سياسة واشنطن الحالية تعزز قبضة «حماس» وتعرقل قيام الدولة الفلسطينية

إنهاء عزل غزة يساعد على تحقــيق السلام

صورة

تتعامل الولايات المتحدة مع قطاع غزة باعتباره منطقة منبوذة، حيث تدعم عزله عن العالم بهدف القضاء على حركة «حماس». ولكن هذا الأسلوب غير بناء. لأن عزل قطاع غزة سيؤدي إلى تعزيز قبضة «حماس»، و يزيد من أمد الركود السياسي الفلسطيني، ويساعد على منع قيام الدولة الفلسطينية وقيام السلام مع اسرائيل. ومن الضروري ربط غزة بالضفة الغربية من الناحية السياسية والاقتصادية واعادة انشاء المؤسسات الشرعية من أجل الدولة الفلسطينية، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق اسرائيلي فلسطيني عبر المفاوضات. ويتعين على إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما أن تشجع وضع حد لحالة العزلة الاقتصادية التي تتعرض لها غزة، واجراء انتخابات وطنية، وتشكيل جماعة اتصال اقليمية لتشجيع المصالحة الفلسطينية. وهذا لا يعني وضع حد لعزلة «حماس»الدبلوماسية، ولكن انشاء ظروف تهدف إلى تقوية القادة الفلسطينيين الذين يتطلعون إلى السلام.

تهدف سياسة الولايات المتحدة الحالية إلى دعم الوضع الراهن في غزة القائم على العزل السياسي والاقتصادي، الذي تم فرضه أصلا لنزع الشرعية عن قيادة «حماس». وكان يعتقد أن عزل غزة عن العالم وانشاء ظروف اقتصادية جيدة وتغيرات سياسية في الضفة الغربية سيدفع بأهل غزة إلى الاطاحة بحركة «حماس». ولكن ما يحدث في الواقع أن قبضة حماس تزداد قوة ، كم أن اسرائيل تجاهلت هدف تغيير النظام بعد حربها الاخيرة على غزة عام 2009، خوفا من اندلاع الفوضى اذا تمت الاطاحة بحماس. ولكن الولايات المتحدة تحاول التوسط للسلام بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكأن غزة و«حماس»غير موجودتين.

ومن الواضح بأن تجاهل غزة ومواصلة عملية السلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس من شأنه تحفيز «حماس»على معارضة السلام مع اسرائيل واي اتفاق يمكن أن تتوصل اليه هذه الاخيرة مع عباس. وستزيد «حماس»من عنفها كلما اقتربت اسرائيل والسلطة من توقيع أي سلام، الأمر الذي يجعل هدف الولايات المتحدة في السلام الشامل بين اسرائيل والفلسطينيين صعب المنال.

وفي هذه الاثناء فإن غياب العلاقات بين غزة والضفة الغربية يبعدهما عن البعض على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يزيد من التحديات أمام تشكيل الدولة الفلسطينية الموحدة. وكانت كل من اسرائيل ومصر حتى في ظل حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، تحافظان على حدودهما مغلقة دائما أمام التجارة مع غزة لان كل منهما يرغب ان يقوم الاخر في تحمل مسؤولية القطاع. وعلى الرغم من أن اسرائيل سمحت بحدوث استيراد محدود إلى غزة إلا أن اقتصاد الغزة يعتمد إلى حد كبير على التجارة غير المشروعة التي ازدهرت والمعروفة «باقتصاد النفق» وأثرت حركة حماس على حساب السلطة الفلسطينية، عن طريق جمع التعرفة الجمركية من العاملين في اقتصاد الانفاق وجبي الضرائب على السلع التي يتم استيرادها إلى غزة. وأدى هذا النوع من الاقتصاد إلى تجاوز دور الافراد العاديين من سكان غزة على دور حماس ،التي يرغب كثيرين في رؤية نهايته. ونجم عزل غزة عن الضفة الغربية إلى استحالة التوصل إلى اتفاق من أجل الانتخابات الرئاسية التي فات أوانها منذ عدة سنوات وكذلك الانتخابات البرلمانية.

