حاولوا إضعاف موقف أنقرة الإقليمي والتشكيك في شرعية سياستها

مؤيدو الأسد استغلوا احتجاجات تركيا للانتقام من أردوغان

مؤيدو الأسد حاولوا إظهار احتجاجات حديقة جيزي كانتفاضة شعبية ضد حكم أردوغان. إي.بي.إيه

انتشرت الاحتجاجات التي بدأت بعد قطع عدد من الأشجار، جزءاً من عملية تطوير حديقة جيزي في ميدان «تقسيم» في مدينة اسطنبول التركية، سريعاً في شتى أنحاء تركيا، وبصورة خاصة في اسطنبول وأنقرة وأزمير. وتطورت هذه الاحتجاجات التي بدأت من قبل الناشطين المدنيين حول ساحة تقسيم، إلى تظاهرات معادية للحكومة. وجذبت تظاهرات جيزي بسرعة انتباه العالم، وأطلق قادة الدول التصريحات المتعلقة بالاحتجاجات التركية. وتابعت الصحافة العالمية أيضاً تطورات هذه التظاهرات.

وكان كل من البيانات وردود فعل الصحافة نحو احتجاجات حديقة جيزي، متأثرة بصورة مباشرة بعلاقات كل دولة مع تركيا. وإضافة الى النتائج في ما يتعلق بالسياسة التركية الداخلية، انطوت الاحتجاجات على آثار محسوسة أيضاً على السياسة الخارجية التركية، وعلاقات تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودول المنطقة، وكذلك مع المعارضة التركية. وربما تكون تلك الآثار المذكورة جاءت نتيجة دور تركيا «كدولة نموذجية» في الشرق الأوسط. وإضافة الى ذلك، ونظراً الى حقيقة أن تركيا تنتهج سياسة خارجية فعالة في الشرق الأوسط، وكان لها موقف في ما يتعلق بعملية الانتقال الى الديمقراطية في الشرق الأوسط، والمعروفة على نطاق واسع باسم «الربيع العربي»، فقد أصبحت إحدى الدول التي تتدخل في الحرب الأهلية السورية، وبدأ طرح التساؤلات بشأن وضع تركيا في المنطقة.

وباعتبارها تشكل موقفاً معارضاً لمساعي الحكومة المثمرة، ينظر الى احتجاجات حديقة جيزي كفرصة من قبل اللاعبين الساخطين على سياسة تركيا في سورية. ومن هؤلاء اللاعبين كانت إيران وسورية و«حزب الله» في لبنان، وإدارة (رئيس الوزراء العراقي نوري) المالكي في العراق، التي تناهض بقوة السياسة التركية المتعلقة بسورية. واعتبر جميع اللاعبين الأربعة احتجاجات جيزي فرصة لإضعاف موقف تركيا الإقليمي وطرح التساؤلات بشأن شرعية سياستها في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي. وكانت العوامل المشتركة بين هذه الأطراف الأربعة وأجهزة الإعلام التي تدور في فلكها: استخدام تعبير «انتفاضة شعبية» للتعبير عن الاحتجاجات، والتركيز على الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، والتأكيد على أن تركيا فقدت فرصة أن تكون الدولة النموذج. وعملوا بجد أيضاً لجعل مستوى الديمقراطية في تركيا محط تساؤل، ووضع علامة استفهام في عقول الجمهور عندما يتعلق الأمر بتصدير تركيا للديمقراطية الى المنطقة.

ومن خلال اتهامهم لتركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، استخدمت هذه الدول احتجاجات حديقة جيزي فرصة لدفع تركيا نحو أزمة شرعية في ما يتعلق بسياستها الخارجية، لإضعاف تركيا، وتجلى ذلك على نحو واضح تماماً في ردود فعل النظام السوري. وكانت هناك محاولة لجعل الاحتجاجات في تركيا تبدو كأنها شبيهة بالصراع الدائر في سورية. واتهم الرئيس السوري بشار الأسد الحكومة التركية بأنها تستخدم العنف ضد المتظاهرين الذين ينظمون احتجاجات سلمية في حديقة جيزي، وجرى عرض الصور، التي تظهر الشرطة وهي تستخدم خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع عند هجومها على المتظاهرين، على التلفزيون السوري لساعات.

