‬٪25.2 تحت خط الفقر و‬23.7٪ يحومون حوله وسط مخاوف من «ثورة جياع»

معاناة فقراء مصر تتفاقم مع تدهـور الاقتصاد

معدلات التضخم ارتفعت بشكل كبير بسبب المأزق الاقتصادي الكارثي في مصر. رويترز

منذ سقوط (الرئيس المصري السابق) حسني مبارك عام ‬2011، شهدت مصر هبوطاً حاداً في الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة، تلاه انخفاض بنسبة ‬60٪ في احتياطيات النقد الأجنبي، وانخفاض آخر في النمو بنسبة ‬3٪، حيث أفرز ذلك كله انهياراً سريعاً في قيمة الجنيه المصري، وأدى بالتالي إلى تصاعد أسعار المواد الغذائية وتزايد معدلات البطالة، وندرة الوقود وغاز الطهي.

ويعلق أستاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية في القاهرة، جلال أمين، على هذا الوضع قائلاً «لا أحد يهتم بالفقراء الآن»، ويعتقد أنه خلال أزمات أواخر ستينات القرن الماضي وأواسط السبعينات وأواخر الثمانينات من القرن نفسه حصل فقراء مصر على الحماية اللازمة، إما من خلال دعم السلع، أو المساعدات الخارجية، أو بتخفيف معدلات البطالة، أو من خلال تحويلات المغتربين العاملين في دول الخليج العربي. والآن فمن بين كل أربعة مصريين شباب هناك شخص واحد عاطل عن العمل، وهبطت التحويلات الخارجية إلى أدنى مستوياتها، وانكمش معدل السلع المدعومة».

ويقول وزير المالية السابق، سمير رضوان «نحن نتحدث عن أن ما يقرب من نصف السكان يعيشون في حالة فقر»، ويضيف رضوان، الخبير في التنمية الاقتصادية، «وهؤلاء يعيشون إما في فقر مدقع أو قريباً منه، وهذا يعني أن أي صدمة اقتصادية، مثل التضخم، ستطيح بهم تحت خط الفقر». وفي الوقت الراهن فإن ‬25.2٪ من المصريين تحت خط الفقر، مع ‬23.7٪ منهم يحومون حول هذا الخط، وفقاً للأرقام التي قدمتها الحكومة المصرية.

وبالنسبة لمعظم المصريين، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية من أصعب المشكلات التي يواجهونها، حيث تضاعفت بعض اسعار السلع منذ الخريف الماضي، ويعتبر ذلك كارثياً إذا علمنا ان واحدة من كل اربع أسر تنفق ‬50٪ من دخلها على الغذاء.

وتعتبر المهندسة المعمارية، هدى جمعة، أن الوضع خطير جداً ويؤثر في ابنائها، وتقول «إن وضعهم في المدرسة يزداد سوءاً»، وتضيف «انهم يصابون بالمرض في كثير من الأحيان، وظهرت بقع سوداء تحت اعينهم وأسنانهم».

وتقول انهم لا يحصلون على غذاء متكامل، ولا تستطيع أن توفر لهم ما يحتاجون إليه من طعام. وقبل ستة أشهر أنفقت نصف راتبها على المواد الغذائية، وتنفق الآن ‬80٪ منه على الطعام لأن أسعار الغذاء في تصاعد مستمر.

ونتيجة لذلك، فإن المستهلكين إما أن يشتروا كمية أقل، أو يحجمون تماماً عن الشراء. ويشتكي وليد بالقول «هذا مستحيل لقد فقدت نصف زبائني، لأن الناس صارت تركز فقط على شراء المواد الغذائية الأساسية». ويبدو الطابق العلوي من متجره وسط القاهرة الآن فارغاً تماماً. ويقول إن جيرانه من تجار الأكشاك اضطروا لإغلاقها في الأشهر الأخيرة.

تضخم

لا يعتبر تضخم أسعار المواد الغذائية ظاهرة جديدة في أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، حيث يزيد عدد السكان بسرعة أكبر من زيادة الإنتاج، وحيث يعطب نصف المنتجات بسبب الحرارة وهي في طريقها إلى السوق، إلا أن معدلات التضخم ارتفعت بشكل كبير بسبب المأزق الاقتصادي الكارثي في مصر. الأكثر إشكالية من ذلك هو أن قيمة الجنيه المصري انخفضت بنسبة ‬12٪ مقابل الدولار منذ ديسمبر الماضي. ولعامين سابقين يستخدم البنك المركزي المصري احتياطياته من العملة الأجنبية لإيقاف التدني، إلا أن تلك الاحتياطيات تقلصت بنحو ‬60٪ منذ عام ‬2011، ولهذا السبب صارت قيمة الجنيه تهبط بصورة أكبر وأسرع. وفي المقابل أصبح استيراد البضائع أكثر كلفة لبلد يمثل القمح ‬60٪ من وارداته.

يقول المبعوث الأوروبي إلى مصر، جيمس موران، «يبدو أن لديهم أزمة خطيرة»، ويشير إلى أن احتياطيات العملة الأجنبية انخفضت من ‬36 مليار دولار قبل ثلاث سنوات، إلى ‬14.4 مليار دولار الشهر الماضي، وهذا لا يغطي سوى أقل من ثلاثة أشهر من الواردات، إنه أمر خطير للغاية».

