دعم أوباما للمحكمة الدولية يتناقض مع الازدراء الواضح الذي أظهرته تجاهها إدارة بوش الابن

شهر العسل بين أميركا و«الجنائية» لـــن يطول

أميركا والمحكمة الجنائية الدولية بينهما مصالح متقاطعة. ا.ف.ب

في وقت سابق من شهر أبريل الماضي، استضافت مؤسسة بروكينغز منبراً لمناقشة ما لم يكن وارداً مناقشته قبل عقد من الزمن، أو ما يمكن ان نطلق عليه في بعض الأحيان مهرجان حب صريح، بين مسؤولين من الحكومة الأميركية والمحكمة الجنائية الدولية، فقد أشادت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بالجهود التي تبذلها واشنطن لدعم المحكمة وتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة.

بدوره، أعلن سفير جرائم الحرب الاميركية، ستيفن راب، أن «كل حالة من الحالات التي صدرت أوامر اعتقال بشأنها من قبل المحكمة الجنائية الدولية تستحق الدعم من الولايات المتحدة».

ولأول مرة نجد ان الولايات المتحدة لا تتعاون فقط مع المحكمة الجنائية الدولية - التي تتخذ من لاهاي مقراً لها - وإنما أيضاً تشجع على التعاون وتبادل المعلومات معها. وفي مارس الماضي سلم زعيم المتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بوسكو نتاغاندا، والمطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية منذ عام ‬2006 بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية - سلم نفسه الى السفارة الأميركية في كيغالي، رواندا. وعلى الرغم من معارضة الحكومة الرواندية المحكمة الجنائية الدولية، نقل مسؤولون أميركيون نتاغاندا بسرعة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبعد أقل من أسبوعين أعلنت واشنطن عن التوسع في برنامج مكافآت العدالة، بتقديم ما يصل إلى خمسة ملايين دولار لأي معلومات تؤدي إلى اعتقال ونقل وإدانة زعيم جيش الرب، جوزيف كوني، وغيره من المطلوب اعتقالهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وعلاوة على ذلك، وجد هذا التوسع في برنامج المكافآت الدعم من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين على السواء، بمن فيهم السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست طرفاً في ميثاق المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي، فإنها تفعل الكثير، إن لم يكن أكثر من الدول الأعضاء، لدعم عمل المحكمة. ويقف دعم إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما في تناقض صارخ مع الازدراء الواضح الذي كانت تكنه إدارة الرئيس جورج بوش للمحكمة الجنائية الدولية خلال الفترة من ‬2001 -‬2005، وفي ذلك العهد كلفت واشنطن جون بولتون، الذي شغل منصب وكيل وزارة الخارجية ثم سفيراً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بالتنديد بنظام روما الأساسي، ومن خلال التهديد بقطع المساعدات العسكرية استطاع ان يؤمن لواشنطن التأييد من قبل عدد من الدول لما يعرف باتفاقات المادة ‬98، مع وعد بعدم إرسال مواطني الولايات المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية. في الوقت نفسه، أصدر الكونغرس قانون حماية أفراد القوات الأميركية الذي يحظر التعاون مع المحكمة وتمويلها.

ورغم اعتراضات بولتون، خففت الولايات المتحدة من معارضتها للمحكمة الجنائية الدولية خلال ولاية بوش الثانية. وفي عام ‬2005 لم يستخدم بوش حق النقض عندما أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصراع الدائر في دارفور للمحكمة. وبالإضافة إلى ذلك، فتحت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، قنوات اتصال مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية. وفي العلن، حافظت واشنطن على علاقة قوية مع المحكمة، لكنها مع ذلك استمرت في عدم الاعتراف بشرعية المحكمة، ورفضت إرسال مسؤولين أميركيين لمراقبة اجتماعات المحكمة الجنائية الدولية السنوية.

