها لهذه الاخفاقات، منها رفض أي ضغط أميركي على إسرائيل، وتدخلات اللوبي الصهيوني المؤيد لها في واشنطن. ومنذ بدء المفاوضات خفض وزير الخارجية الأميركي جون كيري من سقف توقعاته وآماله بشأن المفاوضات، وحاول قدر استطاعته الابقاء على سرية جهوده وخططه بشأن عملية السلام، تاركا المحللين في حيرة وتردد بشأن التكهن بسير المحادثات بين مفاوضي الجانبين، غير أن السرية لم تستمر طويلاً. واستناداً إلى ما ذكرته مصادر فلسطينية لصحيفة «القدس» الفلسطينية، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس انسحب من اجتماع مع كيري في باريس أواخر فبراير الماضي، لأن ما طرحه الأخير لم يلبِ الحد الادنى من آمال الجانب الفلسطيني وتطلعاته. وأشارت المصادر إلى ان خطة كيري للسلام لم تكن أكثر من إعادة صياغة وإنتاج لكل ما حاولت إسرائيل يائسة فرضه على الفلسطينيين بالقوة أو الدبلوماسية. ومن ضمن ما جاء في الخطة تجريد الفلسطينيين من آمالهم في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم، ونقل هذه العاصمة إلى ضاحية بيت حنينا الملاصقة، والابقاء على 10 كتل استيطانية أقيمت على الاراضي الفلسطينية ضمن حدود إسرائيل لتلبية احتياجاتها الامنية، إضافة إلى أن منطقة أغوار الاردن لن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية، ولن ترابط فيها قوات دولية، إّ ستبقى تحت الاحتلال الاسرائيلي تحت مسمى آخر. ولعل هذا يدفعنا إلى القول إن من الصعوبة أن نفهم كيفية اختلاف ما يقترحه كيري عما هو قائم حالياً على أرض الواقع. ومن السهل ملاحظة أن ما يعرضه كيري والاسرائيليون يقل كثيراً عن خطة «خريطة الطريق»، و«المبادرة العربية للسلام»، وحتى عن «اتفاقات أوسلو». ويرى كثيرون أن عملية السلام تمر بحالة فشل وانهيار تاريخي، وأن هدفها الحقيقي لم يكن في يوم من الايام الوصول إلى سلام حقيقي نهائي قابل للاستمرار، وإنما تأمين المكاسب التي تحققها إسرائيل بالوسائل العسكرية ومن خلال سياسات الاحتلال.

ومع مضى الأعوام، بدت عملية السلام استثماراً أميركياً في الشرق الاوسط واستمرارية للوضع الراهن ومبرراً للأهمية السياسية. وفي عهدي الرئيسين السابقين جورج بوش الاب والابن تزامنت عملية السلام مع حربين على العراق. وجاء مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط في اكتوبر 1991 لتوجيه رسالة بضرورة تحقيق التوازن بين دبلوماسية تحقيق السلام والاستخدام المفرط للقوة العسكرية الذي زاد من اضطراب منطقة الشرق الاوسط. كما جاءت «خريطة الطريق» للسلام في الشرق الاوسط في فترة غزو أفغانستان واحتلالها وقبل أشهر من غزو العراق، وبعد انتقادات لاذعة تلقاها جورج بوش الابن، الذي وصف على نطاق واسع بانه «رئيس حرب»، ويفتقر إلى رؤية للسلام. وتمت صياغة «خريطة الطريق» وبلورتها بمساعدة كبيرة من عناصر وشخصيات من المحافظين الجدد المعروفين بتأييدهم الأعمى لإسرائيل وسياساتها، بالتشاور والتنسيق مع قوى اللوبي المؤيد لها في الولايات المتحدة ، ومع ذلك لم تنج بنود «الخريطة» من تحفظات الحكومة الإسرائيلية آنذاك برئاسة أرييل شارون وتعديلاتها المقترحة التي أدت إلى إفشال تلك «الخريطة». وبعد انتهاء ولاية جورج بوش الاب، جاء الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون ليقود جهوداً كبيرة لتحقيق اختراق في عملية السلام، تم تتويجها بمحادثات كامب ديفيد في عام 2000.

وعلى مدى أربعة عقود أصبحت عملية السلام في الشرق الاوسط رمزاً لدبلوماسية الاستقرار في الشرق الاوسط، فصارت استثماراً يسير بالتوازن مع الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل وتلبية مطالبها ومصالحها. ومع نجاح جون كيري في إقناع الطرف الفلسطيني بالموافقة على تمديد المفاوضات حتى 29 أبريل الجاري، يبدو أنه سيتعين على كل الأطراف أن تكون مستعدة لكل الاحتمالات. فالأميركيون تواقون للغاية لابقاء عملية السلام حية، والسلطة الفلسطينية تبدو يائسة من استمرار وجودها كسلطة، وإسرائيل تزداد رغبة يوما بعد آخر في التوسع الاستيطاني، وعدم تقييد نمو المستوطنات في ظل غياب تلويح فلسطيني باشعال انتفاضة فلسطينية جديدة وغياب اهتمام أو تحرك دولي. فهل تنجح هذه المفاوضات؟

رمزي بارود صحافي فلسطيني، ورئيس تحرير صحيفة «باليستاين كرونيكل» الإلكترونية


تطرف إسرائيلي

 

ما يبدو مثالياً بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه في اليمين الاسرائيلي المتطرف هو العمل على بقاء الفلسطينيين في تجمعات سكانية منفصلة عن بعضها وغير مترابطة، وتفصل بيها الحواجز والجدران والسياجات الأمنية والمستوطنات والطرق الالتفافية، إضافة إلى الوجود العسكري الاسرائيلي الكثيف، بما في ذلك السيطرة الدائمة على أغوار وادي الاردن، وهو الامر الذي يرفضه الفلسطينيون ويهدد بانهيار المفاوضات. وفي واقع الأمر يبدو التصور السابق هو الرؤية الراسخة والمستقرة في العقلية الاسرائيلية منذ انتهاء حرب يونيو 1967 بالسيطرة على كامل فلسطين التاريخية وأراضٍ عربية أخرى.

كيسنجر مخترع «عملية السلام»

ثمة أمر مهم يتم تجاهله غالباً وهو حقيقة أن «عملية السلام» هي اختراع سياسي جاء به هنري كيسنجر خلال عمله مستشاراً للأمن القومي لادارة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية، ويقوم مفهومه على تمكين إسرائيل من معظم الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967 من خلال استمالة العرب للدخول في عملية سلام. كما يجب ألا ننسى أن كيسنجر هو الذي يقف وراء الدعم الأميركي المطلق مادياً وعسكرياً وسياسياً لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ما غير في مسار تلك الحرب ونتائجها، لتصبح لمصلحة إسرائيل، وهو المسؤول الاميركي الذي عمل بدأب وتواصل، وسخّر دبلوماسيته ومهاراته لتلبية مصالح إسرائيل ودعم موقفها.

تويتر