فرّوا من مأساة في سورية إلى مزيد من المعاناة بلبنان

اللاجئون الفلسطينيون يتعرضون لمعاقــــبة قاسية

الأزمة السورية فاقمت من معاناة الفلسطينيين لاسيما بعد استهداف المخيمات في مناطق عدة. غيتي

تعلمنا أن التاريخ بلا قيمة ولا يعني شيئاً ما لم يكن فيه ما هو مثير للاهتمام ولافت للانتباه. ويتعرض اللاجئون الفلسطينيون منذ سنين للمعاقبة القاسية حيث يتم حرمانهم الحد الأدنى من الحقوق المدنية الأساسية، ومنها عمل أو وظيفة يعتاشون منها هم وأسرهم، وتملك مسكن يؤويهم. بل تم تشديد هذه العقوبات في السنوات الأخيرة، لا سيما مع بدء الأزمة في سورية، حيث تعود اسباب ذلك في بعضها الى رغبة البعض بلبنان في الانتقام من اللاجئين الفلسطينيين على ما قاموا به من دور مزعوم بالتورط في الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان بين عامي ‬1975 و‬1990.

وها هم في سورية يتعرضون لانتقام مماثل وربما اكثر قسوة من الجماعات الاسلامية المتشددة المشاركة في الحملة المسلحة للمعارضة، لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد لرفضهم الاشتراك في تلك الحملة. وبعد اضطرار آلاف اللاجئين من ابناء مخيم اليرموك الى النزوح الى لبنان هرباً من جحيم الاقتتال اطلق بعض الشبان الفلسطينيون على مخيم شاتيلا في بيروت اسم «شاتيلا- اليرموك». وربما كان مخيم شاتيلا هو الاكثر ازدحاماً بالسكان بين ‬12 مخيماً فلسطينياً في لبنان و‬59 مخيماً في المنطقة بشكل عام حيث يتكدس فيه السكان «كعلب السردين» حتى قبل تدفق اللاجئين الفلسطينيين عليه من سورية. حتى الآن نزح ‬38 ألف فلسطيني من سورية الى لبنان و‬5000 الى الأردن و‬9000 الى مصر، وآلاف أخرى الى العراق وتركيا.

ومنذ ثمانية أشهر منع الأردن اللاجئين الفلسطينيين في سورية من دخول أراضيه. واستناداً الى الأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت روزماري الصايغ، فإن الفلسطينيين الذين دخلوا الأردن قادمين من سورية ممنوعون من التحرك شبراً واحداً خارج مخيمهم المؤقت، وإن هامش الحركة الوحيد المسموح لهم به هو العودة الى سورية ليواجهوا الموت باحتمالات قوية.

وفي مصر لاحظ الفلسطينيون الذين هربوا إليها من سورية ان السلطات المصرية تمارس التمييز ضدهم بشكل صارخ، وأن حكومة الرئيس المصري محمد مرسي، لم تغير شيئاً مما ورثته في هذا الشأن عن نظام سلفه حسني مبارك. والسبيل الوحيد أمام أي لاجئ فلسطيني في سورية لدخول مصر هو الطيران في رحلة جوية مباشرة من مطار دمشق الى مطار القاهرة، مع العلم ان معظم شركات الطيران العربية والاجنبية أوقفت رحلاتها من دمشق وإليها، وإن الشركة المتبقية هي شركة الطيران السورية التي تستخدم مطار دمشق في وجهات قليلة ومحدودة، وهذا يعني ان مطار دمشق اصبح منذ اكثر من عام مغلقاً معظم الوقت.

وفور وصول أي لاجئ فلسطيني الى القاهرة قادماً من تركيا او لبنان أو أي مكان آخر يتم احتجازه فوراً في مطار القاهرة، ويتعرض لضغوط نفسية ولفظية حتى يقبل بالعودة الى سورية الى حيث أتى، وبالفعل أرغمت السلطات المصرية عدداً من اللاجئين الفلسطينيين على الصعود ثانية الى طائراتهم التي جاءت بهم من لبنان وتركيا وعادت بهم الى أنقرة وبيروت، لكن السلطات اللبنانية والتركية منعتهم من النزول من الطائرة وأعادتهم الى القاهرة في رحلة عذاب ومعاناة. ولابد من قول الحقيقة وهي أن اللاجئين الفلسطينيين في سورية ليسوا موضع ترحيب أو قبول من معظم الدول العربية، على الرغم من اسهام الفلسطينيين الواضح والكبير في عمران هذه البلدان ونهضتها، ولا شك في أنهم سيسهمون في مثل ذلك في لبنان إذا تم السماح لهم بالعمل. ومعظم الذين تدفقوا ويتدفقون من سورية على لبنان هم من سكان مخيم اليرموك، ولكن هناك اعداداً قادمة من مخيمات «سبينة»، و«جرمانا» و«خان الشيخ» و«النيرب» وغيرها من التي أنشئت في سورية عقب النكبة التي حلت بالفلسطينيين عام ‬1948.