يجب على الولايات المتحدة أن تضع حدا لعزلة غزة تعمل على اقامة قناة اتصال لها مع الضفة الغربية اقتصاديا وسياسيا بهدف التخفيف من قبضة حماس على القطاع، واعداد المؤسسات من أجل الانتخابات. وينبغي على وزير الخارجية الاميركي أن يشجع اسرائيل والسلطة الفلسطينية على التبادل التجاري مع غزة. وينبغي ان يسمح لأهل غزة بالدخول إلى اسرائيل، كما ينبغي السماح بتدفق السلع ما بين الضفة الغربية وغزة، الامر الذي سيشجع أهل غزة على التخلي عن تجارة الانفاق مع مصر.

ويتعين على وزير الخارجية الاميركي جون كيري أن يشجع على إقامة الإنتخابات الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب انجاز المصالحة الفلسطينية، وضمان مشاركة حماس في السياسة الفلسطينية. ويجب على وزارة الخارجية الأميركية أن تقود جهودا منسجمة مع شركائها الاوروبيين والمنظمات الدولية من أجل التحضير للانتخابات الفلسطينية، اذ أن هذه الانتخابات لم تتعقد منذ عام 2006.وتدعي كل من «حماس» و«فتح »انهما تريدان إجراء الانتخابات إلا أنهما لا يفعلان شيئا على الواقع. ويجب على اي انتخابات جديدة في السلطة الفلسطينية أن تكون نابعة من تفاهمات ثابتة تفيد بأن المشاركين فيها متوافقين على المبادئ التي أدت انشاء السلطة بما فيها اتفاقات الاعترافات الفلسطينية الاسرائيلية المشتركة عام 1993.

من المؤكد أن الحكومة الاسرائيلية والبعض في الولايات المتحدة سيعارضون الاقتراحات التي تقضي بفتح الباب امام انخراط أكبر مع «حماس». ولكن هذه الاجراءات من شأنها أن تفيد غزة وليس «حماس». واذا كان تغيير السياسات الحالية ينطوي على بعض المخاطر إلا أن الإبقاء على الوضع الراهن يكون من مصلحة حماس بلا ريب. لأن الإجراءات المقترحة من شأنها أن تقلل من سيطرة «حماس»على الحياة الاقتصادية في غزة. وعلى الرغم من أن حماس تستطيع ان تحاول استغلال التغيير في السياسة من أجل السيطرة على الضفة الغربية إلا أن المرجح أن يحدث العكس. وأظهرت «حماس»قدرات محدودة على الحكم كما أن حالة السخط على «حماس»تتزايد في غزة. ومن غير المرجح أن تتمتع بالشعبية في الضفة الغربية.

وينبغي على إدارة اوباما التوصل إلى تفاهم مع اسرائيل والكونغرس من أجل هذه التغيرات التي أصبحت أمرا واقعا بالنسبة لاسرائيل التي تعترف بأن منع التجارة مع غزة يؤتي نتائج عكسية. ولذلك فإنها توصلت إلى اتفاق مع «حماس»برعاية مصرية يقضي بتخفيف القيود المفروضة على التجارة مع غزة. وستحتاج ادارة اوباما إلى تطرح سياسة التغيير مع تفاهم خاص مع اسرائيل يقضي بتعزيز الفلسطينيين المعتدلين كي يصبحوا قادرين على صنع السلام.

 

واذا استمر الوضع الجاري فان غزة والضفة الغربية ستواصلان الابتعاد عن بعضهما البعض الأمر الذي يجعل من الصعب تحقيق الهدف الاميركي في السلام بين اسرائيل ودولة فلسطينية موحدة في الاراضي المحتلة عام 1967. ولابد من الإشارة إلى أن الاجراءات المقترحة لوحدها لن تفضي إلى اتفاق سلام فلسطيني اسرائيلي، أو دولة فلسطينية ديموقراطية، كما أنه لن يؤدي إلى نهاية الانقسام الفلسطيني الداخلي. وسيكون من المستحيل تحقيق الاهداف الاميركية دون هذه الاجراءات. ومن المؤكد أن تنفيذ هذه الخطوات في السياسة الجديدة من شانه أن يغرز الشعور بالحيوية في الحياة الوطنية الفلسطينية، ويجدد المؤسسات الوطنية التي اصبحت في حالة احتضار، وينتج حركة جلية نحو الاهداف الوطنية الفلسطينية. ومن المؤكد أن حل قضية غزة سيزيل شعلة نار في منطقة هي في الأصل في حالة شبه مشتعلة نتيجة الربيع العربي.

 

تويتر