عبارة عن أكوام من الأنقاض والركام.. وأشبه بمنطقة ضربها زلزال

مخيم اليرموك الفلسطيني في سورية.. حصار قاتل ودمــوع

صورة

حين بدأت الازمة السورية بمظاهرات سلمية في اسابيعها الاولى قبل ثلاثة اعوام لفت تحولها إلى حرب اهلية طائفية، العرب والعالم الذي كان يراها تزداد تعقيدا يوما بعد يوم . ووجد الفلسطينيون في سورية انفسهم رهينة في حرب قذرة وقلة منهم توقعت ان يصل حجم الازمة وتعقيدها إلى ما هى عليه الان.

وتعرض كل المدافعين عن حقوق الإنسان للشعب السوري دون استثناء لحملات التشويه القوية التي اوجدت واقعا لا يقف في وجهه اعلام او مال ، واصبح بمقدور نظام الرئيس السوري بشار الاسد بث مختلف انواع المزاعم والادعاءات ولكن من غير ان يستطيع تغيير حقيقة ان قواته تقتل يوميا اعدادا كبيرة من المدنيين الابرياء ، وكذلك ينطبق الامر ذاته على معارضي ذلك النظام وحلفائهم الذين اعلنوا اقامة دويلات وامارات اسلامية في المناطق السورية التي سيطروا عليها .

خلط الأوراق

مع استمرار الازمة في سورية تزداد عملية خلط الاوراق تعقيدا ويزداد تورط الاطراف المباشرة وغير المباشرة بحيث يصعب تبرئة اي طرف مما يجري ويصف وضع حد لفرحة ومشاعر كبيرة بالسعادة لدى المسؤولين الاسرائيليين بما يجري . في اطار هذه الازمة يبرز حصار مخيم اليرموك اكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سورية ويضم اعدادا لا باس بها من ابناء الطبقة العاملة وصغار الموظفين من السوريين ، وسوف يذكر التاريخ ويتذكر المؤرخون بقوة تفاصيل هذا الحصار القاتل والمؤلم.


سوء التغذية

تتضح فصول معاناة اهالي اليرموك من خلال الدموع التي تساقطت من أعين الكثيرين، عجائز مقعدين على كراسي متحركة، نساء منهكة بعيون زائغة، أطفال شاردين من مختلف الأعمار، حيث يشير الهزال الذي اصاب أجساد الكثيرين أنهم سقطوا فريسة لسوء التغذية نتيجة منع ادخال الامدادات الغذائية اليهم.

وخلص الشعب السوري إلى قناعة بانه لا يمكنه على الاطلاق التعايش النظام القائم في دمشق وهياكله ومؤسساته او أولئك الذين يقدمون انفسهم على انهم البديل .لا يمكن اعفاء الاطراف والدول التي تقف خلف الاطراف السورية المتصارعة من اللوم فمن ايران والعراق إلى تركيا وقطر وحزب الله وروسيا والصين والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة .ولطالما التقت هذه الاطراف والدول في اجتماعات تحت عنوان «انقاذ الشعب السوري» غير ان تصرفاتها واعمالها في الواقع تصب في الاتجاه المعاكس . يصف بعضهم انفسهم ب «الاصدقاء» بينما يموت الاطفال والنساء السوريون من البرد والجوع في مخيمات اللاجئين التي يعيش سكانها ظروفا قاسية وشديدة البؤس تدفع قسما منهم إلى اختيار العودة إلى سورية وتحمل تبعات الحرب وآثارها .. وتخفي وسائل الاعلام العربية كليا او جزئيا في كثير من الاحيان تقارير عن اساءة معاملة النساء اللاجئات السوريات في الدول المجاورة لسورية اللواتي فررن بحياتهن من الحرب بحثا عن الحماية والامن . وتعرض بعضهن للاختطاف والبيع والاستغلال ضمن تجارة الجنس والرقيق الابيض من غير ان تتم ملاحقة من يقومون بذلك ومحاسبتهم . وتسود حاليا موجة غضب متزايدة السوريين من اللاجئين وغيرهم ازاء ما يتعرض له اطفالهم ونساؤهم تشبه إلى حد كبير تلك الموجة التي سادت العراقيين عقب غزو العراق قبل عقد من الزمن . وبالنسبة للفلسطينيين فان لحالة الغضب اكثر تركيبا وتعقيدا فتدمير سورية يعني تخريب الدولة التي احسنت استضافتهم على مدى عقود بما في ذلك تنظيمات المقاومة المسلحة التي تتصدى للهيمنة الاسرائيلية والاميركية . ويصعب على المرء ان يتصور ان حزب الله اللبناني الذي احتفل بشعبية عربية كبيرة باعتباره محرر الارض العربية في جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي يجد نفسه في وضع بائس يطلق النار على فلسطينيين وسوريين .. ومن الصعب القول ان اسرائيل متورطة بصورة مباشرة في حصار اليرموك وتجويع سكانه واساءة معاملتهم واللذين يتمان بايدي اطراف وجيوش و ميليشيات عربية . وبمجرد دخول بضع سيارات محملة بالمساعدات الانسانية للمخيم يهرع اليها الالاف من الاهالي الجوعى واليائسين لكن معظم يعود خالي اليدين وسرعان ما يتعرضون لاطلاق النار . وتتراشق الحكومة السورية ومعارضوها الاتهامات واللوم بشان ما يجري من حصار وتجويع لاهالي المخيم

