نظراً للكلفة الباهظة لتشغيل المخيمات

تركيا تسعى إلى دمج اللاجئين السوريين في مجتمعها

جنوب شرق تركيا بالقرب من الحدود مع سورية يحتوي ‬17 مخيماً يضم نحو ‬200 ألف لاجئ. رويترز

لاتزال تركيا الوجهة المفضلة لكثير من النازحين السوريين، ومع تزايد عددهم يصبح من الصعب توفير الخدمات الضرورية في المخيمات المخصصة لاستقبالهم. ويوجد في جنوب شرق تركيا، بالقرب من الحدود مع سورية، نحو ‬200 ألف لاجئ، يتوزعون على ‬17 مخيماً، ويقول مبعوثون من وكالة غوث اللاجئين، إن المعايير المطبقة في تلك المخيمات جيدة، والوضع مقبول على العموم.

ويحظى المقيمون في الخيام بالرعاية، ويحصلون على جميع الخدمات المتوافرة، ويوفر مخيم كيليس، على سبيل المثال، الغذاء والدواء فضلا عن البرامج التعليمية، ومساجات اللعب للأطفال. كما يوفر المخيم مرافق للنساء يمكنهن التجمع ومساعدة بعضهن بعضاً. إلا أن تشغيل المخيمات يعتبر عبئاً مادياً كبيراً يرهق كاهل الحكومة التركية التي تحملت جميع الأعباء بمفردها إلى الآن، وبات من الصعب عليها إضافة تجمعات جديدة أو توسيع المخيمات الحالية، لاستيعاب المزيد من النازحين.

وصرح رئيس إدارة مواجهة الكوارث وحالات الطوارئ في تركيا، فؤاد أوكتاي، قبل أسابيع، بأن تركيا «أنفقت نحو ‬1.5 مليار دولار أميركي لمساعدة اللاجئين السوريين الفارين إلى تركيا، تشمل تكاليف تشغيل مثل انتقالات ورواتب مؤسسات حكومية لمدة عامين تقريباً».

وبدأت تركيا تتحول تدريجياً نحو نموذج أكثر استدامة من خلال تسجيل اللاجئين الذين يقدرون بعشرات الآلاف ويعيشون خارج المخيمات. وعندما زار فريق إغاثة اللاجئين الدوليين تركيا في أكتوبر الماضي، كان السوريون يصارعون من أجل الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى.

وقدمت المساعدات عن طريق السلطات المحلية والأفراد الذين يعتمدون على الدعم المالي غير المنتظم، والذي لا يمكن الاعتماد عليه من قبل مانحين خاصين، المساعدة لأولئك الذين يعانون الصدمات النفسية والعنف الجنسي، وهاتان الظاهرتان منتشرتان بصورة تثير الصدمة، ولم تكونا موجودتين في الأساس. ومع اقتراب نفاد مدخراتهم، فإن العديد من اللاجئين يخشون أن عليهم أن ينتقلوا إلى أحد المخيمات المكتظة.

وتسهم عمليات التسجيل في مساعدة السوريين للحصول على احتياجاتهم الأساسية في الأماكن التي يوجدون فيها، عوض ممارسة المزيد من الضغط على نظام المخيمات. كما تسمح العملية للنازحين بالحصول على خدمات لم تكن متوافرة، مثل التعليم والتدريب والعمل الذي من شأنه أن يساعدهم على المدى الطويل. والأمر المحزن هو أن معظم اللاجئين لن يكون باستطاعتهم العودة إلى ديارهم قريباً. ولكن من خلال دمج هؤلاء في المجتمعات المضيفة، فإن بإمكان تركيا أن تخفض من اعتمادها على المخيمات، وأن تحد من كلفة المساعدات، كما يمكنها أن تساعد اللاجئين على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ومع قيام تركيا بهذا التحول، فإن الجهات المانحة مثل الولايات المتحدة يجب أن تسهم من خلال دعم خطة الأمم المتحدة الإقليمية لمساعدة اللاجئين السوريين.

وإذا كان الوضع في تركيا بهذا السوء، فبالتأكيد فإن الظروف داخل سورية أسوأ بكثير.

ووجد فريق الإغاثة الدولي أن عمليات المساعدة عبر الحدود ضعيفة وغير كافية، وبدا ذلك بشكل واضح. بينما تصل مساعدات غير منتظمة إلى السوريين في المخيمات البائسة قرب الحدود التركية، فإن المساعدات تصبح أكثر ضعفا عندما تكون في طريقها إلى داخل سورية، فهناك حاجة ماسة لماء الشرب والتنظيف من أجل منع انتشار الأوبئة والجفاف مع حلول فصل الصيف، إضافة إلى الطعام والدواء والمعدات الضرورية للعلاج خصوصاً للأطباء والممرضين الذين مازالوا يعملون في الداخل.

وفي السياق، عبر العاملون السوريون في مجال الإغاثة، وجميعهم متعلمون تعليماً عالياً، عن سخطهم تجاه المجتمع الدولي، واشتكوا من أن الغرب يفرط في الحذر، عندما يتعلق الأمر بالاشتراك مع مجموعات سورية، بهدف تحديد من هم في حاجة إلى المساعدات في الداخل.

قد يكون بعض من هؤلاء النازحين السوريين لا يعرف الحجم الحقيقي للمساعدات التي يتم تسليمها، فالغذاء القادم من الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتم تسليمه في صناديق لا تحمل علامات لأسباب أمنية، ومع ذلك تبقى الحقيقة أن الشبكات المحلية والمنظمات في عمق سورية لا تستخدم على نحو فعال. ويمكن لفرق الإغاثة الوصول إلى المدنيين المحاصرين في الخطوط الأمامية، من حلب إلى حمص ودمشق، لكن المانحين الغربيين لا يستفيدون من قدرتهم على الوصول إلى نقاط متقدمة غير متاحة للمحليين.

هناك أسباب وجيهة لتوخي الحذر من تمويل المنظمات السورية، خصوصاً بالنظر إلى التحديات المتعلقة بمراقبة أماكن توجيه المساعدات والمستفيدين منها. لكن رفض الجهات المانحة أصبح زائدا عن حده، نظراً للحاجات اليومية واليـأس الذي أصـبح يلازم المدنيـين في سـورية.

وتعتقد وكالة إغاثة اللاجئين الدولية أن المنظمات السورية المسؤولة يجب أن تمنح الفرصة وتساعد على تقديم المساعدات الدولية. وقد تكون هذه هي فرصة الغرب ليس لتقديم المساعدات الحيوية لسورية وحسب، ولكن لبناء جسور الثقة مع المجتمع المدني السوري، لأن إقامة واشنطن والاتحاد الأوروبي روابط قوية مع منظمات الإغاثة السورية حالياً، يعني إقامة شراكة مع جهات سيكون لديها رغبة وقدرة على التعاون بعد سقوط (نظام الرئيس بشار الأسد).

وفي المقابل، العكس صحيح أيضاً، فتجاهل الغرب للسوريين في وقت هم في أمس الحاجة إلى المساعدة والدعم، فإن عدم الثقة والعداء القوي سيكونان أصعب من أن يتمكن الجانبان من تجاوزهما في المستقبل، والفرصة لاتزال متاحة وعلى المجموعة الدولية أن تغتنمها.

 

تويتر