أخطر نتائجه تعزيز الانقسام الطائفي

التدخّل الأجنبي في سورية يدخلها في متاهة

مخاطر تكرار الحالة الليبية في سورية ماثلة بقوة. رويترز

سيماس ميلن❊

بات كثير من المحللين يعتقد أن الدعم الذي يقدمه الغرب، ودول أخرى، إلى الثوار في سورية لن يجلب الحرية للسوريين، وإنما يفضي إلى تصعيد خطير لنزاع طائفي، يتخذ شيئا فشيئا شكل الحرب، وإذا ما تم تقسيم سورية، فإن نظام دول الشرق الأوسط، والحدود في ما بينها، سيدخل في عالم المجهول.

ولا يخفى على أي منا أن الدمار، الذي تشهده سورية منذ 17 شهرا، بلغ الآن ذروته، وما كان يسمى انتفاضة شعبية أصبح حربا أهلية شاملة، تغذي ش�9لتها جهات وقوى إقليمية وعالمية، وتنذر بالامتداد لتشمل المنطقة بأكملها.

وإلىجانب القتال الشرس، الذي تشهده مدينة حلب بين قوات نظام بشار الأسد ومسلحي المعارضة، وانشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب، وتشجيع القوى الإقليمية والدولية على الانشقاقات في صفوف العسكريين والمدنيين في ذلك النظام، فإن ثمة تطورات أخرى جديدة تنبئ بتفاقم حدة الصراع، واحتمال توسعه وانتقاله إلى خارج حدود سورية، وفي غير اتجاه مثّل اختطاف المعارضة السورية 48 إيرانيا، تقول طهران إنهم كانوا في طريقهم إلى زيارة ضريح السيدة زينب، بالقرب من العاصمة دمشق، وتقول المعارضة إنهم عناصر في الحرس الثوري الإيراني، أحد التطورات الخطيرة، التي قد تسهم في نقل الصراع في سورية إلى خارج حدودها.

وهناك تطور خطير آخر، وهو تهديد الجيش التركي بالتوغل في عمق الأراضي السورية، لمنع ما تقول أنقرة إنه انتشار لعناصر حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض حربا ضد تركيا، طمعا في انتزاع انفصال المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا، وتكوين كيان كردي مستقل فيها.

وثمة تطور ثالث لا يقل خطورة، هو تدفق المقاتلين «الجهاديين» الإسلاميين إلى داخل الأراضي السورية، وانضمامهم إلى المعارضة السورية المسلحة، في سعيها إلى إطاحة نظام الأسد.

وقد باتت، الآن، كل الاحتمالات واردة لانتشار الصراع، وانتقاله إلى خارج سورية.

ففي تركيا، مثلا، أقلية علوية كبيرة وأقلية كردية أيضا كبيرة، وتعرضت للاضطهاد لزمن طويل، بينما هددت انقرة بممارسة حقها في التدخل لملاحقة المتمردين الأكراد داخل سورية، بعد انسحاب القوات النظامية من مناطقهم شمال البلاد.

وفي لبنان، هنالك نار قد اندلعت بالفعل في شماله، بعد أن كانت شرارتها الأولى قد انتقلت من الشقيقة الكبرى سورية، وهي تنذر بالامتداد لتشمل كامل الأراضي اللبنانية. وتبدو حقيقة أن التدخل الخارجي في سورية في الواقع يطيل من عمر الصراع الدائر فيها، بدلا من أن يؤدي إلى إيجاد حل، أو أن يسدد ضربة قاضية إلى نظام الأسد.

وما يجعل الأمر أكثر حزنا هو أن الانقسام الطائفي يتعزز مع تورط اللاعبين الإقليميين في الصراع، مثل إيران التي تقف بقوة وراء�نظام الأسد وتسانده، وبعض دول الخليج التي تضخ الدعم المالي والعسكري للمعارضة السورية.

ويبدو أن السبيل الوحيدة ـ التي تتيح للسوريين الفرصة، لتقرير مصيرهم ورسم مستقبلهم بأنفسهم، ومنع سقوط بلادهم في بحر الظلمات ومتاهاته ـ هي الضغط على الأطراف المعنية، للتوصل إلى تسوية سلمية عبر التفاوض والحوار، وهو الأمر الذي يعرقله الغرب وأصدقاؤه وبشدة.

