أميركا تهدد السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات إذا اتخذت هذه الخطوة

انضمام فلسطين إلى «الجزاء الدوليــة» ضرورة

عملية الرصاص المصبوب في غزة وثيقة إدانة مهمة لإسرائيل في المحكمة الدولية. أ.ف.ب

على الرغم من الاعتراضات القوية من إسرائيل والولايات المتحدة، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر الماضي، بقبول طلب فلسطين ان تصبح دولة لها صفة مراقب وليس عضواً في المنظمة الدولية.

ولم تكن فاتو بوم بنسودا نائبة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية المولودة في غامبيا، اختياراً أول ومفضلاً لدى الولايات المتحدة، لكي تخلف المدعي العام للمحكمة، لويس مورينو اوكامبو، ولكن يبدو أن مسؤولين في إدارة باراك اوباما غيروا موقفهم، وقرروا دعم بنسودا، في وقت تتردد معلومات عن اعتزام السلطة الفلسطينية التقدم بطلب رسمي بالانضمام الى عضوية المحكمة الجنائية الدولية.

وأثناء مرافقتي له في زيارته لمدرسة الجليل التابعة لوكالة «أونروا» الدولية في بيروت - الحديث للكاتب - واجه أحد المراقبين سيلاً من أسئلة الطلاب واعضاء الهيئة التدريسية منها: لماذا يظل اللاجئون الفلسطينيون محرومون من الحد الادنى من أبسط حقوقهم الانسانية في لبنان؟ حيث يتم منعهم من البناء والتملك، ومن فرص العمل والوظائف، على الرغم من دعم لبنان للقضية الفلسطينية. أما السؤال الذي فاجأني قليلاً، فهو لماذا لم يتقدم مسؤولو السلطة الفلسطينية حتى الآن بطلب رسمي لانضمام فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية، لملاحقة نظام الفصل العنصري الاسرائيلي ومحاسبته على جرائمه بموجب احكام القانون الدولي الخاص بجرائم حقوق الإنسان ضد الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين؟ ومنذ زيارة تلك المدرسة أصبح واضحاً لي ان القائمين على المدرسة وطلابها يريدون العودة لبلدهم «فلسطين». الانضمام الى محكمة الجزاء الدولية، هو الشعور العام السائد في الـ‬54 مدرسة التابعة لوكالة «اونروا»، وسكان المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكل من دخلت معه في نقاش من الفلسطينيين. كما انه اتضح لي ولكثيرين غيري، أن المدعية العامة لمحكمة الجزاء الدولية بنسودا تشجع الفلسطينيين على التقدم بطلب رسمي لنيل عضوية المحكمة، وتساعد على تحضير ملفات لقضايا سيتم التقدم بها خلال الاشهر المقبلة الى المحكمة، بشأن الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية.

وقالت بنسودا هذا الاسبوع ان مكتبها يعتقد أن فلسطين اصبحت مؤهلة للانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية، بعد التصويت بقبولها مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر الماضي. كما يبدي مكتب المدعي العام للمحكمة في لاهاي حماسة قوية لقضية انضمام فلسطين، وإعداد ملفات لقضايا جرائم إسرائيلية سيتم التقدم بها الى المحكمة، لاسيما ان بنسودا تتمتع بخبرة في القانون الدولي، وتصنيف العديد من الجرائم ضد الانسانية المثيرة للجدل منذ نكبة فلسطين في ‬1948 من جانب القائمين على مشروع استعماري، مازال يحتل فلسطين بكل وحشية منذ مطلع القرن العشرين.

كما تشير التقارير الى ان المدعية العامة بنسودا وموظفي المحكمة لديهم النية لمواصلة التحقيق في الانتهاكات المستمرة لمبادئ حقوق الانسان، وما يتعلق بها من معايير وأحكام، وتحدثوا عن حالة الاسير الفلسطيني ميسرة ابوحمدية الذي يعاني السرطان، والذي توفي في السجون الاسرائيلية في ‬25 يونيو الماضي، بعد ان رفضت الحكومة الاسرائيلية بكل اصرار الدعوات الدولية للافراج عنه، على الرغم من اقتناع المسؤولين في المحكمة بأنه لم يكن يشكل أي تهديد للمجتمع، وأنه كان يمكن علاجه حتى الشفاء التام.