وبين القصف العشوائي المتقطع ورصاص القناصة يعيش أهالي مخيم اليرموك في حجيم يومي متواصل بين نار المسلحين من «جبهة النصرة» احد فصائل المعارضة السورية وبعض المسلحين من الجبهه الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، الذين يقولون انهم يدافعون عن المخيم، والذين يسمون «اللجان الشعبية» و«المؤيدون لنظام الأسد». واستولت جبهة النصرة على مخازن ومستودعات للأسلحة والذخيرة لمسلحي جبريل في المخيم. ويطوق الجيش السوري المخيم، لكنه يسمح بالمرور من بعض المناطق. وقال لي أحد المراقبين والمتابعين في دمشق إن لديه احساساً بأن ما يتعرض له «اليرموك» من قصف وهجمات هو بهدف محاولة جر الفلسطينيين الى التورط في الأزمة السورية، وهو ما يحرصون على تفاديه بكل السبل.

ويشعر المسؤولون في وكالة (غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة بالاستياء والاحباط بسبب الازمة المالية التي تعاني منها الوكالة وتمنعها من تقديم خدماتها الانسانية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، ما يعزز مخاوفهم من أن يتم حل هذه الوكالة وتفكيكها وهو حلم يراود اسرائيل منذ عام ‬1949، وقادة «إيباك» جماعة اللوبي الصهيوني الداعمة لها في الولايات المتحدة، وهي الجماعة التي لا تكف عن الدعوة الى حل تلك الوكالة متسلحة في دعوتها بتأييد الكونغرس الاميركي، الذي أعلن أكثر من مرة أنه لا يعترف بشيء اسمه اللاجئون الفلسطينيون. ومن أبرز الناشطين العاملين في الولايات المتحدة من أجل حل «الأونروا» دانيال بايبس المعادي للعرب والمسلمين، الذي تقول البروفيسورة الصايغ انه يواصل منذ عام ‬2002 حملة مسعورة بين طلبة الجامعات الاميركية للترويج لفكرة ان استمرار «الأونروا» في مساعداتها وخدماتها للاجئين الفلسطينيين يعزز لديهم شعور الضحية وهذا يقود الى التطرف والعنف.

ومع تدفق اللاجئين الفلسطينيين من سورية على لبنان اشتد ضغط الزحام الطلابي على المدارس التي تديرها وكالة «الأونروا»، حيت يتعين عليهم المبادرة بأسرع وقت ممكن للتسجيل في سجلات الوكالة لالتحاق بالمدارس. ولدى عبورهم الحدود من سورية تمنحهم السلطات اللبنانية تأشيرة دخول لمدة ‬90 يوماً، ولا يحصلون على أي خدمات انسانية او اجتماعية من تلك السلطات.

وها هي شرائح من اللبنانيين والسوريين تحقق ثراء سريعاً بسبب ظروف الحرب في سورية وتداعياتها، إذ قفزت أجرة السيارة من دمشق الى بيروت من ‬16 دولاراً قبل الأزمة الى ‬110 بعدها. وأعلنت «الأونروا» قبل أشهر قليلة أنها بحاجة الى مساعدات مالية عاجلة حتى تتمكن من تقديم الخدمات الانسانية والاجتماعية للأعداد الاضافية من اللاجئين الفلسطينيين الذين قدموا من سورية.

وقال مسؤولو الوكالة إنها بحاجة الى قرابة ‬27 مليون دولار، ولكن حتى الخامس من ابريل الجاري لم تتلق إلا ‬19 مليون دولار. وهناك ايضاً المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي لم تعد قادرة على تقديم أية خدمات للفلسطينيين، بعد ان استنزفت مواردها المالية، لأن سياستها الرسمية لا تقتصر على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين وحسب، بل ايضاً مساعدة اللاجئين في مختلف مناطق العالم. وفي محاضرة لها في برلين تنسب البروفيسورة الصايغ الى «مرصد توماس هيلز» القول «لم يكن لدى الفلسطينيين في يوم من الايام ترف استيعاب او تجاوز مأساة أو كارثة تحل بهم قبل أن تدهمهم أخرى».

وفي مخيم شاتيلا وكما هي الحال في مخيمات فلسطينية اخرى في لبنان وفي ضوء توقف أية خدمات أو مساعدات انسانية، فإن اللاجئين الفلسطينيين من سورية ليس أمامهم من خيار غير الاعتماد على مساعدة ابناء تلك المخيمات، الذين هم من ذويهم وأقاربهم ويشاطرونهم المأساة باعتبارهم ابناء شعب واحد. وليس هناك من خيار أمام الطرفين غير مساعدة كل منهما للآخر حتى يعود الجميع الى فلسطين بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي. وهذا أبسط ما يعلمنا إياه التاريخ وهذا ما يقوم به اللاجئون الفلسطينيون بالفعل.

 

فرانكلين لامب - كاتب ومحلل سياسي أميركي

تويتر