الوضع في سورية ليس كالوضع في العراق أو ليبيا، حيث عشرات آلاف الجنود الأجانب على الأرض بأسلحتهم. وما يساندهم من قوة ضاربة وتدميرية هائلة، بل هناك الأطراف الإقليمية تركيا وإيران، والعالمية كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين، تكتفي بتقديم الدعم المادي والعسكري والسياسي لنظام الأسد والمعارضة، وأدت زيادة هذا الدعم إلى ارتفاع عدد القتلى بشكل ملحوظ، في الأشهر الأخيرة.

وقد تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما، أخيرا، عن موقفه المتحفظ في دعم المعارضة السورية، وأمر بتقديم مساعدات عسكرية ومادية علنية وكبيرة لها، وأن تقوم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بتقديم التغطيات والمعلومات الأمنية والمساعدات السياسية، وتمرير المعونات العسكرية، وتوصيلها إلى الثوار السوريين، على نمط ما تم تقديمه من مساعدات إلى متمردي الكونترا في نيكاراغوا، في الثمانينات وبداية التسعينات.

ولفترة طويلة، مولت الولايات المتحدة ـ التي ساندت انقلابا في سورية 1949 ـ جماعات سورية معارضة، وبعد إقدام روسيا والصين على سد الطريق أمام آخر محاولة في الأمم المتحدة، لاستصدار قرار يجيز التحرك لتغيير النظام في دمشق. خلصت الإدارة الأميركية إلى أنه لابد من تغيير الموقف الأميركي، وجعله أكثر براغماتية، بتقديم المساعدة السياسية والعسكرية والمادية المباشرة للثوار السوريين ضد ذلك النظام، والدخول معهم في عمليات تنسيق، بشأن خطط انتقالية لسورية، بالتعاون مع تركيا وجهات إقليمية أخرى. واستنادا إلى ما قاله مسؤول أميركي لصحيفة «نيويورك تايمز»، الأسبوع الماضي « فإننا سنلاحظ أنه ـ خلال الشهرين الماضيين ـ اشتدت قوة المعارضة السورية بشكل ملحوظ، وإننا نحن الأميركيين مستعدون لتسريع الأمور في هذا الاتجاه»، كما أشار وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني، من جانبه، إلى أن بريطانيا تعمل من جانبها على توصيل المزيد من الأسلحة «غير الفتاكة»، إلى الثوار السوريين، بينما فتحت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي قاعدة قريبة من قاعدة انجيرليك الجوية الأميركية المعروفة، للتدريب والنقل اللوجستي أمام الجيش السوري الحر، الذراع العسكرية للانتفاضة السورية.

وبالنسبة للسوريين، الذين يتطلعون إلى الكرامة والحرية والديمقراطية، فإن التصعيد الخطير للقتال، بتشجيع وتحريض من الأطراف الخارجية إقليميا وعالميا، يبدو كارثة محققة تفوق في خطورة آثارها الحالة الليبية، بل إن الأميركيين، ومعهم أطراف إقليمية أخرى، هم وحدهم يقررون بكثير من الفوقية، أي الفصائل أو الجماعات من المعارضة السورية، التي تتلقى المعونة من السلاح والمال، وتلك التي لن تتلقى، وتنطلق المعارضة السورية في عملها من قناعتها بالتمسك بقرارها الذاتي، النابع من القبول الشعبي، لكن ديناميكية الدعم الخارجي تزيد من خطورة زيادة اعتماد جماعات المعارضة على ذلك الدعم، وتحولها إلى أدوات تحركها وتؤثر في قرارها الجهات الأجنبية الداعمة، بدلا من الاستناد إلى إرادة الشعب.

ومنذ سنوات طويلة، يحظى نظام الأسد بمساندة إيران، ومنذ عقود بمساندة روسيا، وبالنسبة للاعلام الغربي، هناك شعور بالصدمة، لأن المعارضة تضم جماعات متطرفة وخطيرة، مثل «القاعدة»، وجماعات سلفية متطرفة، ويقوم عناصر منها بعمليات اختطاف، وقتل، وتعذيب، وإعدامات لسجناء وأسرى. وبعد، فإن الضغط على الغرب وأصدقائه للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض في سورية، وحده، يمكن أن يتيح للسوريين الفرصة لتقرير مستقبلهم وسرياً، ووقف تسارع انزلاق سورية نحو بحر من الظلام والمجهول.

تويتر