ولم تسر إدارة أوباما فقط على سياسات عهد بوش، لكنها سعت أيضاً بنشاط إلى إيجاد فرص لمساعدة المحكمة، وشارك مسؤولون أميركيون في الاجتماعات السنوية للدول الأعضاء للمحكمة الجنائية الدولية، ولم تعد واشنطن تتحدث عن اتفاقات المادة ‬98، وإنما تحدثت عن دعمها للمحكمة في مجلس الامن الدولي. وفي فبراير ‬2011، صوتت واشنطن مع مجلس الأمن الدولي بالإجماع لإحالة الوضع المتدهور في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي العام نفسه، أرسل أوباما ‬100 مستشار عسكري أميركي الى وسط إفريقيا لتدريب القوات المحلية على تعقب أعضاء كوني، وغيرهم من جيش الرب المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

ويتضح ان ارتماء الادارة الأميركية في أحضان المحكمة لم يجد سوى القليل جداً من المعارضة - إن وجدت - من الكونغرس. ويبدو أن أعضاء أساسيين في الكونغرس يعترفون الآن بأنه ينبغي دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية عندما تتداخل مع القضايا ذات الاهتمام للكونغرس، مثل مطاردة جيش الرب في شمال أوغندا.

ويبدو في الوقت الراهن أن بعض أعضاء الكونغرس هدأوا من معركتهم ضد المحكمة الجنائية الدولية. وبالنظر الى هذا الهدوء، يتعين على أوباما أن ينظر في توسيع التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك المساعدة في صندوق دعم التحقيقات، والملاحقات القضائية الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية التي تخدم المصالح الأميركية.

وبالإضافة إلى ذلك، قد يجادل بعض المهتمين بهذا الشأن، إنه وبسبب التغيير الأخير في المواقف، فقد حان الوقت للولايات المتحدة للتصديق على نظام روما الأساسي لتصبح دولة عضواً في المحكمة الجنائية الدولية. من الناحية النظرية، فإن لهذا التصديق الكثير من المزايا، لأنه يقدم لواشنطن فرصة لتعيين قضاة ومدعين عامين أميركيين في المحكمة، والذين يمكنهم المساعدة على تطوير القانون الجنائي الدولي، وممارسة النفوذ على إجراءات المحكمة الجنائية الدولية.

ومع ذلك، فإن أكثر المؤيدين المتحمسين للمحكمة الجنائية الدولية يدركون أن موافقة الولايات المتحدة على الانضمام لعضوية المحكمة الدولية ستكون خطوة خاطئة في هذا الوقت، فمن غير المرجح أن يدعم الكونغرس الانضمام الى مؤسسة تستطيع نظرياً على الأقل إجراء التحقيقات مع مواطني الولايات المتحدة ومقاضاتهم. والكونغرس نفسه متشكك عموماً في الالتزامات الدولية، بل رفض أخيراً اتفاقية الأمم المتحدة للإعاقة، على الرغم من تفصيلها على الأميركيين وصياغتها على غرار قانون الإعاقة الأميركي لعام ‬1990. وأثار الجمهوريون في مجلس الشيوخ موقفاً متحفظاً منذ فترة طويلة تجاه مثل هذه المعاهدات، ورددوا مخاوف لا أساس لها بأن الاتفاقية من شأنها أن تسمح للبيروقراطيين في الأمم المتحدة بانتهاك سيادة الولايات المتحدة. فإذا كان أعضاء مجلس الشيوخ لم يتوصلوا الى اتفاق دولي بشأن هذه الاتفاقية غير المثيرة للجدل نسبياً، فليس هناك فرصة لأن يوقع المجلس على عضوية محكمة جنائية دولية.

وعلاوة على ذلك، إنه حتى من دون ان يبذل الكونغرس جهداً في التصديق، يمكن لبعض التطورات أن تشعل مرة أخرى معارضة الكونغرس للمحكمة الجنائية الدولية، فعلى سبيل المثال، قد يضغط الكونغرس على الادارة لمراجعة موقفها من المحكمة إذا جدد القادة الفلسطينيون طلبهم للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق بشأن جرائم إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك النشاط الاستيطاني. كما أن من شأن تحقيقات المحكمة في جرائم مزعومة ارتكبتها القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها في أفغانستان، وهي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، أن يثير شرارة معارضة مماثلة.

أما الآن، فإن الولايات المتحدة تعمل على توطيد علاقتها مع المحكمة، وتعتقد إدارة أوباما أن المحكمة الجنائية الدولية تمثل أداة بالغة الأهمية لتقدم إلى العدالة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. ومن المنطقي أن تدعم واشنطن محكمة تلاحق أمثال جوزيف كوني، لكنها في الوقت نفسه تتجاهل الانتهاكات المزعومة التي ارتكبها الأميركيون وحلفاؤهم، فإذا تصرفت المحكمة الجنائية الدولية ضد مصالح الولايات المتحدة فإن دعم واشنطن سيتلاشى بسهولة.

تويتر