نظام دمشق لا يشعر بأي خجل أو ندم جرّاء المذابح وعمليات القتل الجماعي

الوضع السوري يتطلب تدخلاً عسكرياً لأسباب إنسانية

صورة

هناك مرحلة جديدة في الأزمة القائمة في سورية منذ ثلاث سنوات تتضمن مزاجاً جديداً من اليأس الأخلاقي المرتبطة بالصراع الدائر والذي أدى إلى مقتل 135ألف شخص، وتشريد وتهجير 9.3 ملايين سوري داخل بلادهم وخارجها، وارتكاب مذابح وعمليات قتل جماعي ضد السوريين واللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى الحصار والخنق والتجويع.

ومع انتهاء الجولة الثانية من محادثات جنيف بالفشل، تنامى إحساس بان العمل الدبلوماسي يصبح بلا فائدة أو قيمة ما لم يكن مصحوباً برغبة جادة وتوجه حقيقي للدخول في مفاوضات جدية لحل الازمة الدامية. ويرغب نظام الرئيس السوري بشار الأسد في إنهاء المعارضة المسلحة تماماً، بينما تصر هذه الأخيرة على البدء في عملية سياسية انتقالية تمهيداً لانتخاب قيادة سياسية جديدة، وهذا يعني أن الفجوة بين الطرفين كبيرة، بل وتزداد اتساعا مع إدراك نظام دمشق لمجريات الأمور وسير الاحداث على نحو صحيح ولمصلحته. وتحاول المعارضة بالوسائل السياسية والدبلوماسية تحقيق ما لم تستطع تحقيقه بالوسائل العسكرية في وقت خيمت الشكوك على حقيقة ما إذا كان أعضاء وفد المعارضة السورية الذي شارك في الجولة الثانية من «جنيف2» يتحدث بالنيابة عن جماعات معارضة أخرى متعددة في سورية.

أزمة فادحة بين الحصار والدمار

في الحالة السورية يبدو الصراع أكثر قسوة وشراسة مما كان عليه في الصومال، والأزمة الانسانية أكثر عمقا وأكبر نطاقاً وأفدح ضرراً لأن أعدادا كبيرة للغاية من السوريين عالقة وسط الحصار والجوع وبين أنقاض المباني والاحياء المدمرة وفي مخيمات للاجئين في بلدان مجاورة لسورية. والنقطة الاساسية التي تثير جدلاً كبيراً هي انه ليست هناك اجابات سهلة وبسيطة ومباشرة في الوقت الجاري لكل التساؤلات عما يجب عمله بشأن الازمة السورية وما اذا كان يجب التدخل او البقاء بعيدا خوفا من زيادة تعقيد الامور.

ويستند معارضو فكرة التدخل العسكري في موقفهم إلى أن استخدام القوة والتدخل في ليبيا كان مستمداً من تفويض تضمنه قرار لمجلس الامن الدولي ومصحوبا بحملة كبير واضحة لتغيير نظام (الرئيس الليبي السابق) معمر القذافي، بغض النظر عن حالة الفوضى السياسية والامنية التي تحول دون بلورة هيكل واحد قوي متماسك ومتكامل للسلطة بعد اسقاط ذلك النظام. كما يعتقد هؤلاء بأن دخول القوة الاجنبية المكلفة بالتدخل يزيد الأمور سوءاً وتعقيداً حيث المزيد من القتل والقصف والتدمير والتشريد والتهجير للمدنيين من غير مردود سياسي مقبول وسريع، وانه من غير وجود قرار واضح وقوي من مجلس الأمن الدولي، فإن من المتعذر البدء في تدخل عسكري في سورية، وإلا تم اعتبار هذا التدخل خرقاً لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي. وترك الانتقاد الواسع والقوي لدبلوماسية التدخل الانساني الذي قامت به الولايات المتحدة في الصومال في قبل أكثر من عقدين آثاره السلبية عل ادارة الرئيس الاميركي انذاك بيل كلينتون ذات التوجهات الليبرالية ما جعلها تتقاعس عن التحرك في حد أدنى من التدخل الانساني في رواندا في العام 1994، والذي كان يمكن ان ينقذ مئات الآلاف من المدنيين من المجازر التي وقعت في ذلك العام.

وبدأت الازمة في سورية على شكل تظاهرات سلمية تطالب بتغيير النظام سرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة. ومع مضي الوقت زادت الفوضى الامنية وتعقيداتها على حساب الجهود الدبلوماسية التي لم تحقق النتائج المرجوة. وحينما تكون الأهداف السياسية مرتبطة بمحاولات التدخل للاغراض الإنسانية، فإن قوات المعارضة تغير من تصرفاتها وأعمالها، وتقول إن عملياتها العسكرية وهجماتها والتدخل الانساني ما هي إلا غطاء لتحقيق الهدف السياسي. ومما لا شك فيه انني سأشعر براحة أكبر حول النقاش بشأن التدخل إذا ما تم التعبير عنه في خطاب يمنح الأولوية للتواضع والرغبة في إيجاد مخرج حقيقي معقول للأزمة، ولكن ما زال هناك الكثير في سورية قيد المجهول قبل ظهورأي قدر من الثقة للقول إن الظروف قد نضجت لحل الأزمة. وبالنسبة لي فإن السؤال الأساسي هو ما يجب عمله وما يجب عدم القيام به في الظروف الراهنة التي تتسم بقدر كبير من الاحباط والفوضى والشكوك. وقد تكون هذه التساؤلات والظروف قيد جدل ونقاش خلف الابواب المغلقة في الدوائر الحكومية في سورية والدول المعنية والمهتمة بما يجري فيها. ويحدوني الامل ان تفضي هذه المناقشات إلى تبديد السخط والاحباط وحسم الامور لصالح مؤيدي التدخل او لمعارضيه ومنتقديه.

وفي ضوء جو الاحباط العام القائم حالياً يبدو انه ليس من المثير أو المدهش وجود نقاش أو جدل عن تدخلات أميركية حيث يعتقد أنصار هذا التوجه بانه لم يعد هناك أي بديل أو اقتراح ينعش الآمال إلا القوة العسكرية والتدخل بالبدء في فرض منطقة حظر جوي وفتح ممرات لإدخال وتوزيع المساعدات الانسانية العاجلة، كما بدأ التعامل مع الوضع في ليبيا في 2011 تمهيداً لتغير النظام في دمشق الذي لا يشعر باي خجل او ندم من المذابح وعمليات القتل الجماعي التي يقوم بها ضد شعبه.

وأتذكر انني استمعت ذات يوم إلى جورج بول أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية بعد تركه منصبه في الاشهر الاخير قبل انتهاء حرب فيتنام، وكان معظم ما قاله يتركز على انه بدأ يفهم تلك الحرب حين توقف عن قراءة الرسائل والبرقيات ذات الطابع السري التي كان القادة العسكريون الميدانيون يبعثونها أو يتبادلونها مع المسؤولين المدنيين، وانه فهم اكثر واعمق حين أدرك ان هناك فجوة من الثقة بين المزاعم بانه يتم احراز تقدم في الحرب وما كان يجري على ارض الواقع في فيتنام.

ريتشارد فولك مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية

 

 

 

 

تويتر