وقالت إحدى محققات المحكمة الجنائية الدولية، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إنها اعتبرت مع زملائها موقف حكومة بنيامين نتنياهو من قضية أبوحمدية وقضايا أخرى مماثلة، موقفاً إجرامياً مداناً ويعكس تفكيرا مريضاً وغير سوي.

ولا يبدي البيت الأبيض وحلفاؤه سرورا او ارتياحاً بملامح اعمال المحكمة الجنائية الدولية خلال الأعوام القليلة المقبلة. وفي ‬23 مايو الماضي أثارت بنسودا توتر نتنياهو والمندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة آنذاك سوزان رايس، بملاحظاتها التي قالت فيها «لقد ولت الى غير رجعة، تلك الايام التي كان ينجح فيها مرتكبو جرائم التطهير العرقي، والمذابح، والقتل الجماعي، وغيرها من الجرائم الدولية، في الفرار من العقاب والنجاة من المحاسبة والمساءلة، والتحدي الذي يواجهني حالياً هو البناء على ما تم إنجازه وتنفيذ دعوات الضحايا الى تحقيق العدالة، وهو الوعد الذي قطعناه على انفسنا قبل ‬15 عاماً، حينما عقد الاجتماع الموسع في روما لوضع النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالفشل في الوفاء به».

عقب قبول فلسطين مراقباً في الامم المتحدة، قالت رايس التي أصبحت مستشارة للأمن القومي الاميركي «إن هذا القرار لن يقرب الفلسطينيين من تجسيد دولتهم، ولن يزيدهم قرباً من محكمة الجزاء الدولية، بل سيزيد الصعوبات أمام تحقيق الدولة الفلسطينية».

وفي رسالة وجهها الى الامين العام للأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الامن الدولي، عقب قبول فلسطين مراقباً، قال المندوب الفلسطيني «إن جميع اعمال البناء والانشطة الاستيطانية التي تقوم بها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية غير شرعية، ومخالفة صريحة للمادة السادسة من اتفاقات جنيف الرابعة، بل وتعتبر جرائم حرب، وإن الفقرة (ب) من البند الثاني من المادة الثامنة من تلك الاتفاقات، تنص على أن اسرائيل وباعتبارها قوة الاحتلال، يجب أن تتحمل مسؤولية جرائم الحرب التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني. وان اسرائيل التي هي قوة الاحتلال تخترق المادة ‬49 من اتفاقات جنيف الرابعة، بقيامها بإسكان قسم من سكانها وشعبها في المناطق التي تحتلها».

وفي ضوء سلسلة المتاعب التي يعانيها البيت الابيض، وآخرها قضية محلل المعلومات في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) إدوارد سنودن، أعلنت ادارة اوباما أخيراً، أنه لم يعد لديها صبر للقبول بمزيد من المشكلات، سواء كانت من فلسطين، واعتزامها التقدم بطلب للانضمام الى محكمة الجزاء الدولية، أو من غيرها. كما تعرضت السلطة الفلسطينية خلال الشهر الماضي لسيل من التهديدات من وزير الخارجية الاميركي جون كيري، وموفد اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الاوسط توني بلير بقصد توصيل رسالة واحدة الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مفادها ان السلطة الفلسطينية تخاطر بالتسبب في وقف المساعدات المالية الأميركية عنها، وانسحاب الولايات المتحدة من التوسط في عملية السلام، وإلغاء حزمة مقبلات ومشجعات لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني يحاول كيري المساعدة في بلورتها وتنفيذها، إذا أصر الفلسطينيون على المضي قدماً في طريقهم نحو عضوية محكمة الجزاء الدولية. وهو ما تتمسك به حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ومعظم الفلسطينيين في لبنان والعالم.

فرانكلين لامب كاتب صحافي ومحلل أميركي

تويتر