وجاءت ردة الفعل الأكثر غرابة من وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي نصح المواطنين السوريين «بعدم السفر الى تركيا حرصاً على سلامتهم»، على الرغم من التباين الشامل بين الأحداث في سورية وتركيا، بمعنى الشكل ومستوى العنف. وكانت سورية تقصد بخطواتها هذه الرد على موقف تركيا على الأزمة السورية في وقت سابق، وحاولت التضخيم من الوضع في تركيا. ويبدو أن كل هذه الأساليب مجرد جهود سورية لإظهار التشابه لما يحدث في تركيا وسورية، و«الانتقام» من الحكومة التركية في أول فرصة تسنح للنظام السوري.

من ناحية أخرى، كانت إيران تبدو انها تتبنى أسلوباً أكثر دبلوماسية إزاء تركيا، ولكنها كانت أيضاً تريد طرح التساؤلات بشأن سياسة تركيا في سورية. وبالنسبة لاحتجاجات حديقة جيزي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس اراغاشي، إن الاحتجاجات كانت قضية تركية داخلية، بيد أنه أعرب عن أمله حل الأزمة بطريقة سلمية. وعلى الرغم من أن التصريح الإيراني يبدو مؤيداً لتركيا إلا أن عبارة «قضية داخلية» كان المقصود بها رسالة الى تركيا بأنه ليس لها الحق في التدخل بالشؤون الداخلية السورية.

وفي لبنان، حاولت الصحف الداعمة لـ«حزب الله» والنظام السوري تصوير الوضع في تركيا على انه «فشل للنموذج التركي»، وأجرت مقارنة بين تركيا ومصر، و(رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان و(الرئيس المصري المعزول محمد) مرسي، وانتقدت الحكومة التركية بشأن احتجاجات حديقة جيزي. وحسب هذه الصحف فإن الديمقراطية في كل من تركيا ومصر محدودة بالـ‬50٪ من الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم، وتستند كلتا الحكومتين إلى الاستثمارات وقوة انتاج فرص العمل، كما أن قادة تركيا اتبعوا سياسات تتناقض مع القيم الثقافية لجزء كبير المجتمع، وحاولوا القضاء على الرموز التي تتبناها الدوائر العلمانية، كما أن الحزبين الحاكمين في مصر و تركيا استفادا من ضعف أحزاب المعارضة.

وعرّفت وسائل الإعلام المؤيدة لـ«حزب الله» احتجاجات حديقة جيزي بأنها «انتفاضة شعبية»، وانتقدت الحكومة التركية لاستخدامها القوة المفرطة، مشددة على «أنه ليس من المقبول أن تقوم أي حكومة بقمع الإرادة الشعبية».

وأما بالنسبة للعراق، فقالت وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة المالكي إن الاحتجاجات تمثل تحدياً جديداً لصراع أردوغان مع الجيش التركي. وأكدت أن «رئيس الحكومة التركي، الذي انتصر على الجيش والقوى الخارجية، يمكن أن يضطر الى ترك السلطة عند مواجهته الشبان». وأكدت مقالة نشرت في صحيفة «المدى» العراقية أن «الاحتجاجات في حديقة جيزي تعد مفترق طرق تاريخياً بالنسبة لتركيا. ويمكن أن تؤدي هذه التظاهرات الى اعادة تركيا الى زمن العثمانيين، او تقودها الى ديمقراطية ليبرالية. وأن هذا الصراع الحالي ناجم عن تطرف أردوغان وسياساته القمعية». واعتبرت وسائل إعلام عراقية ان من مسببات الصراع التنافس بين الطبقة المتوسطة العلمانية والطبقة المتوسطة العليا والمهاجرين من المناطق الريفية الى المناطق المدنية، الذين يدعمون رئيس الحكومة، الأمر الذي يشير الى أن أردوغان بدأ اتباع سياسة محافظة على نحو متزايد.

وإضافة إلى ذلك، وصفت صحيفة عراقية تدعم المالكي، الذي تعاني علاقته مع تركيا الاضطراب، الاحتجاجات في تركيا بأنها «ربيع تركيا وخريف لأردوغان».

 

تويتر