وروت لي موظفة الاغاثة ليلى من لكسمبورغ كيف ان عجوزا فلسطينية حضرت إلى احدى نقاط توزيع المساعدات بعد ان انتهى الموظفون من توزيع كل ما لديهم فابلغتها ليلى انه لم يعد لديهم أي شيء لن لكن العجوز مضت في التوسل والرجاء وهي تغالب دموعها قائلة انها تريد أي شيء لاحفادها الذين يحتضرون من الجوع . وفجأة انقض عليها جندي حكومي بالضرب الوحشي على مختلف انحاء جسمها ، وكان مشهدا مرعبا سبب لنا صدمة شديدة ، ووقفنا جميعا عاجزين عن فعل أي شيء بينما كانت المرأة تتلوى من الالم . ولا تكف الصحف وقنوات التلفزيون العربية عن الحديث عن نصرة القضية الفلسطينية وتأييدها ، ويضع القادة والوزراء العرب الكوفية التقليدية الفلسطينية على اعناقهم وصدورهم تعبيرا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ، وهم يبدون تضامنهم حاليا مع الشعب السوري . ولا تزال محطات التلفزيون الحكومية السورية تتحدث عن المعركة الحتمية لتحرير القدس من الاحتلال الاسرائيلي وكيف انها قادمة لا محالة .ويحتاج السوريون إلى تذكيرهم بنكبة الفلسطينيين منذ 65 عاما وما تخللها من تجربة اللجوء والتشرد والتطهير العرقي الذي يمارسه الاحتلال الاسرائيلي ضدهم . ويضطر الفلسطينيون في اليرموك إلى اكل لحوم القطط والكلاب الضالة في الشوارع والتي اصبحت قليلة ونادرة في محاولة لدفع خطر الموت جوعا غير آبهين بذلك السيل المتدفق من البرامج الاذاعية والتلفزيونية للتضامن معهم والقيم والاخوة والتي يستمع اليها اخوتهم السوريون ايضا ولكن من غير ان يلمسوا أي فائدة ملموسة لها بما يخفف من معاناتهم .

وقالت بعض النساء إنهم يأكلون الحشائش المسلوقة ويضعون عليها البهارات،بعد ان اكلوا لحوم الكلاب والقطط واوراق الشجر وبحثوا في اكوام القمامة . ومن يتجول في المخيم تسهل عليه ملاحظة أنه يشبه منطقة ضربها زلزال، فالمباني المحطمة مليئة بالثقوب وتتدللى من الأسقف قطع الأسمنت والجبس، وبعضها عبارة عن أكوام من الأنقاض والركام .

رمزي بارود - صحافي ومترجم فلسطيني ، رئيس تحرير صحيفة « بالستاين كرونيكل » الالكترونية ،، والمقال منشور في موقع « فورن بوليسي جورنال »

تويتر