وقوع أي هجوم إرهابي سيهدد العلاقات بين القاهرة وتل أبيب

سيناء.. الاختبار الأكبر أمام أوباما في مصر

أوباما مطالب بدفع مرسي إلى فتح علاقات مباشرة مع إسرائيل. أ.ب

لاشك في أن الصعوبات السياسية والاقتصادية المتزايدة التي تواجهها مصر ستشكل العديد من مصادر الصداع السياسي لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال السنوات الأربع المقبلة، بيد أنه سيتعين على الإدارة الأميركية مواجهة خطر أكثر إلحاحاً على المدى القصير، يتمثل في الخوف من أن اندلاع هجوم إرهابي كبير في سيناء، سيُعجّل من حدوث أزمة أمنية بين إسرائيل ومصر، قد تستغلها جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة ذريعة لتخفيض العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، وربما إلغاء معاهدة «كامب ديفيد» للسلام بين مصر وإسرائيل. ولمنع هذه المحصلة ينبغي على واشنطن أن تمارس ضغوطاً فورية على الرئيس المصري محمد مرسي، لفتح قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، لضمان إدارة أي أزمة من هذا القبيل بشكل مسؤول.

إن وقوع هجوم إرهابي انطلاقاً من سيناء الذي من شأنه أن يهدد العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية ليس مجرد فرضية نظرية، لكنه أمر حتمي، نظراً لعدم الاستقرار الحاد في سيناء. فانهيار قوات الشرطة المصرية منذ الانتفاضة المناهضة للرئيس المصري السابق حسني مبارك، في يناير ‬2011، أوجد فراغاً أمنياً في الإقليم الصحراوي البالغة مساحته ‬23 ألف ميل مربع، والذي أسرعت المنظمات الإرهابية الجهادية إلى ملئه، تلك المنظمات التي يحتمل أن تشمل تنظيم «القاعدة». ولبعض هذه المنظمات خلايا في كل من سيناء وقطاع غزة، وأصبح شمال سيناء ملاذا آمناً شنت منه هذه المنظمات ‬15 هجوماً على خط أنابيب الغاز الواصل إلى إسرائيل والأردن خلال العامين الماضيين، منذ الإطاحـة بمبارك. وفي غضون ذلك، حاول الجهاديون مراراً وتكراراً استغلال سيناء كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، هادفين من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين هما قتل الإسرائيليين، وإثارة مواجهة دبلوماسية بين إسرائيل ومصر. وفي ‬18 أغسطس ‬2011 نجح الإرهابيون في إنجاز هذين الهدفين إلى حد ما. فقد قام ‬12 مسلحاً يرتدون زي جنود مصريين بشن هجوم عابر للحدود على حافلة بالقرب من مدينة إيلات الإسرائيلية، أدى إلى مقتل ثمانية إسرائيليين، وإصابة ‬30 آخرين بجراح، وأثناء هجوم مضاد قتلت القوات الإسرائيلية عن طريق الخطأ خمسة جنود مصريين. ولم يكترث الشارع المصري على ما يبدو لحقيقة أن الإرهابيين العاملين من بلادهم هم الذين تسببوا في وقوع هذا الحادث، فردوا بتظاهرات طالبت بإغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وإنهاء اتفاقات كامب ديفيد. وقد وصلت ذروة الهياج في التاسع من سبتمبر بالهجوم على السفارة الإسرائيلية، وصل فيه المهاجمون المصريون على بُعد غرفة واحدة مغلقة من مواجهة كان يُحتمل أن تكون قاتلة مع الدبلوماسيين الإسرائيليين. واستجاب المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر آنذاك على الفور بتخفيف حدة التوترات وبعث إشارات تؤكد التزام مصر بالعلاقات مع إسرائيل.

لكن التهديد الذي يمثله تكرار مثل هذا النوع من الهجوم لايزال مرتفعاً جداً، بحسب ما أسفر عنه هجوم في الخامس من أغسطس ‬2012، الذي قتل فيه الإرهابيون ‬16 جندياً مصرياً على طول الحدود بين سيناء وإسرائيل، لكن ظهور جماعة «الإخوان» باعتبارها الحزب الحاكم الجديد في مصر، سيجعل إدارة أزمة كهذه أمراً محفوفاً بمزيد من المخاطر، فعلى عكس المجلس العسكري السابق، ترفض «الجماعة» إقامة علاقات سياسية مع إسرائيل، وبعثت مراراً وتكراراً بمؤشرات حول نيتها تعديل معاهدة السلام من عام ‬1979، إن لم يكن إنهاؤها، بشكل أحادي.

