القاهرة هدّدت بالتصعيد بعد رفض أديس أبابا إيقاف مشروع «سد النهضة»

أزمة المياه بين مصر وإثيوبيا وصلت إلـــى ذروتها

مصر تقول إن سد النهضة الإثيوبي يهدد بتخفيض كمية الماء التي تصل إليها على نحو خطير. أ.ف.ب

يبدو أن النزاع الطويل بين مصر وإثيوبيا على مياه نهر النيل وصل إلى ذروته. وتعرض رئيس الحكومة المصرية، هشام قنديل، للانتقاد الشديد من مجلس الشورى لفشله في منع إنشاء السد الاثيوبي (سد النهضة)، الذي تبلغ كلفته ‬4.7 مليارات دولار، والذي يهدد بخفض كمية المياه التي تصل إلى مصر على نحو خطير، وتسربت كلمات عن اجتماع ضم سياسيين مصريين، يتحدثون عن استخدام القوة العسكرية لوقف المشروع.

وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس المصري محمد مرسي أمام الجمهور، إن «جميع الخيارات مفتوحة» لمعالجة الأزمة. وأشار إلى أن تهديد الأمن المائي لن يكون مقبولا من قبل الحكومة المصرية. وأضاف «إذا فقدنا قطرة ماء واحدة، فإن دماءنا هي البديل».

ويرجع الصراع على الماء لأكثر من قرن، ونظرا لعدم سقوط ما يكفي من المطر على مصر فإن ‬85 مليوناً من المصريين يعتمدون على مياه النيل بصورة حصرية، واعتمدوا على المياه الراكدة الملوثة في النهر لسد حاجاتهم من الماء. وجرى ضمان ذلك عن طريق سلسلة من الاتفاقيات الاستعمارية، وكانت إيطاليا أولا، ثم بريطانيا التي وعدت مصر بأنها ستحصل على معظم مياه النيل بصورة دائمة.

وفي عام ‬1959، كان الاتفاق بين مصر والسودان، إثر استقلال السودان عام ‬1956، فتم تخصيص ‬55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، و‬18.5 مليار متر مكعب للسودان، بحيث تحصل الدولتان على ‬87٪ من المياه المتدفقة في مجرى النيل.

وكان ذلك مناسبا للمصريين، لكن الاتفاقيات لم تقدم شيئا للدول الأخرى الواقعة على مجرى النهر، ومنذ عام ‬1998 تحاول مبادرة النيل جمع الدول الـ‬10 الواقعة على مجرى النهر لبحث قضية توزيع المياه.

ولكن هذه الدول، وهي: بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب السودان، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، إضافة الى إرتيريا كمراقب، فشلت في الوصول الى اتفاق، وكان التوصل إلى اتفاق تنمية اجتماعية واقتصادية، عبر المحاصصة في مياه النيل ومصادره «قد فشلت، بسبب عناد مصر ورفضها».

وعلى الرغم من أن القاهرة وعدت بالتعاون بصورة مستمرة، إلا أنها كانت تحمي الاتفاقيات التي تضمن تدفق المياه إليها. ويعتبر وادي النيل موطنا لنحو ‬200 مليون نسمة، ويمكن أن يتضاعف هذا الرقم في غضون ‬25 عاما، الأمر الذي يزيد الطلب بصورة كبيرة على المياه، لكن نظرا إلى أن مصر تعتمد على النيل بنسبة ‬98٪ من أجل الري، فإنها لا تملك الكثير من الخيارات، وإنما القتال مهما كانت التكاليف، وكانت النتيجة دائما الوقوف أمام طريق مسدود واتهامات واتهامات مضادة مريرة.

وكان بناء «سد النهضة» الإثيوبي قد أوصل الأزمة إلى ذروتها، إذ إن هذا السد الضخم المقام على النيل الأزرق والقريب من الحدود السودانية، مصمم لإنتاج الكهرباء لاستخدامها في إثيوبيا والتصدير إلى دول الجوار، لكن التقديرات المصرية تشير الى أنه حتى لو لم تفقد مصر نقطة واحدة من المياه المستخدمة للري، فإن السد يعني أنهم سيخسرون نحو ‬20٪ من مياه النيل، خلال السنوات الثلاث أو الخمس الأولى اللازمة لملء خزان السد الضخم.

ودان أعضاء مجلس الشورى المصري حكومتهم، لسلبيتها وعدم اتخاذها أي قرار في مواجهة هذا التهديد، وصرخ الجيولوجي وعضو المجلس المصري خالد عودة في المجلس، قائلا «إن مصر ستتحول الى مقبرة، إذا تم إكمال بناء هذا السد». وأضاف أن رئيس الحكومة «لم يفعل شيئا، وعلينا إيقاف بناء هذا السد قبل الدخول في أي مفاوضات».

وقال وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، الذي وعد بعدم التنازل عن «قطرة مياه واحدة من مياه النيل»، إنه سيذهب إلى أديس أبابا للتباحث بشأن السد. وخلال حديثه مع وكالة الأنباء المصرية (مينا)، بعد يومين من رفض الحكومة الإثيوبية طلب القاهرة إيقاف مشروع السد، قال عمرو «إن المصريين يرون أن أي عقبة أمام تدفق النهر تشكل تهديدا للأمن الوطني، أي غياب النيل يعني انتهاء مصر».

وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها مصر باستخدام القوة العسكرية لمنع اقتسام النيل، لكن في الماضي لطالما لجأت إلى وسائل غير مباشرة، وهناك وجهة نظر إثيوبية ثابتة مفادها أن مصر وراء العديد من مشكلاتها، وعندما استثنى الرئيس المصري جمال عبدالناصر إثيوبيا من خطط سد أسوان عام ‬1959، تفاوض الامبراطور هيلا سيلاسي على إنهاء العلاقة بين كنيسة الارثوذوكس الاثيوبية وكنائس الاسكندرية، واضعا حدا لعلاقة استمرت ‬1600عام.

وكان رد عبدالناصر تقديم الدعم للثورة الاريترية ضد الحكم الإثيوبي، عن طريق تشجيع الصوماليين المسلمين على القتال في منطقة أوغادان الاثيوبية، ولاتزال اريتريا تدعم الموقف المصري في ما يتعلق بالنيل. وفي أبريل من العام الجاري أرسل رئيس إرتيريا أسياس أفورقي رسالة تأييد ودعم حملها وزير الخارجية الارتيري عثمان صالح، ومستشار الرئيس للشؤون السياسية يميني جبريب.

ومن المتوقع أن تتفاقم مشكلات مصر المتعلقة بنهر النيل، وفي ‬10 أبريل ‬2010 وقعت إثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وكينيا، وتنزانيا اتفاقية جديدة في إثيوبيا، لإسقاط الاتفاقيات التي تمت خلال الفترة الاستعمارية، وقاموا باستبدالها بأخرى أكثر منطقية وإنصـافا في الحصول على مياه النهر. وتمت الموافقة على الاتفاقية بعد أن وقعت عليها بوروندي، وانضمت إلى المجموعة السابقة عام ‬2011.

ولم يبق إلا مجرد وقت قبل أن تبدأ هذه الدول في استخدام مياه النيل، من أجل أغراضها الخاصة، ويبدو المستقبل بالنسبة للمصريين قاتماً فعلا.

مارتن بلوت كاتب في «الإندبندنت»

 

تويتر