النجاح على صعيد الخارج مرهون بحل مشكلات الداخل

أثر الانتخابات الرئاسية الإيرانية في السيــــــاسة الخارجية

صورة

ذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع قبل أيام لانتخاب خليفة للرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد. وتحدث المرشحون عن بعض المشكلات القليلة الخطرة التي رافقت عملية الانتخاب، ولم يملك الخاسرون في نهاية المطاف سوى أن يرسلوا التهاني للفائز، حسن روحاني.

وبالمقارنة مع حالة عدم الاستقرار السياسي التي تلت إعادة انتخاب أحمدي نجاد، فقد كانت هذه العملية مملة نسبيا، لكن مع ذلك استشفت وسائل الإعلام أن إيران تحتاج الى الاستقرار الداخلي، إذا كانت ترغب في تغيير سياستها الخارجية، وسط ظروف جيوسياسية صعبة للغاية.

الاستقرار الداخلي

الاستقرار الداخلي هو الهدف الأول لأي نظام يريد تأكيد سلطته من المرتفعات الوسطى لإيران، فقد ظهرت الامبراطورية الفارسية الأولى للوجود بعد ان استطاعت سلطتها المركزية السيطرة على مختلف مجموعات الشعوب الهندو إيرانية، والتركية والسامية داخل حدودها. ويعد قمع الحركة الخضراء عام ‬2009 مثالا حديثا لقدرة الدولة على لجم المعارضة الداخلية. ولآلاف السنين، سعت الأنظمة الفارسية المختلفة للحفاظ على مثل هذه الضغوط المحلية في الخليج، في حين كانت قوى أجنبية أخرى تسعى لتأجيج هذه التوترات الداخلية من أجل إلهاء إيران، أو جعلها عرضة للغزو الخارجي.

ولاتزال الضغوط الاقتصادية الهيكلية مستمرة في إيران الى اليوم جراء عقود من العقوبات، وتستفحل أثناء المنافسة الطائفية في المنطقة، إلا أنها حدت من نفوذ طهران المتوسع. النظام الديني الذي يحكم البلاد حالياً من القلعة الزجاجية، يفهم التهديدات الآتية من خارج الحدود، لكن ينطبق عليه ما انطبق على الانظمة السابقة، إذ إن عليه أولاً أن يصنع السلام في المنزل، قبل مواجهته التحديات الخارجية.

معظم التغطية الاعلامية الغربية، خصوصاً الاميركية، تركز على روحاني، فهو شخصية معروفة للكثيرين في الغرب. شارك في الثورة الإسلامية، وكان لديه روابط مع آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، وله علاقات ايضاً مع آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الديني الثاني، وهو ممثل المرشد الأعلى الحالي، علي خامنئي، في المجلس الوطني الاعلى للأمن لمدة ‬16 عاماً. وامتداداً لهذا الموقف، ترأس فريق المفاوضين النوويين الايرانيين ‬2003-‬2005، وخلال هذه الفترة أصبحت مهارات السياسة الخارجية لروحاني معروفة بشكل أفضل في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي الفترة نفسها التي جلس فيها المفاوضون النوويون الإيرانيون والغربيون وجهاً لوجه من أجل التوصل لاتفاق.

ومن المفارقات، أن روحاني يجمع بين النزعتين المحافظة والإصلاحية. وبوصفه رجل دين، فانه لا يسعى لإحداث تغييرات جوهرية في بنية السلطة في إيران، كالتي سعى اليها أحمدي نجاد، لكنه يدعو أيضا إلى التعاون مع الفروع الأخرى من بنية السلطة والتواصل معها، مثل العسكريين والسياسيين المدنيين. وفي حين انه يدافع عن البرنامج النووي الايراني والأجندة الإقليمية، فإنه يدرك ان مجرد إصدار الانذارات للغرب، وتصعيد التوترات بدلا عن تقديم تنازلات، لن يعفي إيران من العقوبات. وهو يشبه في هذا الصدد الرئيس الاصلاحي السابق، محمد خاتمي، الذي خدم تحته روحاني كبيراً للمفاوضين النوويين. ومن المتوقع أن يعتمد روحاني لهجة أقل حدة في السياسة الخارجية مما درج عليه أحمدي نجاد، وأن يتعاون مع مراكز القوى المحلية الاخرى، مثل المرشد الأعلى، والقوات العسكرية والأمنية.

المخاوف الداخلية لإيران اعطتها حافزا لتتبنى هذا النوع من المشاركة الواقعية، والحوار مع الغرب، الذي برع فيه روحاني، خصوصاً حول قضايا مثل البرنامج النووي الايراني، ومصالح طهران في بلاد الشام والعراق وأفغانستان، وهذا يعني أن انتخابات الجمعة تمثل نجاحاً نسبياً للجمهورية الإسلامية، على الرغم من أنها حرمت الغرب تمنياته بحدوث انتخابات تخريبية، من شأنها أن تعمل على إسقاط النظام الديني في إيران.