وجعل انخفاض قيمة الجنيه المصري من الصعب على الحكومة المصرية استيراد الوقود. فقد درجت الدولة، منذ عهد الرئيس السابق، جمال عبدالناصر، على دعم وقود الديزل (جنبا إلى جنب مع السلع مثل الخبز وغاز الطهي والأسمدة). وبما أن الدعم الآن يبلغ أكثر من خمس إنفاق الدولة، ومع وجود عجز في الميزانية قدره ‬13٪، فلم يعد من الممكن توفير الدعم للمواطنين كما كانت عليه الحال من قبل، ونتيجة لذلك، يحدث عجز يومي في مضخات التزود بالوقود في جميع أنحاء مصر، مع وجود طوابير طويلة، وأحياناً معارك قاتلة. وتحول الكثير من السكان الى السوق السوداء، حيث تزيد أسعار الوقود ما بين ‬40 و ‬80٪ من سعره الرسمي. ولكن الأدهى من ذلك أن معظم وقود السوق السوداء مخلوط بالماء ما يؤدي الى أعطال في المحركات. وفي المقابل، يتعين على المزارعين بيع محاصيلهم بأسعار أعلى - ومع اضطرار الحكومة إلى خفض دعم السلع الاساسية لا يستطيع أفقر المصريين تحمل كلفة المواد الغذائية.

ويقول أستاذ الاقتصاد القياسي بكلية «امبريال» في لندن، كريم أبادير، وهو أحد مؤسسي حزب المصريين الأحرار المعارض «إن المصريين الأغنياء يمكنهم التعامل مع الوضع، الا أن فقراء مصر، وهم من أفقر الفقراء، يعتمدون في غذائهم اليومي على الخبز فقط، وهذا نظام غذائي خطير، وحتى هذا الغذاء لن يتمكنوا من الحصول عليه، وليس لدى الحكومة أي خطة لتوفر لهم شبكة أمان».

تدابير متواضعة

وحتى الآن لم تفعل حكومة الرئيس المصري محمد مرسي التي يقودها الاسلاميون، شيئاً سوى أن جعلت البلاد تعتمد على تدابير قصيرة الأجل. وقبلت قروضا ومنحا تبلغ قيمتها أكثر من خمسة مليارات دولار من دول خليجية مثل قطر، ووقود من دون سعر فائدة من ليبيا المجاورة. وداخلياً تجنبت الحكومة الجديدة الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي قد تسبب اضطرابات على المدى القصير - ربما خوفا من أعمال الشغب- التي صاحبت ازمة خبز مماثلة في عام ‬1977، عندما حاول الرئيس السابق، أنور السادات ان يلغي مؤقتا دعم السلع. وبدلا من ذلك، ركز مرسي أساسا على مبادرات بلا معنى مثل زيادة الضرائب على واردات هامشية مثل المكسرات، أو إغلاق المحال التجارية في وقت مبكر ليلا لتوفير الكهرباء. وحاول مرسي أيضا إضفاء الشرعية على الصكوك المثيرة للجدل، وهي شكل من اشكال السندات الإسلامية التي قد تساعد على استقطاب المزيد من الاموال على المدى القصير.

ويقول رضوان «ليس لدى الحكومة أي رؤية على الإطلاق». ويعتقد كل من رضوان وأمين أن الحكومة بحاجة لإعادة الهدوء إلى الشارع المصري ومناخه السياسي المضطرب، وهذا الاستقرار من شأنه أن يمنح المستثمرين الثقة لإعادة فتح ‬1500 من المصانع التي أغلقت ابوابها منذ عام ‬2011، وتشجيع السياح للعودة- الذين كان مردودهم يصب في الاقتصاد المصري في بعض الاحيان مليار دولار في الشهر.

«إن إعادة الاستقرار، واستقطاب السياح، واستعادة الثقة من قبل المستثمرين»، كما يقول أمين، من شأنها أن تعمل على زيادة فرص العمل، وانتشال الملايين من الفقر، ما يسمح تدريجيا للحكومة بالتخلي عن دعم السلع الغذائية لأولئك الذين لم يصبحوا في حاجة إليها. ويختتم بالقول «إنه كلما نجحت الحكومة في زيادة دخل الفقراء فإنها تستطيع خفض دعمها لهم غذائياً».

غالباً ما يتوقع الاقتصاديون حدوث ما يسمى بـ «ثورة الجياع»، ولكن بالنسبة لرضوان فإن مصر بالفعل في تلك المرحلة: فقد ارتفع معدل السرقات الى ‬350٪ في عام ‬2012، كما تولى المصريون إعادة توزيع الثروة بأيديهم. ويضيف رضوان ان «النخبة تجلس هناك قائلة ان ثورة الجياع قادمة، ماذا يقصدون بأنها قادمة؟ هل ينتظرون أن يروا عنفاً؟ أو ان يحدث تدمير دموي لسجن الباستيل (في إشارة إلى تدمير السجن إبان الثورة الفرنسية)؟ إن هذه الثورة تحدث الآن بالفعل».

تويتر