ومن خلال التمعن في صميم الموضوع، نرى أن جماعة «الإخوان» قد استغلت هجمات سيناء مرتين كذريعة للمطالبة بإنهاء العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية. وشاركت في التظاهرات ضد الوجود الدبلوماسي الإسرائيلي داخل مصر، عقب حادث أغسطس ‬2011، وألقت باللائمة على «الموساد» الإسرائيلي في هجوم أغسطس ‬2012، حيث زعمت «الجماعة» أنه كان جزءاً من مخطط يهدف إلى تقويض حكومة مرسي. أضف إلى ذلك التصريحات الأخيرة «المعادية» من قبل «الإخوان»، ومن بينها دعوات المرشد الأعلى محمد بديع إلى «الجهاد» من أجل «استرداد القدس»، والإعلان الصادر عن المسؤول في «الجماعة» عصام العريان، الذي قال فيه إن إسرائيل ستُدمَّر خلال ‬10 سنوات، وأصبح يصعب على المرء تصور قيام «الإخوان» باحتواء الاهتياج عقب حادث إرهابي آخر في سيناء تشترك فيه إسرائيل بشكل مباشر.

إن الحد من احتمالية وقوع حادث كهذا يتطلب استراتيجية أمنية جديدة لمواجهة الجماعات الإرهابية في سيناء، فضلاً عن وضع استراتيجية اقتصادية لتنمية سيناء وتطويرها وتوفير فرص مشروعة لسكانها، لكن في ضوء المصاعب السياسية والمالية المتزايدة التي تواجهها مصر، فقد تستغرق صياغة هذه الاستراتيجية سنوات، ولذا فإن الأمر الضروري الآن هو إقامة قنوات اتصال يمكن من خلالها إدارة الأزمة التالية بين مصر وإسرائيل، والتي قد تقع في أي لحظة.

ينبغي على إدارة أوباما على وجه الخصوص أن تركز على ضمان قيام الرئيس مرسي بفتح قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، وينبغي عليها أن تبلغ مرسي بأن غياب هذه القنوات سيُعقِّد جهود احتواء الأزمات المستقبلية بين مصر وإسرائيل الناجمة عن سيناء، وهو ما سيهدد الاستقرار الإقليمي ويضر بشكل أكبر قدرة الحكومة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها بشدة. ينبغي على الإدارة الأميركية أيضاً أن تبلغ مرسي صراحة أن المساعدات الاقتصادية والعسكرية المصرية هي استثمارات في مصر التي تحافظ على العلاقات السلمية مع جيرانها، وأنه لا يمكن تجنب الوضع الراهن، الذي يؤدي فيه اندلاع أي شرارة في سيناء إلى المخاطرة بتمزيق العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل. وأخيراً، ينبغي على إدارة أوباما أن تقترح أن التعاون المصري ـ الإسرائيلي لوقف تدفق الأسلحة بين سيناء وغزة، قد يمثل نقطة انطلاق للاتصال المباشر بين مرسي وإسرائيل، وينبغي على واشنطن أن تخبر مرسي بأن مشاركته في هذا الجهد ستكون بمثابة اختبار مهم حول ما إذا كان سيضع المصالح الوطنية أو المساعي الأيديولوجية في سلم الأولويات.

ويقيناً فإن الإصرار على أن يفتح رئيس جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر قنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية لا يرجح أن يترتب عليه الحد من أيديولوجيته المناهضة لإسرائيل، مثلما لم يُسفر «تعاطي» الولايات المتحدة مع «الإخوان المسلمين» عن تغيير رؤية «الجماعة» المناهضة للغرب بشكل جوهري، لكن من خلال التركيز على المخاطر المرتبطة بسياستها الحالية واستخدام سياسة العصا والجزرة الصحيحة، فقد تتمكن الإدارة الأميركية من تغيير سلوك الجماعة. والواقع أن القيام بذلك هو ضرورة لو كانت الإدارة الأميركية تأمل في حماية السلام الإقليمي في عهد ما بعد مبارك.

 

تويتر