قبل البدء في أي تغييرات ذات مغزى على جدول أعمال سياستها الخارجية، على الحكومة الإيرانية النظر في إشراك ناخبيها. وبصرف النظر عن المفاوض النووي الحالي، سعيد جليلي، فإن سبعة من المرشحين الثمانية المعتمدين في هذه الانتخابات، كانوا معتدلين أو إصلاحيين، في تناقض صارخ مع الخطاب السياسي القومي المتشدد لأحمدي نجاد.

وعلى الرغم من عدم تأثره إلى حد كبير بالاضطرابات الإقليمية في عام ‬2011، فإن على النظام الديني أن يعكس لمواطنيه وللعواصم الأجنبية أن الشعب الإيراني لايزال يمكنه إحداث التغيير من خلال صناديق الاقتراع، وليس فقط من الشوارع، وبالنظر إلى هذا الخيار، فقد اختار الشعب الإيراني البراغماتية من خلال انتخابات حرة ونزيهة نسبيا.

وعلى الرغم من أن الجمهورية الإسلامية لا يمكنها أن تتغير بين عشية وضحاها، فهناك حاجة إلى تغييرات هيكلية طويلة الأجل لإنعاش الاقتصاد الإيراني، فقد أثبتت حملة وانتخاب روحاني أنها وسيلة فورية منخفضة التكلفة نسبيا، لتخفيف بعض الضغوط المحلية على النظام. وسارت تظاهرات واسعة النطاق لدعم الرئيس المنتخب عقب إعلان فوزه في طهران، وفي أنحاء كثيرة من المراكز الحضرية في إيران، من دون تدخل قوات أمن الدولة، وهذا يعكس في الوقت الراهن على الأقل، أن قدرا كبيرا من الناخبين الإيرانيين الذين كانوا يشعرون بالإحباط قد عبروا عن رضاهم بما حدث.

من المبكر بالطبع معرفة كيف ستسير رئاسته، إلا أن إدارة روحاني على أقل تقدير لن تبدأ ولايتها وهي تعاني الشكوك حول شرعيتها، كما كان عليه الحال عند بدء ولاية أحمدي نجاد الثانية. خلافا لأحمدي نجاد أيضا، فإن الرئيس المنتخب لديه الفرصة لرأب انقسامات عميقة داخل النخبة الدينية. وحيث إن سلطة رجال الدين والمرشد الأعلى لن تتعرض تحت هذه الرئاسة للهجوم، كما كان يحدث في عهد احمدي نجاد، ومع تمتعه بالدعم الانتخابي من ورائه، فإن روحاني سيكون قد تغلب بالفعل على أكبر العقبات التي تعترض سبيل إصلاح السياسة الإيرانية في الداخل والخارج.

تحولات السياسة الخارجية

وفي هذا الإطار يأمل الغرب نهاية المطاف في التعاون مع روحاني وإيران. وإذا ما ازحنا خطاباته النارية جانباً، فإن أحمدي نجاد سعى أيضاً من قبل الى حوار استراتيجي مع الغرب، خصوصاً أن مواجهته مع المرشد الأعلى دفعته للسعى لتحقيق كسب في السياسة الخارجية، الا أن الاقتتال الداخلي الذي نتج عن محاولات نجاد تقويض البنية الموالية لرجال الدين، أعاق أي تقدم في هذا المجال.

إذا استطاع روحاني أن يكسب رجال الدين خلفه، ويراعي مصالح إيران العسكرية والأمنية، والقاعدة العريضة من الناخبين، فإن فرصه في التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض أو الحوار مع الغرب ستتحسن كثيرا.

وإذا استرشد روحاني بالكثير مما سبق ذكره، فإنه يستطيع أن يغير ايضاً البيئة الجيوسياسية الايرانية. وطالما أنها لم تعد في موقع لعدوان إقليمي، فإن الموقف السابق لطهران المتحدي للمصالح الأميركية يمكن ان يتبدل الآن ليتوافق مع الأهداف الإيرانية على المدى الطويل في المنطقة.

لايزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في الداخل، قبل أن تبدل إيران اتجاهاتها، ولايزال الرئيس المنتخب يواجه تحديات كبيرة تحول دون اتخاذ أي تحولات كبرى في السياسة. إذ يتوجب على روحاني إقناع العديد من أصحاب المصلحة داخل النظام بأنه يمكن الوثوق به، كما أن عليه توفير الحماية للمصالح الاقتصادية لفيالق الحرس الثوري الإسلامي القوية، وفي الوقت نفسه بناء علاقة مع الجيش الإيراني، الذي كثيراً ما يغفل عنه الحكام، وأن يؤسس علاقة قوية مع رفسنجاني، داعمه السياسي الأكثر نفوذاً، ومع المـرشد الأعلى.

تويتر