أكراد سورية «تحرروا».. وينتظرهم صراع على السلطة

مستقبل الأكراد يشكل جزءاً مهماً في الأزمة السورية. إي.بي.أيه

ترفع بعض البلدات، شمال شرق سورية، العلم الكردي ذا الألوان الصفراء والخضراء والحمراء مع استغلال الأكراد، الذين عانوا الظلم طويلا فراغا غير مستقر، تركته قوات الرئيس السوري بشار الأسد المنسحبة.

وربما يتمتع الأكراد السوريون بنسمة من الحرية، بعد تخلي الأسد على ما يبدو عن السيطرة على بعض المناطق، من اجل التركيز على المعركة ضد المعارضين، الذين يقاتلون في دمشق وحلب، ومعظمهم من العرب السنة.

ولكن طموحاتهم في الاستقلال، قد تتهاوى في صراع معقد على السلطة، يضم جماعات كردية متناحرة، وجماعات معارضة سورية، وتركيا والعراق الجارين اللذين يشعران بقلق.

ويقول ناشطو المعارضة وخبراء أمنيون ودبلوماسيون إن قوات الأسد انسحبت ـ خلال الأسابيع القليلة الماضية ـ من بلدات كردية أو تركت وجودا رمزيا فقط، كما أن الجيش السوري الحر المعارض غير موجود أيضا ليتركوا الأكراد بذلك حسب هواهم.

واتهمت أنقرة الأسد بتسليح حزب كردي سوري، على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني، الذي يقاتل من اجل الاستقلال، جنوب شرق تركيا، طوال الـ28 عاما الماضية، في صراع قتل فيه 40 ألف شخص. وهددت تركيا بالتدخل عسكريا، لمواجهة أي تهديد من حزب فبل العمال الكردستاني، شمال شرق سورية، حيث يلتزم حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني باتفاقية دقيقة، مع منافسه الأضعف المجلس الوطني الكردي.

وهناك انقسام بين هاتين الجماعتين الكرديتين، بشأن الأهداف التي يتعين السعي لتحقيقها إذا سقط الأسد، وهما لا تثقان بالمعارضة السورية المؤلفة أساسا من العرب.

وتشعر الحكومة، التي يرأسها الشيعة في العراق، بقلق ايضا بعد استضافة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي وزيراً تركياً، وسعيها إلى اكتساب نفوذ بالمناطق الكردية بسورية، بالتوسط في اتفاقية الوحدة الهشة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي.

وتقوم أيضا أربيل عاصمة كردستان العراق بتدريب اللاجئين السوريين، من أجل «حماية» المناطق الكردية لدى عودتهم إلى مناطقهم.

وقال خبير الشؤون السورية في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس، إن «المناطق الكردية بسورية ستصبح دون شك محل تركيز صراع السلطة، الذي بدأ يظهر في المنطقة». ويضيف «العرب السنة وتركيا سيقفون ضد ذلك، وستميل القوى الشيعية لتشجيع الاستقلال الكردي، وإن كان فقط للإضرار بالعرب السنة»، حتى على الرغم من أن هذا يبدو مناقضاً لنفوذ بغداد من الطموحات الكردية.

ويواجه الأكراد السوريون تمييزا في المعاملة منذ فترة طويلة، وافتقادا لحقوق المواطنة الكاملة والتشريد الإجباري، لكن الأسد سعى إلى إثناء الأكراد عن الانضمام للانتفاضة ضده، والتي تفجرت في مناطق أخرى في مارس ،2011 من خلال الوعد بالجنسية. والآن يقول حزب الاتحاد الديمقراطي، إنه سيطر على بلدات سورية، مثل كوباني، وديريك وعفرين، من دون قتال.

ويقول محللون امنيون إن هذه ربما تكون حيلة من الأسد، للسماح بزيادة نفوذ حزب العمال الكردستاني، لينتقم من تركيا لاستضافتها الجيش السوري الحر على حدودها الجنوبية.

ولسنوات قام الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار الأسد بإيواء عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، الذي تصفه تركيا وحلفاؤها الغربيون بأنه جماعة إرهابية. وأجبر وفاق بين دمشق وأنقرة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في سورية على الانتقال إلى شمال العراق.

وقال دبلوماسي إن الوضع الآن في المناطق الكردية بسورية، التي تتمتع بحكم ذاتي من الناحية الفعلية يبدو «مستقرا نسبيا، لكنه هش». وأشار هذا الدبلوماسي الى ان ردود الفعل التركية والأحداث في مناطق أخرى بسورية قد تحدد الى متى سيستمر ذلك، والاستقلال الكردي قضية حساسة، ليس لتركيا فقط، وإنما ايضا بالنسبة لخصوم الأسد في المجلس الوطني السوري، الذي تهيمن عليه جماعات عربية مثل «الإخوان المسلمين». ويعتقد أكراد كثيرون أن المجلس الوطني السوري، لديه نزعات قومية عربية، معادية للطموحات الكردية، حتى رغم أن زعيمه الجديد نفسه كردي. وفي عام ،2004 اشتبك الأكراد السوريون مع قوات الأمن، بعد حادث وقع بمدينة القامشلي الكردية. وقالوا حينئذ إن الأكراد لم يتلقوا مساعدة من الذين يتزعمون الآن الثورة ضد الأسد.

وقال ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي في كردستان العراق حسين كوجار إن «الأكراد لا يمكن أن يعيشوا بعد الآن مثلما، كانوا يعيشون في الماضي». وأضاف أن «الجيش السوري الحر لا يمكنه دخول المناطق الكردية، لأن جماعات الدفاع الكردية تتصدى له». وساعد رئيس كردستان العراق مسعود البرزاني على إبرام اتفاق، شكل بموجبه حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي لجنة مشتركة، لتعزيز المصالح الكردية في سورية، إلى حين سقوط الأسد.

ويتصور مسؤولو المجلس الوطني الكردي إجراء انتخابات بعد ذلك، لكنهم ينفون وجود خلافات سياسية مع شركائهم بحزب الاتحاد الديمقراطي.

ويشعر الزعماء الأتراك بقلق، من تمتع حزب الاتحاد الديمقراطي بسلطة في شمال سورية، وحذروا من القيام بعمل عسكري، إذا بدأ حزب العمال الكردستاني في تهديد تركيا من هناك.

ويشدد الزعماء الأتراك على الوحدة الوطنية السورية، ويريدون أن توطد الجماعات الكردية نفسها، لكن ليس حزب الاتحاد الديمقراطي المؤيد لحزب العمال الكردستاني.

وقال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان، إن «تركيا تواجه معضلة، فهي تريد رحيل نظام (الأسد)، لكن دون استفادة الأكراد، لاسيما حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي». وتابع «تركيا الآن تعمل مع البرزاني، لاحتواء حزب العمال الكردستاني».

والتقى وزير الخارجية التركي زعماء الأكراد السوريين، لكن ليس مع حزب الاتحاد الديمقراطي ومع المجلس الوطني السوري، في أربيل أغسطس الماضي.

وتسبب أيضا الأزمة في سورية وأسلوب التعامل مع الأكراد السوريين خلافا بين بغداد وأربيل، اللتين توجد بينهما خلافات بالفعل بشأن أراض وحقول نفط على حدودهما الداخلية.

وقاومت الحكومة العراقية، الوثيقة الصلة بإيران، حليف الأسد الأساسي، ضغوطا من السعودية وقطر، لانتهاج خط أكثر تشددا، إزاء الأسد، خشية ان يتولى سنة متشددون السلطة في سورية.

تويتر